مشهد ثقافي سوري سوريالي تشكل الأزمة ملامحه

 

 

 

ربما جاء عرض مسرحية «إكليل الدم» لزيناتي قدسية، على خشبة مسرح الحمراء في دمشق، حدثا ثقافيا مثيرا للغرابة، وربما الصدمة أيضا. لكن حضور أعداد متزايدة من الدمشقيين إلى فندق الشيراتون، لمشاهدة فيلم يعرض في قاعة صيفية في الهواء الطلق، الذي لا يخلو من بعض دخان قذائف الهاون المتساقطة على وسط العاصمة، في أكثر أحيائها «أمانا»، أو محاضرة للجمعية الكونية في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، أو أخرى للجمعية الجغرافية في مقرها بمنطقة الميسات، وتساقط البراميل المتفجرة على قرى الريف السوري، ما يجعل المشهد الثقافي السوري، سورياليا بامتياز، كأن ما يجري يقع في مدينة أخرى لا تمت لهؤلاء بصلة.

حال تعكس هامشية المثقف العربي وضعف دوره قبل أي شيء آخر. تقول الكاتبة سعاد جروس: «لا أظن أن ما تعيشه منطقتنا العربية عموما، وسوريا خصوصا (أزمة)، بل هو أشبه بزلزال هائل نجم عن تفجر الأزمات المتراكمة دفعة واحدة، ومن بينها أزمة الثقافة. لقد كشف ما يحصل، عن أن الثقافة العربية والمثقفين العرب، كانوا ولا يزالون خارج دائرة الفعل، إذ لا تأثير يذكر لهم، والفعل والتأثير هما لمنظومات الاقتصاد والمخابرات والسياسة والدين وما ملكت إيمانهم من وسائل إعلام. أما المثقفون العرب، فقد انكشف سترهم، وتبين حجم الهوة التي تفصلهم عن واقع تربطهم به مخيلة ثبت أنها كانت ضحلة وقاصرة. وهاهم يقفون حائرين في قراءة ما يجري، ليس لأنه عصي على الاستيعاب، بل لأن الثقافة العربية خارج الفعل لعقود طويلة. لقد تكشّف أن النتاج الثقافي العربي بغالبيته، كان رجع صدى ثورات المجتمعات الغربية. ما يجري الآن أتى على الهشيم والأخضر واليابس، وها نحن جميعا على قدم المساواة، مثقفين وغير مثقفين، يأكلنا الانتظار».



* المسرح يراوح والموسيقى تتقدم

على خشبات المسرح الرسمي (المسرح القومي)، لم يتوقف العمل. وهذا لا ينفي تأثر حال المسرح بغياب أهم الممثلين والعاملين والتقنيين في هذا الحقل وهجرتهم. أما المسرح الخاص، فقد غاب تماما عن الساحة. الأعمال المسرحية التي تعرض في هذه المرحلة، تصدّت بشكل عام، لما يدور في البلاد من وجهة نظر رسمية. وقد غيّرت أحوال دمشق الراهنة حتى من مواعيد تقديم هذه العروض، التي باتت تقدم في أوقات مبكرة من النهار (الرابعة بعد الظهر مثلا)، كحال جميع النشاطات الثقافية الأخرى من محاضرات وندوات.

يقول الكاتب المسرحي، جوان جان، رئيس تحرير مجلة «الحياة المسرحية» التي تصدر عن وزارة الثقافة السورية، إن النشاط المسرحي لم يتوقف هذه الأيام، وتحديدا نشاط المسرح القومي في دمشق، وهو الجسم الرئيس الذي يستوعب النشاط المسرحي للمسرحيين السوريين. وآخر عرض قُدِّم كان بعنوان «إكليل الدم» لزيناتي قدسية، نصًا وإخراجًا. وجسدت شخصياته، مجموعة من الفنانين المسرحيين من غير الأكاديميين، لكنهم موهوبون من دون شك. كذلك جرى عرض مسرحية «الطوفان» تأليف جوان جان، وإخراج سهيل عقلة. وفي الوقت نفسه، واصل المعهد العالي للفنون المسرحية تقديم عروض التخرج بشكل منتظم. كما أن النشاط المسرحي استمر في بعض المحافظات كاللاذقية وطرطوس والسويداء وحلب والحسكة، وإن بشكل أقل من حيث الكمّ عما يعرض في دمشق، وهذا الأمر ليس جديا على أي حال. غير أن الأزمة التي تعيشها البلاد، أثّرت سلبًا على حضور العروض المسرحية. لكن جوان يقلل من حجم هذا التأثير على الجمهور، ويقول إنه بدأ يخفّ تدريجًا، بعد أن تأقلم الكثيرون نوعا ما، مع الأوضاع الاستثنائية القائمة. وقد بدا واضحا أن السوريين باتوا مؤمنين بأن الانقطاع عن النشاط الاجتماعي والثقافي أمر غير مجدٍ، ولا يفيد بشيء، لذلك نراهم يعودون تدريجًا إلى ممارسة هذا النشاط.

ضمن هذه اللوحة السوريالية لحال الثقافة في البلاد، لفت النشاط الموسيقي النظر؛ إذ شكل مشهدا مغايرا. فقد تقدّم أكثر من 400 طفل لامتحان القبول في «معهد صلحي الوادي» لتعليم الموسيقى في دمشق، خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. وجرى اختيار 130 طفلا منهم. ولم يكن الإقبال على الالتحاق بمعاهد محمود العجان وفريد الأطرش الموسيقية في مدينتَي اللاذقية والسويداء، أقل أهمية ولفتا للنظر. وهذا يؤشر، مرة أخرى، على محاولات الجمهور التأقلم مع الأوضاع والظروف الناشئة بعد ما يقارب الأربع سنوات على بدء «الأزمة».



* عجائب السينما وأحوالها

وتبدو دور العرض السينمائي، والنشاط الإنتاجي في سوريا، أكثر المشاهد سوريالية. ففي الوقت الذي أغلقت «سينما الشام» أبوابها مع بداية الأزمة، وبنت «سينما سيتي» جدارا إسمنتيا أمام واجهتها، ظل قائما لمدة تزيد على 3 أعوام، حيث عادت وفتحت أبوابها قبل 3 أشهر، شهدت دمشق افتتاح صالة صيفية، هي الأولى في سوريا، في فندق شيراتون في ساحة الأمويين، القريبة من رئاسة الأركان السورية ومبنى الإذاعة والتلفزيون، وأهم المقرات الأمنية أيضا، التي تشهد يوميا، سقوط قذائف الهاون على مقربة منها. كما شهدت العاصمة السورية، أيضا، افتتاح 3 صالات سينمائية في مشروع دمر، تعدّ إحداها، من الصالات الحديثة جدا (9 D). يقول الناقد السينمائي، عمار أحمد حامد، مدير المهرجانات السينمائية: «إن المؤسسة العامة للسينما هي الأكثر حضورا ووضوحًا، حيث بادرت في نهاية عام 2011 (العام الأول لاندلاع الأزمة)، إلى إطلاق (مشروع دعم سينما الشباب)، الذي يتيح للشباب الذين يملكون مواهب سينمائية (كتابة سيناريو سينمائي، إخراج سينمائي أو غيرهما)، أن يتقدموا بنصوصهم السينمائية التي يرغبون في إخراجها، إلى المؤسسة. وقد قدّم بالفعل 150 نصا سينمائيا، جرى اختيار 30 منها تحولت إلى أفلام قصيرة (15 دقيقة للفيلم الواحد)».

أما على صعيد إنتاج المحترفين، فيقول عمار، إن السينما السورية، بقطاعها الحكومي، أنتجت منذ عام 2011 وحتى عام 2013، 7 أفلام روائية طويلة. ويجري هذا العام، تصوير 4 أفلام سينمائية روائية طويلة، لجود سعيد، وعبد اللطيف عبد الحميد، ومحمد عبد العزيز، وباسل الخطيب.

ويضيف عمار: «كما أقامت المؤسسة وبشكل دوري، تظاهرات سينمائية يعرض فيها أهم الأفلام الحديثة التي تعرض في دول العالم. وقد نجحت التجربة ولم يعد هناك مكان لواقف في أماكن عرض أي من الأفلام. وهذا ما شجع القطاع الخاص على إعادة فتح صالاته السينمائية التي أغلقها مع بداية الأزمة. فعادت سينما سيتي إلى الأضواء مجددا، وراحت تعرض أفلاما حديثة. كما عادت سينما الهواء الطلق في فندق الشيراتون مجددًا. وجرى افتتاح 3 صالات سينمائية في مجمع الـ(Up Town)، الذي جرى افتتاحه أخيرا في مشروع دمر. نذكر أيضا في هذا المجال، مهرجانات سينمائية أخرى أقيمت في طرطوس وحلب خلال العام الحالي، كمهرجان خطوات السينمائي للأفلام القصيرة الذي يقام مرة في العام منذ 3 سنوات، ومهرجان لسينما الشباب في حلب». ويضيف: «على الرغم من كل ما يعصف بسوريا، فإنها لا تزال تقدم أفلاما سينمائية مهمة، حتى إنها شاركت بها في مهرجانات سينمائية عالمية، كمهرجان مالمو السينمائي، في السويد، ومهرجان الأقصر في مصر، ومهرجان الداخلة في المغرب، ومهرجان موسكو، ومهرجان وهران في الجزائر، حيث حصل فيلم (مريم) لمخرجه باسل الخطيب، على الكثير من الجوائز».



* النشر والكتاب

ولعل الكتاب هو الأكثر تأثرا بالأزمة، إذ يعتمد اعتمادا شبه كلي على دور النشر الخاصة. وقد توقفت معارض الكتب، لا سيما معرض دمشق الدولي، للسنة الثالثة على التوالي. وكما يقول صهيب الشريف، مسؤول الإعلام في دار الفكر بدمشق: «لقد تأثرت حركة النشر جدا بالأزمة، لأن معظم المطابع موجود في الريف الدمشقي، أي في المناطق الساخنة، وهناك صعوبة كبيرة ومخاطرة في الوصول إلى أماكنها. أدى هذا بالتالي، إلى ترك معظم العاملين عملهم لعجزهم عن الوصول إليه، أو لوجودهم، أصلا، في المناطق الساخنة. وهذا أدى بدوره إلى نقص شديد في الخبرات الفنية، كما أن العمل لم يعد يجري بالوتيرة السابقة نفسها، مما أدى إلى لجوء معظم دور النشر السورية إلى الطباعة في بيروت، على الرغم من ارتفاع التكاليف هناك عما هي عليه في سوريا، ما انعكس بدوره على سعر الكتاب. أضف إلى ذلك التضخم الاقتصادي الذي أدى إلى ارتفاع سعر الكتاب 4 أضعاف سعره قبل الأزمة، وبالتالي تراجع معدل شراء الكتب، لأن فئة القراء غالبا ما تنتمي إلى الفئات متوسطة الحال والفقيرة».

 

وحيد تاجا

http://www.aawsat.com/

 


شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *