الندوات التطبيقية ورشة تنهض بالنقد المسرحي

 

نقد المسرح في الإمارات أحسن حالاً من النقد الأدبي العام، قد يكون ذلك غريبا، لكن الواقع يؤكده، ولا يتعلق الأمر بالنقد المسرحي المكتوب وحده، فهذا الجانب قد يكون الأضعف، بل يتعلق أيضاً بالآراء النقدية التي تواكب العروض المسرحية .

تبدأ العملية النقدية في المسرح بالزيارات التي يقوم بها المتخصصون للمسرحيين أثناء بروفات المسرحيات، ليقدموا لهم آراءهم، وهو تقليد يلتزم به معظم المخرجين الإماراتيين فيستدعون زملاءهم، وأصدقاءهم من أهل الخبرة لمشاهدة البروفة، وتقديم آرائهم فيها، ثم زيارات المشاهدة التي تسبق كل مهرجان وتقوم بها اللجان الفنية التي تشكلها الهيئات الثقافية المشرفة على المهرجان، وعلى أساس تلك الزيارة يتم اختيار العروض المشاركة في المهرجان المعني، وعادة ما يقدم خبراء اللجنة للمخرج والممثلين والفنيين المسرحيين، آراءهم في العمل، والنواحي الإيجابية والسلبية فيه، وينصحونهم بالنهج الذي ينبغي أن يسيروا عليه إذا تم قبول عرضهم إذا أرادوا الفوز بجوائز المهرجان، ثم بعد ذلك تأتي الندوات التطبيقية التي تقام بعد كل عرض، لتكمل الدائرة النقدية وتبصر المخرجين والممثلين بالتفاصيل الدقيقة لعملهم، وملامح الإتقان أو الخلل فيه .
تشكل تلك الندوات التطبيقية مشغلاً نقدياً حقيقياً، ذلك لأن الذين يتحدثون فيها في العادة هم إما فنانون مسرحيون متميزون لهم تاريخهم المعروف، أو كتاب لهم باعهم في الكتابة، أو نقاد مسرحيون لهم تاريخ طويل مع العروض، واطلاع دقيق على مفاصل العملية المسرحية بكل أبعادها، حيث تتيح المهرجانات المختلفة هذا التنوع، وتجمع تلك الأوجه على اختلافها، فقد درجت إدارات المهرجانات على استدعاء ضيوف من المتخصصين في مجالات المسرح من كل أنحاء الوطن العربي، وتحرص تلك الإدارات على أن يكون أولئك الفنانون موجودين في كل عرض، وأن يتاح للمسرحيين الإماراتيين لقاءهم وسماع آرائهم في العرض ونقاشهم فيها .
تركز الآراء النقدية أثناء الندوات التطبيقية، على كل شيء وأي شيء يتعلق بالعرض، وكل ما يحدث على الخشبة، بدءاً من الممثل وصوته وحركته وانفعالاته ولغته، فكل ذلك له دلالته وأثره في العرض، وفي المعنى النهائي الذي يريدنا المخرج أن نصل إليه، وبالموازاة مع ذلك أيضاً تحلل السينوغرافيا ودرجة انطباقها وانسجامها مع ما يؤديه الممثلون من أفعال وأقوال، فللألبسة وأشكالها وألوانها، وللديكور وبنائه ومواقعه على الخشبة، وللضوء ودرجاته وألوانه، وللموسيقى والأغاني دلالة في المشهد وفي العرض بكامله، ثم يأتي التركيز على النص وتماسك وجهة النظر الدرامية من عدمه، وكيفية بناء الشخصيات تدريجياً، ورشاقة الحوار، ودرجة حضور المونودراما والسرد، وغيرها من التقنيات الكتابية، كل ذلك له وغيره مما له أثر في صناعة الرؤية النهائية يتم تفكيكه قطعة قطعة، في المشغل، ويعاد بناؤه بشكل صوري مثالي، لكي يتعلم المسرحيون من التجربة ويعرفوا كيف يمكن بناء ذلك القصر المتكامل المتناسق المتناسب في أشكاله وألوانه الذي يسمى عرضاً مسرحياً .
هذا المَجْمَع النقدي لا يتوافر لكتاب الرواية ولا الشعر لأن المهرجانات الأدبية لا تنصرف إلى مثل تلك الورش النقدية التي تتناول أعمالا أدبية معينة بالتحليل والنقد الذي يشترك فيه الجميع، فتركيز المهرجانات الأدبية هو يكون في العادة على الدراسات النظرية العامة، حسب محاور نقدية أو تاريخ أدبية، وهو ما يفوت تلك الفرصة الثمينة لاستفادة الكتّاب من الرأي الأدبي المباشر في أعمالهم، وربما يكون الأمر عائداً إلى طبيعة العرض المسرحي الذي هو عمل جماعي يشترك فيه الكاتب والمخرج والفنيون والممثلون، ما يخفف من وقع النقد حين يقتسمه كل أولئك بينما النص الأدبي هو إنتاج لشخص واحد قد لا يتحمل التركيز عليه من هذا الكم من النقاد
.

 

 

محمد ولد محمدسالم

 

http://www.alkhaleej.ae/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *