البعد الإنساني في مسرحية «عرض البحر»

 

 

 

إن عنوان النص المسرحي يحمل دلالة لغوية ذات بعد إيحائي، النص المسرحي في عنوانه المتكوّن اللغوي الذي يشير إلى الحيز المكاني، وهو مكان انطلقت فيه أحداث المسرحيّة، غير أنّ هذا المكوّن الدلالي قد خصص بمكون إضافي، ليتحدد فيه أحداث المسرحية في البقعة المائية.
يحمل العنوان قيمة دلالية مستقاة من التكوين اللغوي، ويشير إلى القيم العليا والمثل الإنسانية الرفيعة التي تتحلى بها شخصيات النص.
فالحوار في المسرحية يتمحور حول حدث رئيس، وتمثل في البحث عن طعام يسد به هؤلاء الجائعون رمق جوعهم، لذا حملت المادة الحوارية إمكانات ملفتة تمثلت في الخروج عن مألوف الإنسانية، بحيث تحوّل جسد الإنسان طعاماً لأخيه الإنسان.
إنّ ما يميز الحوار في هذا النص النمط الحواري المتدفق من عمق المأساة، أعطى الحدث سخونة رغم تكرار مضامين في محطات مختلفة من أحداث المسرحية، إذ إن الطعام يشكل أهمية كبرى في حياة الإنسان، لذا نرى أن الكاتب يركز على الهاجس الإنساني في هذا النص المسرحي، فليس غريبا أن نرى شخصيات النص، وإن بدت شخصيات متصارعة متنازعة فيما بينها، تحاول كل واحدة منها أكل الأخرى، إلا أنها شخصيات طرحت مثلاً إنسانية عظيمة كالعدالة والحرية والديمقراطية، وحملت أبعاداً ثقافية راسخة في حضارة الإنسان .
إن توظيف شخصيات النص ابتداءً من البعدين الذي مثّل الطبقة المستبدة والمتسلطة على الآخر، وشخصية المتوسط الذي يمكن أن يشير إلى عنصر البرجوازية، وجاءت شخصية الصغير التي عبرت عن الفئة الاجتماعية التي تعاني من الفقر والسحق من قبل الطبقتين، والصراع القائم بين هؤلاء الشخصيات، يؤكد لنا حقيقة الصراع الطبقي الموجود في المجتمع، في تلك الفترة، كما يوحي لنا بأن استغلال الإنسان لأخيه الإنسان مبدأ لا تقره العدالة الإنسانية ولا المجتمعات المتحضرة . 
أما ما يتعلق بشخصية ساعي البريد، والخادم فقد جاءت في إطار من الحوار الذي عالج به كاتب النص حدثه رغم تأثيرها على مجريات جزئية في النص.
لقد انطلقت أحداث المسرحية من منطقة نائية وهي البحار التي أعطت مدى غائباً يمكن أنْ يتوقعه قارئ النص، وهذا البعد اللغوي يوحي بابتعاد الواقع الإنساني عن تلك المبادئ السامية. أما عنصر الزمن فلم يؤثر في عمق الحدث إلا بعد أنْ ارتبطت أحداث المسرحية في التصاعد عن ترشيح الجائع الصغير للأكل، وبه تمت العودة إلى أحقاب زمانية من موت أمه بقدوم ساعي البريد في تلك الفترة، ووصول الخادم إلى تلك الفتية، والرجوع بأحداث النص إلى الوراء من قبله.
إن توظيف شخصيات النص، باقتدارعلى خشبة المسرح، من قبل المخرج هاشم العلوي، أعطى النص قوة وإبداعاً، مما سهل على المتلقي فهم النص بوضوح، ساعده على ذلك قوة أداء الممثلين، الذين أجادوا أدوارهم بامتياز لاسيما الفنان والشاعر مهدي سلمان الذي مثل دور الرجل البدين، وكذلك الفنان علي يحيى الذي مثل دور الرجل المتوسط، والفنان هاشم العلوي الذي مثل دورالرجل الصغير، ويعد دخول ساعي البريد الفنان مصطفى القرمزي، واستخدامه للدراجة، ممكنا فنيا، من قبل مخرج النص، وكذلك دخول الخادم الفنان سعيد محمد بطريقة كوميدية، مما أضفى جوا مرحاً على الجمهور، أما ديكور المسرحية الذي صممه الفنان محمد مجيد الحجيري، ونفذه الفنان جاسم محمد علي، جاء بسيطاً ومعبراً عن الأحداث المسرحية التي جرت على ظهر السفينة، كما أن شراع السفينة، والأوراق الملونة التي ترمز للبحر قربت ذهن المتلقي لمتابعة أحداث النص المسرحي، وساعد على ذلك المؤثرات الضوئية بإشراف الفنان القدير ماجد نور الدين، الذي استخدم خبرته الفنية في توظيف الإضاءة لتتوافق مع أداء وحركات الممثلين، وقد جاءت المؤثرات الصوتية لتضفي جوا رائعا جميلا يتناسب مع الأداء المبدع للمثلين، وتنسجم مع قوة النص المسرحي، وقد أشرف على هذه المؤثرات الصوتية الفنان القدير فراس أبو زمان الذي كان يتمتع بخبرة كبيرة في هذا المجال الفني، ولنا وقفة شكر وتقدير للفنان القدير علي سيف على إبداعه في عمل المكياج للمثلين، فلقد أبدع في مكياجه وله كل الشكر والتقدير، كما نشكر الفنان سليم الفيومي على إدارته لخشبة المسرح، ونشكر الشاعر علي البقالي على إشرافه اللغوي للنص ومتابعة الأداء اللغوي للمثلين، وختاما، كنا نتمنى لو أن مخرج النص هاشم العلوي، أكثر من الجماليات والخيال الإبداعي في النص، فابتكر لنا من خياله وإبداعاته أشياءً جديدة، كما فعل مع ساعي البريد، لأن النص واقعي بأدوات عبثية، فليس من المعقول أن يأكل الإنسان أخاه الإنسان، وهنا تكمن اللعبة الموجودة في النص، فكان بإمكانه أن يتقن اللعبة الموجودة في النص بشكل أكثر، وكنا نتمنى لو أنه لم يحصر الممثلين في بؤرة المسرح واستغل المساحة الكاملة للمسرح، لأن وجود الممثلين على شكل مثلث بالقرب من شراع السفينة، أوجد إرباكا لبعضهم، بحيث شاهدنا أحدهم يغطي على الآخر، كذلك كنا نتمنى لو أن الإضاءة خدمت الديكور بشكل أكثر، ولو أن المراوح عملت منذ البداية على تحريك قطع الديكور التي ترمز للبحر لاستطعنا أن نرى البحر أكثر جمالاً، إلا أنه في النهاية استمتعنا بنص قوي في اللغة والإخراج، وممتع ورائع، شد المتلقي إلى النهاية، لذا فإننا نتقدم بالشكر الجزيل، لكل من ساهم في إنجاح هذا العمل المسرحي الرائع، كما نشكر مسرح الريف على إنتاجه لهذا النص الجميل
. –

 

http://www.alayam.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *