ضمن مشروع «صندوق الفرجة» اللبناني الفرنسي، ومع واحدة من أربع مسرحيات «متل الحلم»: ملامح الماضي تعيد إنتاج إنسان حقيقي متحرر من التكنولوجيا

لا يكف المخرج كريم دكروب عن العمل والبحث والابتكار في مجال إسعاد الصغار، وجر الكبار إلى ساحتهم على الأقل  لاستعادة جانب من أحلى مراحلنا العمرية: الطفولة.


صندوق الفرجة، الذي عرفناه صغاراً في الأعياد والإحتفالات المختلفة، إعتمده دكروب عنواناً لحراك مسرحي أثمر أربع مسرحيات إحداها: متل الحلم، له، في تعاون إنتاجي إبداعي مع فرنسا ورعاية جزئية للإتحاد الأوروبي كنوع من البركة للمشروع خصوصاً وأن سفيرة الإتحاد الأوروبي في بيروت السيدة آيخهورست كانت بين الحضور وألقت كلمة عبرت فيها (بالعربية المكسرة أحياناً) عن جزيل سعادتها لوجودها في مسرح دوار الشمس ومواكبة هذا النشاط المتدفق والنوعي والجاذب، خصوصاً وأن الزحام للمتابعة شكل عنصر دعم للمشروع، ثقة من الجميع بخصوصية ما يقدمه المخرج دكروب، متعاوناً هنا مع فريق تقني لبناني فرنسي مشترك، مما أعطى المسرحية نكهة مختلفة من هذه المزاوجة في الجهد والرؤية وصولاً إلى الشكل النهائي: تمثيل، رقص، حركة، دمى، وفيديو.
أرادت «متل الحلم»، ربطنا بالماضي، بأيام كانت مساحة الخيال رحبة لصياغة الأحلام، التي وإن تحقق القليل منها لظروف مختلفة، تظل مادة دسمة للتناول والتذكر والإندفاع صوب غد أفضل، لكنه مشدود إلى الأمس دائماً، لأسباب أولها إستعاده الآدمي لأحلى ما فيه: دماغه وخياله والعالم الذي يرسمه لنفسه ولا يجد أجمل منه في كل مراحل حياته.
على هذا الحنين بنى دكروب عمله وأوجد مقاربة بين رجل عجوز وطفل هو حفيده الذي يحمل إسمه ويريد بلوغ طفولة الجد، الجاهز للتذكر وإستيعاب ما يجري خصوصاً  وأنه هو نفسه من قاد آخر قطار في لبنان قبيل العام 75 تاريخ الحرب المعلنة على لبنان والمستمرة حتى الآن لكن بصور مختلفة لا تقل أذية عن هول البارود والنار، ولإيجاد رابط بين الجد في لبنان والحفيد في فرنسا، ينطلق الأول إلى باريس للقاء الجيل الثاني من جيناته، لنعثر على المفارقة بين الطرفين، والتي لا تخف وطأتها سوى في مرحلة تدفق قريحة الماضي برداً وسلاماً على إبن اليوم..
السليمانان: الجد والحفيد، هما طرفان لعملة واحدة وإن اختلف الزمان وطالت الأيام، في محاولة لتوليد جانب من المبادئ والخصال الحميدة التي كانت سائدة وتوظيفها في الراهن من الأيام لتنظيف جانب من الصورة الرديئة للإنسان أولاً وآخراً.
سليمان الجد (فؤاد يمين) يحط على العائلة الخاضعة للشروط اليومية في الحياة الباريسية الخاصة حيث كل معالم الغرب حاضرة من خضوع لمنطق الآلة، والذهاب بعيداً في العلاقة مع الأجهزة الإلكترونية على إختلافها، وفوضى الإتصالات، وما يسمى التسهيلات الحياتية المختلفة التي جعلت من الإنسان مجرد دمية تتحرك آلياً من دون روح خلاّقة مبدعة.
سقط عليهم هذا العجوز، وبدا كأنه جاء من كوكب آخر، وليس من عصر آخر، هو يمثل حقيقة ساطعة في عصر يحاول عن غير قصد، إقصاءه عن العوامل التفكيرية بحيث لا يبقى خيال حاضر لصناعته وتنفيذ الحلم الذي يشكل دعامة لشخصية آدمية مستقلة وراسخة، وهو إسترجع كل معالم البساطة والعفوية والتوازن الطبيعي لفرض صورة نقية عن حقب سابقة ما أحلى وأروع ما كانت عليه.
ماريليز عاد، نيزلي بيرهوني، داميان تومي، في فريق الممثلين والمحركين للدمى ضمن المسرحية، عناصر تم توظيفها بعفوية فائقة لكي تخدم السياق المتسلسل بالمشهدية، والمؤثرات الصوتية، وبدا عبور القطار على المسرح واحداً من المشاهد الجميلة والمقنعة إخراجياً رغم أنها كانت لحظات عابرة لكنها بدت أشبه بالحاضر الذي يمر في حبل الذاكرة الرفيع والمشدود بين طرفيه من الماضي والحاضر.
الفنان دكروب متعاوناً مع 16 فناناً في مجال رسم الخطوات (لوتشيا كاربوني) والدمى (ماريون بيرولت) المؤثرات المشهدية) (سينتيا رافائيل) الفيديو (ماري دولا رويال) موسيقى ومؤثرات صوتية (إيفون باير) إضاءة (غيوم ساروي) ملابس (إيميلين روش) الديكور (ميرتيل دوبيافر، ديفيد هانس، حسن حسن، ومحمد العماري) أزياء (ناتالي باي، وريتا خوند)، وغيرها من المهمات التقنية، أثبتت أنه مايسترو حقيقي قادر على قيادة أكبر عدد من العازفين على وتر الأطفال، ومن دون أي خلل، أو نشاز..

 

بقلم محمد حجازي

http://www.aliwaa.com/

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *