فن المسرح والإنسان الحديث

 

 

 

 

الكتاب بحث جديد في دراسة المسرح وتطبيعه للكاتب والدراماتورج المغربي (بنيحيى علي عزاوي) الذي يمتلك خبرة طويلة في التمثيل المسرحي والتدريب والتعليم والدراسة العميقة للمسرح الأوروبي , حيث يمتلك الكاتب موهبة فريدة في فهم وتطبيق النظريات الحديثة من المسرح العالمي .
الكتاب صادر عن دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر لعام 2014 بـ (232) صفحة من القطع المتوسط , احتوى الكتاب على ثمانية مباحث ومقدمة للبروفسور وأستاذ اللغة العربية (سامي موريه) حيث اكد مورية في المقدمة انهُ (لم ينكر وجود مسرح عربي من نتاج الحضارة العربية, وقد عرف العرب هذه الفنون المسرحية في موانئ البلاد التي تسمى اليوم بالعربية (الخيال) , فقبل ظهور الإسلام شاهدت وشاركت الشعوب في الشرق الأوسط المسرح اليوناني والروماني ) , الكتاب مصمم وفقاً للأبواب و المباحث بطريقة حداثوية ممتازة يحتوي شكلاً ونظماً منسقاً تنسيقاً علمياً جميلاً ,أما المضمون فقد كتب بطريقة ممسرحة تسهل على القارئ غير الممارس فهم قوانين الكتابة المسرحية التي أبدعها الفيلسوف (أرسطو)في كتابه (فن الشعر) , ثم يسهل الكتاب معرفة الضوابط الموسيقية والمقامات الدرامية بطقسية خشبة المسرح.
الكتاب يعتبر من اهم كتب النقد الحداثية برؤية دراماتورجية الباحث (بنيحيى عزاوي) الممارس لعقود بين البحث والتجريب والتنقيب المتواصل من عمق خشبة المسرح , فهو من مواليد المغرب عام 1950 عمل ناقدا وصحفيا ومخرجا مسرحيا في النشاط التربوي , حاصل على دبلوم الدراسات العليا في الإخراج من جامعة فانسسين بباريس عام 1973وليسانس في الحقوق .
يعتبر الكتاب قفزة نوعية تضاف إلى مصادر المسرح العالمي , يؤكد الكاتب وبإنصاف علمي لأهمية كتاب ارسطو (فن الشعر) الذي ترجم للعربية من قبل د. عبد الرحمن بدوي , وقد استفاد من هذا الكتاب عشرات المبدعين العالميين, يقول لين كوبر إن كتاب (فن الشعر) هو واحد من اكثر الكتب التي أنتجها العقل البشري تنويراً وتأثيراً , لكن الكاتب عزاوي يرى ان كتاب (فن الشعر) يحتاج إلى إعادة كتابة حداثوية جديدة حتى يتيسر الاطلاع عليه والاستفادة منه بسهولة , لذا يعتبر كتاب ارسطو من نصوص (علم الفيلولوجيا) , فهو الرجل العبقري الذي وضع اسساً علمية لعالم الخطاب والعرض وليس لكتابة المسرحية فحسب.
كما يؤكد الباحث عزاوي في ص26على اهمية الثالوث للصناعة المسرحية وهي (الاستيعاب . الإدراك. الاستنتاج), اضافة إلى أن (المسرح المغربي والعربي نام في غفوة سبات عميق لأن الدول العربية وضعت للمسرح متاريس التهميش والإحباط المبين ونكران جميل المبدعين في كل حقول الفنون ) , مع هذا نأمل أن يصحو المسرح صحوة الإنسان الحديث مع رجال وطنيين يتدبرون شؤون المصلحة المعرفية لعقل الإنسان العربي.
لا ننسى ان سبب تراجع النص المسرحي في البلاد العربية أن اغلب الأكاديميين اصبحوا يغالون بمقالاتهم المنقولة عن كبار الصناع المسرحيين العالميين , فيها الحشو والركاكة وتشتت الأفكار وعدم ضبط وفهم بعض المصطلحات عبرَ كتبهم , إضافة إلى إهمال وزارات الثقافة العربية التي غربتنا في دهاليز الاغتراب لكون فن المسرح دخيل على أبنية فكر الأعراب , إلا أن في المغرب وكما يذكر الباحث عزاوي ص28( حصحص الحق وزهق الباطل بفضل الرواد الصناع للثقافة الفرجوية الممسرحة , أشرقت شمس المعرفة العلمية في المغرب وذلك بخلق أول معهد أكاديمي للمسرح في المملكة المغربية). لكن فيما ذكره الباحث في ص31 أن(عالم المسرح دخيل على بنية الفكر العربي وهو عالم سحري فلسفي روحاني عجائبي الصناعة الاحتفالية ) , انا اختلف معه في هذا الوصف للمسرح العربي لأن البروفسور سامي موريه يؤكد في رسالة الدكتوراه التي حاز عليها في فن المسرح عند العرب , ان العرب كانت لهم اهتمامات مسرحية قبل الميلاد وما يسمى بالخيال , اضافة إلى ذلك ان المسرح قد ولد في اليونان وتربى وترعرع في اوروبا وبلدان أخرى اوروبية , صحيح تعددت المدارس وتطورت الافكار وخاصة في عصر المدارس المذهبية من الرومانسية على الواقعية في اوروبا والقارة الامريكية وانتشرت الافكار في باقي دول العالم .
ساهم الباحث بنيحيى عزاوي باشراقات ابداعية في تأسيس الحركة المسرحية المغاربة التي اصبحت تزخر بفعاليات مبدعة لها استبصارها الخاص على مستوى الفعل الدرامي بشتى انواعه واشكاله , فقد تعلم الباحث عزاوي من الراحل الكبير (كاتب ياسين) ومن داخل اعماله المسرحية اشياء واشياء قد فتحت بصيرته وزادته شغف البحث في جوهر المسرح العظيم , كما استنارت فكره وتعلم منه فن صناعة الكتابة الممسرحة المستوحاة من فن مسطرة الديالكتيك الجدلي الماركسي ومسطرة التباعد في المسرح الملحمي البريختي المستنتج من نظرية التغريب , واشياء اخرى من خلال العروض المسرحية الكثيرة التي كانت تنظمها فرقة كاتب ياسين وقد شارك الكاتب بنيحيى فيها منها(محمد خذ حقيبتك, حرب الألفي سنة, الكاهنة, عمي هوشيمين الحو ) .
الكتاب دراسة نقدية ونقلة حداثوية برؤية انسان وباحث مسرحي ممارس بالطقوس الروحانية طيلة عقود من خلال البحث والتطبيق والتجريب والتنقيب المتواصل من داخل خشبة المسرح , لذلك نثمن هذا الجهد للمبدع الممارس للكاتب والباحث بنيحيى عزاوي .

 

 

نبيل عبد الأمير الربيعي

http://www.almadapaper.net/

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *