الكاتب والمخرج المسرحي.. علاقة متوترة

عندما يتناول مخرج ما مسرحية لعرضها، ما الذي يمنع الكاتب من حضور البروفات المسرحية؟ وعندما يحضر الكاتب سيجد المخرج نفسه في موقف حرج لأنه قد يغيّر بعض الجمل أو يعدّلها وفق خطته الإخراجية.

 

 

لكن لماذا الحرج طالما هو الذي يقود السفينة إلى فضاءات النجاح عبر توزيع الأدوار على الممثلين رغم وجود الكاتب الذي لن يكون ربان هذه السفينة الآن على الإطلاق ولا هو صاحب السلطة المطلقة التي يجب أن يكون فاعلاً فيها بطرق مختلفة؟‏‏

‏‏

إذا كان الكاتب المسرحي شخصاً معروفاً مثل ديفيد ماميت أو نيل سيمون أو توم ستوبارد، فسلطته وفاعليته محصورة في كثير من الأحيان بمناقشات مستمرة بينه وبين المخرج حول ما يحتويه النص من إشارات وحوارات ومواقف وحالات وحتى إرشادات إخراجية متفق عليها والتي يمكن للمخرج الاستفادة منها أو لا، وإذا كان المخرج يتعامل مع كاتب جديد، عندها قد يفكر في ترتيب المشاهد واستبدالها بحيث تكون أكثر فعالية في العرض.‏‏

أول شيء يدركه المخرج هو أن العديد من الكتاب المسرحيين الجدد لا يفهمون العملية التي تحول النص المسرحي إلى فن العرض المسرحي عبر مجموعة من الناس الموهوبين، مثل الممثلين والمصممين السينوغرافيين والدراماتورج وما إلى ذلك، والذين يعيدون تشكيل المادة الأصلية إلى فعل وأداء حركي ومناظر مسرحية. في بعض الأحيان، قد يجري المخرج تغييراً في رؤية الكاتب الأصلية ومقولته لتحقيق أمر ما يكون لصالح العرض، ما يؤدي إلى استياء الكاتب، لكن هناك بعض الكتاب يجدون صعوبة التخلي عن صورة مسرحية في النص والذهن، إن لم نقل استحالة التخلي عنها، والذين يصرون على توالد الصور التي تشكلت أول مرة في خيالهم عند كتابة النص بشكل ملموس.‏‏

أنا لا أرى أن فقدان الصورة/ المشهد يتطلب تغيير طبيعة العمل الأصلية وروحه، إلا أن فعل التفسير/ التأويل يفتح الأبواب على مفاهيم جديدة وإثارة أسئلة عن ماهية الكاتب وإبداعه. لكن إذا كان الكاتب يعترف أن نصه يتحول من نوع أدبي إلى نوع آخر فني/ مرئي، فلكل نوع أدواته وشروطه ومتطلباته تنجر إلى حالة الفوضى في بداية الأمر ثم تنتظم في إطار رؤية المخرج.‏‏

من الضروري أن يحضر الكاتب العديد من بروفات القراءة مع الممثلين والجلوس معهم إلى الطاولة الحوار لقراءة النص المقترح معاً، وبدوره يقدم الكاتب أكبر كمية من الاستفسارات والمعلومات والمعرفة للمجموعة كما أنه يمكن أن يقدم لكل حركة معان متعددة ومفتوحة، وأن يكون لديه فرصة للرد على الأسئلة بحيث يقدم للممثلين معاني واضحة من دون غموض، وينبغي أن يمنعهم من حضور البروفات الخاصة بينه وبين المخرج، قد يبدو هذا غير مستساغ، لكنها عملية ناجحة.‏‏

يبدأ الممثلون البحث عن الخطوط الدرامية وأفعال الشخصيات تبريراً لصياغة تحركاتهم على الخشبة، ولا يستطيعون اقتراح أي شيء إذا كان الكاتب موجوداً لأنهم ليسوا متأكدين فيما إذا كانوا يدركون أن حالة الفوضى أو التشكيل الحركي مؤقتة أم لا، وستتغير هذه الحالة كلما استمرت البروفة، ومن الضروري التأثير على جزء من عملية البحث والعثور على طريقة وأسلوب التمثيل، وهم مدركون بشكل مؤلم لحقيقة أن كل شيء في حالة فوضى، حالة الفوضى تسبق خيارات حاسمة من قبل المخرج الذي من شأنه أن يضبط العمل ويطبع عليه بصمته الإبداعية الخاصة.‏‏

ذات مرة كانت المسرحية جاهزة للعرض، وكان ينبغي دعوة الكاتب المسرحي إليها لحضور البروفة الأخيرة «الجنرال» ومشاهدة العمل في حالته البدائية، في هذه الحالة ستتكون لديه فكرة بالطريقة التي يتحرك فيها الممثلون واستخدام مكونات العرض الأساسية، وإذا كانت لديه اعتراضات قوية على هذه الطريقة، فمهمة المخرج شرح وجهة نظره له باعتباره الصوت المدافع عن العمل للتعبير عن الرؤية الإخراجية وتحركات الممثلين عندها سيحصل المخرج على انطباع حول كيفية الانتقال من حالة المسرحة إلى حالة الإبداع.‏‏

إن غياب الكاتب عن البروفات يعطي مبرراً قوياً لاستكشاف الموضوعات والمواقف التي لا تقدر بثمن والتي ربما تكون على خلاف مع مقولة الكاتب، وتكون ردود أفعاله وثيقة الصلة بتلك المرحلة، ويتعين على المخرج النظر فيها في هذه اللحظة، حيث يلهم الكاتب نفسه لتغيير وتعديل أو حذف أو إعادة النظر فيما كتبه عندما يقدم المخرج فرصة لمواجهة المشاكل مع النص، ومن ناحية أخرى تكون فترة البروفة غير واردة في الزمن.‏‏

إن المخرج والكاتب يقيمان العمل بصراحة بحيث يتفقان أو يختلفان على تحويل مقترحات النص الأدبي إلى عرض مسرحي منسجم أو متقارب في رؤية واحدة لتصور الشكل النهائي للمنتج. فصدق المشهد من قبل الطرفين قد يوفر فرصة كبيرة لتقديم عمل مشترك وناجح بينهما، وفي الوقت نفسه يقدم كل واحد البراهين والمبررات لمعالجات النص في محاولة لاستيعاب الطريقة الجديدة في الكتابة والتمثيل وشكل العرض.‏‏

ورغم انتقادات الكاتب المسرحي على العرض ودفاع المخرج عنه، يجب أن تنتقل هذه المناقشات والانتقادات إلى الممثلين ليتمكنوا من معرفة تأثير العرض على المتفرج بأسلوبهم الخاص. لا يستطيع الكاتب تعزيز عدم ثقة المخرج بنفسه وبالآخرين من اكتشاف فجائي عندما يستجيب الممثلون لملاحظات الكاتب بدلاً من الاستجابة لملاحظات المخرج، وهذا ليس غروراً بقدر ما هو تحدٍ، فالكاتب ببساطة لا يملك لغة العرض وليست لديه خبرة تقنية وقد لا يعرف معالجة المشاكل التي تظهر أثناء البروفات مع الممثلين والمصممين، بعكس المخرج الذي تكون لديه الجرأة في معالجة الإشكاليات ومتابعة الخطوط الدرامية والمشهدية البصرية/ السينوغرافية، وبالتالي فالكاتب المسرحي يجب ألا يتدخل في عمل المخرج ولا في آلية التواصل ويبقى متفرجاً لأن هناك مهمات منوطة لكل فاعل في العرض بالاتفاق مع الجهة المنتجة.‏‏

ربما يكون الكاتب المسرحي على معرفة بإبداء الملاحظات للممثلين حول خطأ الأداء وصوابه وليس حول أسلوب الأداء أو طريقة التعبير، فهو عادة لا يستخدم المفردات العادية ولا خلفية مسرحية لمعرفة كيفية تصحيح ذلك. باختصار لا ينبغي أن يقدم سلسلة من الأوامر في عملية الإنتاج، وفجأة يتم تدمير كل ما قدمه المخرج كما أنه يبث القلق إلى الممثلين السينمائيين والمخرجين الجدد وحصول نتائج عكسية واضطرابات مميتة لنوايا الكاتب المسرحي والمعالجة الخاصة به.‏‏

عندما أخرجت الثلاثية التي كتبها موراي تسيغال في لندن «في الواقع كان هذا أول إنتاج احترافي للكاتب» كان الكاتب متوتراً يصعد ويهبط في الممر الخلفي للخشبة يفرك يديه ويتمتم في قلق وتهيج مع ممثليّ العمل، لدرجة أن الممثلين أنفسهم اشتكوا لي بأنهم لا يستطيعون معرفة ما يجري والقيام بالبروفة لأن الكاتب منزعج جداً من أدائهم، فشرحت ذلك للكاتب للمحافظة على الروح المعنوية للممثلين ثم منعته من حضور البروفات اليومية حتى يجهز العرض تماماً. كان هذا في بداية مهنة السيد تسيغال الكتابية بلا شك. أعتقد أن هذا التصرف لا يشجع أي مخرج على تقديم مسرحيته على الخشبة، ولكن كان خياري بسيطاً، إما أن يبقى الكاتب والممثلون ليتحول العرض تدريجياً إلى حالة فوضى سيئة أو أن يخرج الكاتب من المسرح ثم أستأنف العمل، لم يكن لدي أي تردد في اتخاذ قراري الثاني.‏‏

دُعيت إلى إخراج مسرحية في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. كنت أعرف الكاتب ومسرحيته، وكانت المسرحية بحاجة إلى إعداد، فجهزتها للعرض بشكل جدي، وكنت أعرف مشكلة الكاتب لأن لي تجربة سابقة معه، فاضطررت إلى إجراء تعديلات وحذف بعض المقاطع بسبب الإنتاج. ولتفادي تكرار هذا الوضع اتفقت معه أن هذا الإجراء بسبب قلة التمويل فوافق مباشرة من دون تذمر. وأنا من جانبي جعلت البروفة في وضع مريح، وذلك بعد القراءات الأولى التي من شأنها أن يترك البروفة على أن يعود إليها عندما يتطور العمل، يتقبل الكاتب أخلاقيات العمل على مضض.‏‏

أثناء البروفات عملت على اقتصاديات الدلالة من النص لحماية العرض من حالة الفوضى المفرطة من قبل الممثلين الذين كانوا حريصين على المحافظة على سير البروفة كما يجب أن تسير. يمكنني القول إن العرض لاقى قبولاً من قبل الكاتب والجمهور على حد سواء، لكن تلك كانت حالة فريدة من نوعها، عادة، تبدأ البروفات مع اختصار النص بالفعل وصولاً إلى الخشبة، في هذه الحالة، كان الأداء مع بعض التجاوزات بحاجة إلى ضبط التشكيل الحركي الذي يتعين تقييمه بعناية قبل اتخاذ قرار الاختصارات والتعديلات بحيث يكون العمل الفني مغلفاً من الخارج بوشاح النجاح.‏‏

العمل مع الكاتب المسرحي الذي اختاره المخرج لتقديم مسرحيته على الخشبة هو دعوة إلى وليمة فاخرة، بشرط ألا يفسد هذا التعاون البروفات والتي تنعكس سلباً على الجهة المنتجة وعلى الجمهور الذي دفع ثمن البطاقة.‏‏

 

 

تشارلز مارو/ ترجمة: سناء عرموش:


شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *