نيوتن يكتب: عد أيها المسرح أولادك في انتظارك

 

 

 

كان ياما كان، فى سالف العصر والزمان، كان فيه مسارح كتيرة فى بر مصر المحروسة. ياما أضحكتنا. وياما أبكتنا. وياما سهرتنا. وياما رفهت عنا. وياما ثقفتنا. وفى الآخر تركت لنا رصيدا كبيرا من هذا الفن. التليفزيون أصبح يتحفنا به بين الحين والآخر. إلا أنه لم يعد هناك إنتاج جديد. اختفى المسرح كما اختفى كل شىء جميل من حياتنا. لم يحاول أحد البحث عنه. لم يحاول أحد استعادته. للعلم هو كان يرتدى شورت أخضر. وتى شيرت أصفر. ومشاية حمراء. آخر مرة شوهد فيها كان قبل أربع سنوات. فى وسط البلد. من يوم الناس ما نزلت ميدان التحرير فى ٢٥ يناير ٢٠١١ اختفى المسرح. لا ندرى أين ذهب. ولماذا ذهب إلى غير رجعة؟ عد أيها المسرح، بابا وماما يحبانك.

 

من مسارح إسماعيل ياسين وعادل خيرى ومارى منيب وفؤاد المهندس وشويكار، إلى عادل إمام ومحمد صبحى وسمير غانم ويونس شلبى وسهير البابلى. من مسارح وسط العاصمة إلى عروض المحافظات. ومن الماتينيه إلى السواريه. ومن العروض الخاصة إلى الحفلات الشعبية. ومن الكوميديا إلى الدراما. ومن السياسة إلى الاقتصاد. ومن قصص الواقع إلى الخيال. ومن الإسقاطات إلى النقد المباشر. ومن مشاكل القرية إلى أزمات الحارة والزقاق. ومن البرجوازية والأرستقراط إلى البروليتاريا وطبقة النص نص. ناقشت مسارحنا كل القضايا بلا استثناء. كان المشاهد العربى من خلال العروض المسرحية يرى مصر التى لم يعرفها من قبل. العرب جميعا عرفوا مصر من خلال فن المسرح والسينما معا. حتى المواطن المصرى غاص فى أعماق بلاده من خلالهما.

 

بالفعل كان المسرح هو أداة الجذب السياحى العربى طوال فترة الصيف على الأقل. كان هو قلب القاهرة النابض على امتداد لياليها الساحرة. القاهرة الآن حزينة ليلا ونهارا. أصبحت قاهرة المظاهرات والاحتجاجات. قاهرة التحرش. قاهرة الشوارع المغلقة. مطاردة الباعة الجائلين. القمامة. الزحام. التلوث. الضوضاء. الإرهاب. التفجيرات. الخوف. لم تعد قاهرة الجذب السياحى. كما لم تعد قاهرة السهر مع نجوم الكوميديا والفن الراقى. الكآبة تخيم على القاهرة نهارا. كما الحزن يخيم عليها ليلا. المسارح مغلقة بالضبة والمفتاح. كما معظم دور السينما. الفنون بصفة عامة تتراجع. كما الحالة النفسية للمواطنين تتأزم.

 

الغريب أن أحدا لم يفكر فى إعادة البهجة للقاهرة. للمواطن المصرى بصفة عامة. لا المسؤولون عن الثقافة فكروا. ولا المسؤولون عن السياسة حاولوا. ولا المسؤولون عن الأمن يمكن أن تذهب عقولهم إلى هذا المنحى. على الرغم من أن الأمر يرتبط ارتباطا وثيقا بالعملية الأمنية. كما هو حال مباريات كرة القدم تماما. فكلما عادت الحياة الثقافية والرياضية إلى طبيعتها، بالحضور الجماهيرى، كانت عودة الأمن أسهل وأيسر. بذلك نبعث رسالة واضحة إلى العالم أن الأمن قد عاد. للأسف إغلاق المسارح هو أشبه بمنع جماهير كرة القدم من مشاهدة المباريات. الرسالة واضحة. هذا البلد غير آمن. هذا البلد يعيش حالة طوارئ.

 

أضف إلى هذا وذاك أننا نحرم جيلا أو أكثر من هذا الفن الثقافى بالدرجة الأولى. نحرم مصر كلها من أرقى أنواع الفنون. نحرم الأرشيف المصرى من مزيد من الثراء فى هذا المجال. نحرم السياحة العربية من الانتعاش. نحرم الآلاف من العمالة الفنية والحرفية فى هذا المجال من أداء عملها. لم يفكر أحد فيهم طوال السنوات الأربع الماضية. كيف اقتات هؤلاء.. كيف يعيشون؟ الأمر جد خطير. ليس رفاهية كما قد يعتقد البعض. ليس فى ذيل الأولويات كما قد يرى البعض. هو تاريخ مصر الذى لا يجب أن يتوقف. بل يجب أن نعوض ما فات. الأمر يحتاج إلى إرادة. جابر عصفور قبل أن يكون وزيرا، بل قبل أن يكون كاتبا مرموقا، هو يمثل ثقافة مصر. نأمل ألا ننتظر طويلا.

 

 

http://almogaz.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *