محمد تيمد… دراماتورجيا سابقة لزمنها

 

 

 

إن الحديث عن المسرحي محمد تيمد، هو حديث في الأساس عن تجربة مسرحية و إنسانية لها حضور في الإبداع المقترن بنكران الذات. و هو حديث أيضا عن انعطاف مهم في مسار المسرح المغربي نحو حداثة متجددة، تروم تشكيل العالم وفق مرجعية فنية، قوامها التجاوز و ابتكار لغة التجريب الواعي بخصائص الممارسة المسرحية، و المستحضر لأفق التلقي عند جمهور أصبح منتسبا بالفعل و بالقوة إلى
منظومة عامة تبحث عن ذاتها إيديولوجيا و ثقافيا و اقتصاديا…لذلك نرى ـ وفي هذا السياق بالضبط ـ أن اختيار البعد الدراماتورجي في تجربة الراحل محمد تيمد، سيشكل مدخلا أساسيا نحو فهم متقدم لخصوصية مسرحه التجريبي الرائد.

إن حضور البعد الدراماتورجي في أعمال محمد تيمد، مكنه من ترسيخ مبدأ* المابينية* في زمن كان قد كثر فيه الحديث عن المسرح المغربي بين التأصيل و التقليد.فهي أعمال قامت على تساوق إبداعي بين التأليف المسرحي بخصوصياته التي تستقي مادتها من التراث و الواقع، و بين الدراماتورجيا بمرتكزاتها التقنية و الفنية، و هذا أمر كان يفرض سلطته على كل متعامل مع نصوصه. إذ كانت روح محمد تيمد الإبداعية تبدو واضحة في طريقة اشتغال الآخرين على نصوصه و في كيفية تحققها الركحي. لأنه بكل بساطة شكل مدرسة آمن بها ثلة من المسرحيين الذين جايلوه و تتلمذوا على يديه، مدرسة تتخطى كما قلنا إشكالية التأصيل و التقليد أو قضية المغربة و الاقتباس،لأن رؤية تيمد المسرحية جاءت في مجملها منفتحة و دينامية، بل و مناورة إلى الحد الذي تنتفي فيه التحديدات و التصنيفات، فتتداخل فيها اللمسات الكلاسيكية بالإنزياحات الغروتيسكية و يتمازج من خلالها العبثي بالواقعي و بالتعبيري، الكوميدي بالتراجيدي ثم من جانب آخر تزاوج بين التراثي و التاريخي و الإجتماعي و بين المحلي و العالمي…لهذا نرى أن تموقع أعمال تيمد في * المابينية* قد شكل حالة استباقية أمام موجة الجدل التي كانت تؤطر الممارسة المسرحية، و التي لا زلنا نخوض فيها إلى اليوم، مميزين بين الأصيل و الدخيل. ذلك أن * المابينية * مفهوم أصبح يسيل الكثير من مداد الباحثين و الأكاديميين باعتباره القنطرة المعرفية لدراسة التحولات الفرجوية. لذا لا يصح في اعتقادي أن نسأل و نحن بصدد تجربة أبي الهواة أسئلة من قبيل :
هل كان محمد تيمد يؤصل للمسرح المغربي؟
هل شكل انفتاح تيمد على المسرح الغربي استلابا ثقافيا؟
هل وجد تيمد قالبا مسرحيا مغربيا خاصا؟ أم ظل يكرر أنماط مسرحية غربية؟
هل تيمد مؤلف أم مخرج أم سينوغراف؟
بعبارة أخرى فقد شكلت أعمال تيمد فسحة واسعة للتجريب، و مرتع خصب لتلاقح الفنيات المسرحية المختلفة، عبر تداخل الإبداع بالواقع، المجرد بالملموس، الإنسان باللا إنسان، الإحتمال باليقين. فكان خطاب التجريب في أعماله كما يصرح بذلك د. عبد الرحمان بن زيدان” يبدع الحياة في المسرح وفق رؤية سوداوية، أقوَم على الكشف عن أسباب الاستلاب بكل تجلياته في الواقع المادي، و في سلوك الإنسان المثخن بالجراح و بالألم و بالدمار الداخلي و الخارجي”

لقد انطلقت أعمال تيمد من الواقع بكل تمظهراته و مرجعياته، هادفة بلوغ مسرح جديد، يقوم على المغايرة وفق التجريب الذي اتخذه فضاء للبحث عن الخامات التي يؤسس بها مساره و أسلوبه الذي ميزه، حيث تكمن من رفع الممارسة المسرحية الهاوية من دوامة الاجترار و السطحية إلى أفق التجريب المسرحي البناء، سيما في أعماله التي قدمها في إطار فرقة ـــــ الفصول ــــ بمكناس. من خلال براعته في كتابة النص الدرامي برؤية الدراماتورج أو بلمسة المخرج الذي خبر فضاء الخشبة و تمكن من عوالم السينوغرافيا و أسرار التمثيل. الأمر الذي يعكسه التوظيف المكثف للإرشادات المسرحية في نصوصه، مما يجعله كما يصفه دائما د. عبد الرحمان بن زيدان ” باحثا بامتياز عن الأشكال و القوالب التعبيرية القادرة على اعطاء القول المسرحي حضوره الدال على موازاة الصورة المسرحية في تمسرحها و في تركيبها الفني المشحون، بذاكرة مسرحية متفاعلة، هذه الذاكرة المركبة من ثراء التراث العربي و المغربي و المستفيدة من المسرح العالمي “
لذلك فإن محمد تيمد كان دائم البحث عن المخالف و المغاير، لأنه بكل بساطة كان يسائل بويطيقا جديدة للفرجة المسرحية، بويطيقا تقوم على مفهوم التحول بكل ما يحمله من معنى، فاستطاع التمرد على النص المكتوب في خطيته و سيمتريته و على البنية الحوارية و اللغة المسرحية في شموليتها، سيما تلك التي كانت سائدة عند سائر مجايليه في مسرح الهواة، دون أن يحاول الانسلاخ عن جلده الهاوي. فهو القائل ” أنا ولدت في مسرح الهواة، و ما حاولت مرة أن أخرج عن الهواة “
إذ كان رهانه يروم إعادة الاعتبار إلى الفرجة القائمة على تلاحق الصور المسرحية و المشاهد الحركية بتقنية سينمائية لها حيوية فريدة في إيقاع العرض المسرحي.
ولعل الكم المحترم من الأعمال الرائدة التي خلفها تيمد، و التي تحفظها له الذاكرة المسرحية لمن عرفه عن قرب أو عن بعد لدى الهواة على الأقل، خير دليل على جدية و ثقل مشروعه التجريبي الهادف إلى تجذير ممارسة مسرحية رائدة و متميزة… فمن فاس إلى مكناس إلى طنجة…و من مهرجان إلى مهرجان كان تيمد يصنع ذاته المسرحية في غفلة منه..و من العبثية إلى الواقعية إلى التعبيرية إلى الملحمية كان يغربل و يجرب ما يحتمل تملك الجماهير المسرحية الواسعة، التي هي شريك مهم في الفرجة المسرحية.و من خلال ” أين العقربان ” و ” الأحذية اللامعة ” و” الزغننة ” و ” حكاية الزمان ” و ” ألف ليلة و ليلة ” و رجلة في خيال جدتي ” و ” كان يا مكان ” و عرس الذيب “…إلخ.
ترك تيمد اسمه و شخصه الفنان و الإنسان متربعا على عرش المسرح الهاوي المغربي، الذي شكل إلى عهد قريب مسرح الصدارة.

كاتب و باحث مسرحي

http://www.mo5tasr.com/

 

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *