مؤلف مسرحي تميُّز بنصوصه أحمد الماجد: الجائزة تفتح الكثير من الأبواب المغلقة

نظرة سريعة على السيرة الذاتية للمسرحي العراقي “أحمد الماجد”، تُجبرنا على تتبُّع النجاحات المتعددة التي سلكها هذا المسرحي، سواء في التأليف المسرحي أو عضوية لجان التحكيم أو حتى في العمل الصحفي والإذاعي التلفزيوني.

أحمد الماجد، مؤلف مسرحي مقيم في دولة الإمارات، كتب للمسرح “انتبه قد يحدث لك هذا”، و”محاكمة الفيلة”، و”نوبة حراسة”، و”بناية ونهاية”، و”ستارة وناسخ ومنسوخ”، وهذه نصوص صادرة في كتب، فضلاً عن نصوص أخرى لم تُنشر وعُرضت في أكثر من مكان، مثل “هب ودب”، و”يا عيوني”، و”جسوم وحيداً” وغيرها الكثير..
يحمل “الماجد” بكالوريوس في العلوم، وعمل كممثل مع العديد من المخرجين العراقيين والعرب في المسرح والإذاعة والتلفزيون، وهو رجل الجوائز الكثيرة التي حصل عليها عن نصوصه ومسرحه. وموخراً، في مهرجان دبي لمسرح الشباب في دورته السادسة 2012، فاز نصه “الجلاد” بالجائزة الكبرى، بالإضافة إلى ست جوائز أخرى. لموقع “إيلاف” يتحدث أحمد الماجد عن تجربته..

 

 

* “المسرح الإماراتي”، هل يصحّ إطلاق هذه التسمية عليه أم أنه عبارة عن عروض مسرحية فقط؟ وكيف تنظر إليه؟
** لم يعد المسرح في هذا العصر حصراً على العراق ومصر وسورية وبلاد المغرب العربي، فالمسرح الإماراتي تغيّر عن سابق عهده، إنه الآن ينافس وبشراسة على المواقع المتقدمة عربياً، وما الدليل على ذلك إلا كثرة الجوائز التي يحصل عليها الإماراتيون حينما يشاركون في أي تظاهرة مسرحية خليجية أو عربية. وكذلك، نحن نشاهد ما يعرض من مسرحيات في المنطقة، وأرى أن المسرح الإماراتي بما يطرحه من قضايا ويتبناه من خطاب وما يتصدى له من أشكال ومضامين جديدة جعلت كعبه عالياً، وأصبحت المشاركات الإماراتية في أي مهرجان مسرحي يُحسب لها ألف حساب من قبل الجميع، ناهيك عن المهرجانات والورش والملتقيات والندوات على مدار السنة، الأمر الذي خلق حراكاً مسرحياً إماراتياً مستداماً، بفضل الدعم الكبير والسخي من لدن القائمين على المسرح في هذا البلد الطيب. كما أننا نرى الآن نصوصاً لكتاب مسرحيين إماراتيين تشتغل خارج نطاق دولة الإمارات، كما يحدث مع الكاتب إسماعيل عبد الله، هذا الأمر كان سابقاً أمراً خارجاً عن نطاق المألوف بمجرد التفكير به.

* في نصّك المسرحي “انتبه قد يحدث لك هذا”، وكأن النهاية عُرفت قبل أوانها في كيفية إنقاذ الكلب قبل سيده، ورغم أن النص عُرض مراراً، كيف أدخلتَ عناصر الإثارة لتشدّ قارئك مجدداً؟
** انتبه قد يحدث لك هذا، هو أول نص أكتبه للمسرح. في العام 1998، رأى النقاد أنه حوى إرهاصات كثيرة لما وقع في العراق بعد العام 2003م، حيث رأينا جميعاً وشاهدنا كيف أن الأمريكيون حينما دخلوا العراق، تركوا البلاد في هرج ومرج دون حماية أو مجرد درء الأذى عن أي منطقة وأي جهة ، إلا وزارة النفط العراقية كانت محمية من قبلهم آنذاك. غير إن النص المسرحي الأول لأي كاتب، لا يخلو من هنات الكتابة الأولى. مع ذلك، حصل هذا النص على جائزة الشارقة للإبداع العربي، المركز الأول في 2000، وعُرضت أربع مرات في مهرجانات مسرحية في كلٍّ من الإمارات والعراق.

* من خلال عملك المتعدد كعضو في لجان التحكيم المسرحية أيضاً، كيف تقيّم مستوى النصوص المسرحية الشبابية العربية؟
** مشكلة كتّاب المسرح الشباب متشظية، فمن أهم تشظياتها، اهتمامهم المفرط بالشكل دون المضمون، فترى جسوراً على المسرح، وسلالم، وجميع قطع الفخار الموجودة في العالم، غير إن المسرح شخصية وحكاية قبل كل ذلك وقبل أي بهرجة.. الشباب مشكلتهم الاستعجال في الكتابة، ولا يعطون النص المسرحي حقه في النضج، والكثير منهم لا يقرأ. كذلك، جهلهم بما يجب أن يقدم على المسرح.. فالقضية بمجملها قضية وعي لا أكثر، والشباب لا يستفيدون من تجارب الآخرين في الكتابة المسرحية.

* مسرحية مملكة الفئران، ماهي الرسالة التي أردتَ توصيلها من خلالها؟
** هذا النص كُتب للطفل، وفاز بجائزة التأليف المسرحي العربي في العام 2005م، وقُدم على الخشبة في العام 2006. أتوقع أن الأطفال الذين قرؤوا النص أوشاهدوا العرض هم الآن كبار وفهموا الرسالة المطروحة في هذا النص.

* فازت مسرحية “الجلاد” مؤخراً بالجائزة الكبرى في مهرجان دبي لمسرح الشباب، وهي من تأليفك، كيف نسجتَ النص؟ وما هي المدارس المسرحية التي اتبعتها عن كتابته؟
** نص “الجلاد” وُلد في العراق، حيث كُتب هذا النص في العام 2002 قبل قدومي للجميلة الإمارات، ولم يرَ النور حتى العام 2012م، أي أنه بقي حبيس الرفوف لعشر سنوات، الأمر الذي مكّنني من إعادة كتابته من جديد، وتقديمه للمخرج الشاب مرتضى جمعة الذي برأيي أضاف إلى النص ومنحه الكثير من التميز بقراءته العميقة لشخصية الجلاد، حينما حول واقعيته إلى تجريدية جميلة منحت العرض جماليةً أكثر، بأداء مقتدر من قبل الفنان حميد فارس ورشيق مميز للفنانة زينب عبد الله. لقد حاولت من خلال هذا النص أن أطرح قضية إنسانية أبعد ما تكون عن السياسة، فالجلاد الذي غادر منصبه بموته، وورث ابنه حقد الناس عليه، هو أمر يحدث مع كل دكتاتور في منصبه، سواء كان مديراً أو موظفاً أو غير ذلك، فبعد خروجه بتقاعد أو إنهاء خدمات أو حتى موت، ينعكس تعامله السيء مع الجمهور على حياة من حوله وبالأخص أولاده الذين هم امتداد له.
أما التأثر في كتابة هذا النص، فكنا في العراق ككتّاب متأثرون في تلك الفترة فيما كتبه المسرحي السوري سعد الله ونوس للمسرح في منحاه الثوري المنحاز للقضايا الإنسانية الكبيرة، غير إن الكتابة الجديدة للنص، ابتعدت عن ذلك المنهج، في رؤية جديدة قدمت شكلاً ومضموناً مختلفاً. أسعدني كثيراً فوز الجلاد بالجائزة الكبرى، إنه تكريم جميل لفريق العمل الذي اشتغل بجد وإخلاص من أجل أن يحكم الجلاد قبضته على تلك الجوائز وينال رضا الجمهور آسراً القلوب والحمد لله.

* حصلت على جوائز عديدة أخرى، ماذا حمّلتك هذه الجوائز من مسؤوليات؟
** الجائزة خبر مفرح، ثم هي حمل ثقيل.. الجائزة دلالة ارتفاع بالمنسوب الإبداعي.. وبعد ذلك، لا يحق لصاحبها النزول عن ذلك المستوى. فالجائزة تفتح الكثير من الأبواب المغلقة، لكنها أيضاً تريد بالمقابل من حاملها الكثير.. الكثير من القراءة.. الكثير من الاطلاع.. الكثير من التجديد.. الكثير من المسؤولية في الطرح.. وكذلك هي تطالب صاحبها بالكثير من التروي في الاختيار للموضوع والمخرج .. وكذلك هي بأمس الحاجة إلى الكثير من التواضع.

* ماذا تخبرنا عن تجربتك في الإذاعة والتلفزيون؟
** التجربة بسيطة وهي لا تزال في أطوار البدايات، إذ لا يتجاوز عدد ما قدمته أصابع الكف الواحدة، لكني أعمل على تطويرها، غير إن المسرح سرق مني الوقت وأخذني عمّن سواه.

* أنت كاتب عراقي مقيم في الإمارات، وقدمت الكثير للمسرح فيها، لكن ماذا قدمت للمسرح العراقي أيضاً؟
** يُعاب عليّ في الوسط المسرحي الإماراتي، أنني أنقل القضايا العراقية إلى بعض النصوص التي أكتبها والتي عُرضت هنا في الإمارات. فالمسرح العراقي حاضرٌ في روحي وقلبي، يجري مني مجرى الدم، والشاهد على ذلك النصوص القديمة التي كتبتها والتي بدأت الآن فقط تأخذ طريقها على الخشبة. فبدايتي كانت مع المسرح العراقي، ممثلاً، حيث اشتركت في أكثر من 15 عملاً مسرحياً، غير إن ظروف العراق غير الخافية على أحد، منحتني فرصة القدوم إلى الإمارات، والاشتغال مع الزملاء الإماراتيين هنا، الذين وجدت فيهم كل الحب والتعاون، من شباب ومخرجين، كلهم يحملون في قلوبهم إرثاً من الطيبة وحب الخير للجميع. كما عُرضت لي أكثر من مسرحية في بغداد، فالمسرح من وجهة نظري قضية إنسانية أكبر من أن تحدده جغرافية المكان، مع بعض الخصوصية في الطرح بين بلد وآخر. وهذا سرّ استمرارية المسرح ورسالته السامية والممتدة مع طول المدى.

* لماذا تعتقد أن الكتابة المسرحية من أصعب فنون التعبير في حواراتك السابقة؟
** النص المسرحي الجيد، أساس العرض المسرحي الناجح.. فالتمثيل يعتمد على نص جيد، والإخراج يعتمد على نص جيد، والجمهور أولاً وقبل كل شيء يحضر لمشاهدة شخصيات وحكاية قبل التمثيل والإخراج. ولأن النص المسرحي عمود كل ذلك، فهو يحمل على ظهره مسؤولية نجاح العرض.. فالمؤلف هو خالق للعرض، بما يرسم من شخصيات ويحدد مساراتها ويضع نهاياتها وفق ما تقتضيه الفكرة وتبعاً لمنهج الكتابة الذي اختاره.. والمؤلف يضع العقد ويحلّها، وهو من يُدخل الجمهور في عملية الاندماج ويخرجهم منها، ويقع عليه أيضاً المحافظة على الإيقاع والابتعاد عن المباشرة والتكثيف واللعب على خيال المتفرج، وكذلك إجلاسه في قاعة العرض دون ملل.. هذا كله وحده المؤلف من يضطلع به.. وما دور المخرج أو الممثل وباقي عناصر العرض المسرحي إلا تشذيب رسالة المؤلف وتجميلها ومنحها رداءً أنيقاً وجذاباً بأدوات تكميلية.. لذلك، أرى أن الكتابة للمسرح هي الأصعب. ففي التلفزيون، لديك الحرية في الانتقالات والقطعات، والأماكن كلها متاحة لك، والزمان يخضع لأمرك. وفي السينما، تقوم الصورة الكبيرة مقام كل شيء. أما المسرح فهو حديث مباشر مع الجمهور.. وعليك أن تتقن فنون الحديث كاملةً، بما فيها موسيقى اللغة كي تتمكن من إيصال رسالتك  إلى المتلقي.

* هل يشهد المسرح العربي نهضة منشودة؟
** المسرح مرآة الحياة.. المجتمع .. يتـاثر بالبيئة المحيطة به أو البيئة التي تتم ممارسة هذا الطقس فيها. فإذا كانت هناك نهضة اجتماعية واقتصادية وثقافية في منطقة ما، ستجد هناك المسرح المتطور والمنشود. ونهضة المسرح منذ أن نشأ على أيادي الإغريق رافقته نهضة حياتية عمرانية ثقافية. أنا لا أؤمن بسطوة التلفزيون والسينما. فالمسرح له رواده ومحبوه وأثره ووقعه الخاص في المجتمع.. إلا أننا مع كل ما يحدث من حولنا نبقى محكومين بالأمل الذي تحدث عنه سعد الله ونوس.

Alchy1984@hotmail.com

http://www.elaph.com

آلجي حسين

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *