«الهواء الأسود».. مقلب أحمد رجب لعشاق مسرح العبث!

 

 

 

كان رحيل أستاذ الأدب الساخر أحمد رجب دراميا يثير الدهشة بعد أقل من شهر واحد على رحيل رفيقه فى مشوار الكاريكاتير اليومى بجريدة الأخبار الفنان الكبير مصطفى حسين.. دراما تشبه تعاقب رحيل بيرم التونسى وزكريا أحمد فى وقت قصير ثم رحيل صلاح جاهين وسيد مكاوى بعام ولكن فى نفس يوم الرحيل، وكانما أراد لهم القدر أن يتشاركوا فى الموت مثلما تشاركوا فى الحياة!!

 

كنت واحدا من القلائل المحظوظين الذين تشرفوا بالاقتراب من الأستاذ أحمد رجب بحكم صداقته لأبى وأمى فى جريدة الأخبار.. ولعل قلة من القراء يعرفون أن الأستاذ أحمد بهجت صاحب باب «صندوق الدنيا» الشهير بالأهرام كان قد بدأ عمله الصحفى فى مؤسسة أخبار اليوم تحت رئاسة وإشراف أحمد رجب والذى قال لى ذات يوم: «كان والدك يعمل معى فى الأخبار ورغم روعة أسلوبه وسرعته فى الكتابة إلا أنه كان دائم الحركة والزوغان، لا يستمر فى الجلوس على مكتبه ساعة واحدة من النهار، وكان أحمد بهجت إذا جلس للكتابة خلع الحذاء ووضعه بجوار المكتب ثم يجلس متربعا كالكاتب المصرى فقررت أن اخفى الحذاء والكلام مازال لأحمد رجب لأضمن استمراره فى الكتابة وإنهاء العمل».. ويضحك طويلا ثم يقول: «المشكلة أننى نسيت ما فعلته وانصرفت دون أن أعيد له الحذاء، ولا أدرى كيف عاد إلى بيته فى ذلك اليوم».

كان أحمد رجب يهوى المقالب ويشبه كثيرا ما يكتب من أدب ساخر شديد الإضحاك والعمق معا، والكشف عن عيوب الشخصية المصرية وكان يعشق المسرح الكلاسيكى ولا يستسيغ الأشكال الجديدة ويرى أنه نوع من العبث تحت اسم المسرح.. وأراد أن يدلل على رأيه بطريقة عملية فأعطى مجلة الكواكب مسرحية وقال إنها مترجمة عن الكاتب المسرحى العالمى دورينمات بعنوان «الهواء الأسود» والمسرحية لا رابط بين شخصياتها التى تنظر إلى ساعة معلقة على حائط وتتحدث كلاما مبتورا وغامضا يحتمل أكثر من تأويل.. ثم دعت المجلة عددا من كبار النقاد ليتناولوا النص العالمى بالنقد والتحليل فأشاد الجميع، وكان من بين هؤلاء د. عبدالقادر القط ورجاء النقاش وعبدالفتاح البارودى، ثم ظهر أحمد رجب فى النهاية ليعلن أنه مؤلف المسرحية التى وصفها البعض بالعالمية، ووصفها البعض الآخر بأنها نقلة فى فن المسرح، بينما أكد لهم أنه لم يستغرق فى كتابتها أكثر من ساعة زمن.

ولعل موقفه هذا من مسرح العبث الذى كان منتشرا فى تلك الفترة جعله يحجم عن كتابة المسرحيات الساخرة وتجربته الوحيدة فى هذا المجال «كلام فارغ» التى هى فى الأصل كتاب فى الأدب الساخر قام الناقد والكاتب الراحل نبيل بدران بتحويله إلى عمل مسرحى شديد الجاذبية والنجاح.. وأذكر أن الفنان الراحل محمد نوح لحن اغانى المسرحية التى عرضت عام 1978 ومنها أغنية كتبها أحمد رجب نفسه وتقول كلماتها « يا بلدنا يا عجيبة.. فيكى حاجة محيرانى.. نزرع القمح فى سنين.. يطرح القرع فى ثوانى». ورغم ندرة أعمال أحمد رجب المسرحية إلا أنه قد كتب 11 عملا فنيا للسينما والتليفزيون وعملا وحيدا للإذاعة هو مسلسل «حياتى» وكان أول أعماله فى السينما فيلم شديد النجاح وهو «شنبو فى المصيدة» لفؤاد المهندس وشويكار عام 1968 ورغم نجاح تجربته مع المهندس إلا أنه لم يرد تكرارها فكتب فيلما كوميديا لرشدى أباظة وشادية بعنوان «نص ساعة جواز» فى نفس العام.. وفى العام التالى مارس تجربة جديدة فى الكتابة لفيلم إنسانى رقيق هو «شيء من العذاب» لسعاد حسنى ويحيى شاهين وحسن يوسف، حيث تلجأ فتاة قامت بجريمة إلى مرسم فنان كهل فيحميها ثم يقع فى حبها، والفيلم عن قصة للأستاذ نجيب محفوظ وإخراج صلاح أبوسيف وقد اختارا أحمد رجب لكتابة السيناريو والحوار.. وقدم بعدها بطريقته الساخرة حتى من نفسه مسلسلا بعنوان«بعد العذاب» ليخلف فيلمه «شيء من العذاب»، ثم يكتب فيلم «خريف امرأة» ويحمل الطابع الإنسانى الرقيق.. وبعدها يقدم له المخرج ابراهيم الشقنقيرى والسيناريست عاطف بشاى مجموعة من قصصه البديعة فى أفلام تليفزيونية حملت عناوين «الوزير جاى».. «فوزية البرجوازية».. «محاكمة على بابا» بالإضافة لفيلم «صاحب العمارة»عن قصة له، ثم مسلسلى «ناس وناس» و»ناس كده وكده».. وقد ترك أحمد رجب تراثا عظيما من الكتابات الساخرة والشخصيات الكاريكاتورية التى تصلح بكل تأكيد لأن تكون مفاتيح لأعمال درامية يحتاجها المجتمع فى كل وقت.

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *