مشهدية السينوغرافيا تداعب بصر المتلقي

 

 

 

يدرس النقاد العلاقة بين المسرح والتشكيل انطلاقا من فكرة تصميم الصورة بين هذين المجالين الفنيين، فهناك دراسات تحت عناوين مختلفة مثل: “التصور التشكيلي للمسرح”، و”المعادل التشكيلى المرئي في العرض المسرحي” وغيرهما .
والمهم في هذا الموضوع التأكيد أن العلاقة ما بين التشكيل والمسرح تعود إلى زمن بعيد، يمكن تلمسه منذ نشأة المسرح الإغريقي والروماني في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، وفي عصر النهضة برز الاهتمام جلياً بالمعمار المسرحي، أما في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فصار للمنظر المسرحي استقلاله مع بروز فن الأوبرا، ومع ظهور التعبيرية كمدرسة فنية، ومن الملاحظ في هذا السياق الإشارة إلى أن بداية مرحلة الستينات شهدت نقطة التقاء بين المسرح والتشكيل، فتداخلت العلاقة مع الفنون الحديثة، مروراً بظهور المفاهيمية وفن التشكيل بالجسد، والفنون الأدائية عموما، فلم تعد العلاقة قاصرة على الديكور والملابس والملصقات الدعائية، بل تجاوزت هذا إلى علاقة وطيدة دخل فيها التشكيل عمق الفن المسرحي .
الناقد المغربي محمد ربيعة يدرس هذه العلاقة بين هذين المجالين انطلاقا مما يسمى (فن الديكور المسرحي) الذي شهد المسرح ولادته منذ النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، خاصة تلك المناظر التي قام بتنفيذها فيتريفيوس، كما يعرفها تلامذة قسم الديكور في معاهد المسرح المنتشرة عبر العالم .
وانتشرت المناظر المسرحية في أوروبا من خلال أعمال أفراد “عائلة ببينا” الذين يعدون واضعي أسس فن المناظر، وامتازت أعمالهم بالطرز المعمارية الدقيقة والقرب من الواقع وتأثيرات المنظورات التي استخدمت كوسيلة للإيهام بالواقع، حيث يؤكد محمد ربيعة أن رسومات المناظر الطبيعية في حينه قد ارتبطت بكل الحركات والمدارس التي شهدها حقل الفنون التشكيلية من حيث إن هذا التأثر كان يعكس طبيعة الإبداع المسرحي ويحدد المدرسة التي تنتمي لها المسرحية ويجعل منها عملاً مندمجاً في عصرها الثقافي والفكري .
في المسرح جرى تأثيث الفضاء السينوغرافي، وفق تصور تشكيلي مصمم بحرفية عالية، وعربياً نجح كثير من المخرجين المسرحيين الذين جاؤوا من خلفية تشكيلية بتقديم فضاءات تجسد العلاقة وجدل العلاقة بين المسرح والتشكيل بوصفها علاقة ترتبط بمفهوم الصورة أو المشهد البصري، حتى إن بعضهم يرى أن السينوغرافيا ما هي إلا تشكيل للصورة المسرحية .
كما أن مفردة التشكيل هي فرع من فروع الفنون المرئية التي تتناغم مع رؤية بصرية ملموسة تحتاج لحيز أو مكان، غير أن الناظم لهذه العلاقة هو الدراسة العميقة التي لا تلغي في نهاية المطاف تقديم مشهدية تخدم النص المكتوب أو تتقاطع معه .
بعض الطروحات تعتبر التشكيل والمسرح مركباً إبداعياً واحداً، وهي علاقة متنوعة ومتباينة وقائمة في عدة مستويات، كما أن هناك من يعتبر أن العالم البصري في المسرح هو عالم أوسع مما هو في اللوحة، وفي الإطار ذاته ثمة قراءات تعتقد بترابط وتداخل الفنون جميعاً كما هي أعضاء الجسم، وأن دلالة أي عمل فني لا يمكن فهمها من دون توفر ثقافة معرفية بمعنى الفن وملمحه البصري، وتلك العلاقات التي تشكل في مجملها رؤية جمالية، تعيد صياغة العالم وفق غنائية يمكن تلمسها من خلال التناغم البصري والتشكيلي، وتداخلات اللون والرمز والإيحاء وهكذا .

http://www.alkhaleej.ae/

 


شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *