«طقوس الأبيض» تبحث في جدلية الحياة والموت

 

قدم المخرج محمد العامري والمؤلف محمود أبوالعباس، مسرحية «طقوس الأبيض»، في معهد الشارقة للفنون المسرحية، على هامش عروض مهرجان المسرح الخليجي، متناولاً جدلية «الموت والحياة» في ثنائية متناقضة جسدها الممثل المسرحي القدير، أحمد الجسمي، ليكون العمل في ذروة الإبداع.

تلك الجدلية اختزلها العمل الفني المسرحي «طقوس الأبيض» لمسرح الشارقة الوطني، فحتى عنوان العمل جمع تناقضات الموت والحياة، فالأبيض هو القماش الأبيض والقطن، اللذان يعدان من الأدوات الرئيسة في عملي حفار القبور والقابلة، فالأول يكفن به من فارقوا الحياة وزال ظله عن الوجود وحان موعد ملء القبور، والثانية تقمط به من جاؤوا إلى الحياة وفرغت منهم الأرحام. تدور أحداث القصة حول حفار القبور، الفنان أحمد الجسمي، وزوجته القابلة التي أدت دورها الفنانة ملاك الخالدي، يجتمعان كل ليل بعد عناء يوم شاق في استقبال المواليد وتوديع الجنائز، ليسخرا من لعبة الحياة ودولاب الولادة والموت، فهي رغم عملها كقابلة تستقبل الأطفال الرضع بحب ممزوج بحسرة، لأن ليس لديها أطفال، فكل طفل يتشكل في رحمها لا يصمد حتى موعد الولادة، بل يعجل في الخروج إما ميتاً أو جنيناً غير مكتمل، فيما الحفار لا ينفك عن دفن أطفاله الذين يتوق إلى سماع صرخات بكائهم الأولى حتى صار عددهم تسعة أجنة، وصفتهم القابلة بطيور تشفع لهم يوم المصير.

يبدأ العرض بلوحة غاية في الجمال، خروج عناصر الجوقة الذين جسدوا الأجنة من داخل رحم الحياة، والصراع والتسابق على الخروج من تلك الرحم التي ضاقت بهم، لينتقل العامري بعدها إلى لوحة أجمل مما سبقها وإن طال المشهد قليلاً إلا أن روعته شفعت له، إذ تظهر في الجانب الأيمن منصة توليد النساء والطقوس التي تمارسها القابلة أثناء التوليد من قدور مليئة بالماء الساخن وقطن وقماش أبيض لقماط الوليد، وبخور ملأ عبقه صالة المسرح وسط زغاريد النساء.

فيما في الزاوية المقابلة تناقض الحياة، فالحفار يجهز الميت إلى مثواه الأخير، فهنا الماء والكافور والكفن ورائحة اللبان التي ملأت المكان، وأصوات المودعين والترانيم الدينية ترافق طقوس التحضير للدفن، وما بين مستقبل للحياة ومودع لها جدلية يعيشها الحفار وزوجته، فصار هو نذير شؤم تفوح منه رائحة الموت المشبع بالكافور، وهي تعبت من رضّعٍ تحملهم بين ذراعيها من دون أن ترضعهم، فهم ليسوا من رحمها الفارغ.

تتصاعد الأحداث، وتتوالى النساء الحوامل على القابلة، فالأولى، الممثلة شمس، ترغب في إنجاب طفلها مبكراً، خوفاً عليه من أن يأخذوه إلى الموت والثانية (الممثلة رانيا آل علي) يأتي بها زوجها العقيم (الممثل محمود أبوالعباس) للقابلة بعد أن عنفها واعتدى عليها بالسباب، فالشك خرق كيانه وحطم أشرعته كما كان يردد، ليتبين أنها غير حامل وما بها من انتفاخ في بطنها هو حمل بشكوك زوجها التي ملأت بطنها الفارغ.

وتظهر الفنانة شجون في دور الحامل الثالثة التي ترقص فرحاً للتخلص من جنينها الذي أثقل حركتها وحال دون سفرها، وهجران زوجها، الفنان المبدع حميد سمبيج، الذي جسد دور الزوج المضطهد والخاضع لرغبات زوجته المتسلطة، التي سلبته ماله والآن بعد أن آن أوان وضعها تسعى إلى هجرانه والتخلي عنه، وفي أثناء الولادة تزف القابلة الطفل للحفار لتعلن ولادة جيدة وروحاً فارقت الجسد.

عنصر الدهشة

 

ما يؤخذ على العرض هو التطويل في البناء التعبيري والعرض البصري في بعض اللوحات الفنية والصور والتلوين، كمشهد الدمار والمشهديات الطقسية، وإن كانت جيدة إلا أنها مستهلكة وقلصت من عنصر الدهشة، غير أن العرض تجاوز الكلام للفعل، والانتقالات أكدت أن الفكرة ذهبت إلى فكرة الموت نفسه، وقد تجلى ذلك عبر حالات الموت المتعددة واختلاف النظر إليه من قبل الشخوص، إذ إن العرض رفع سقف التوقعات التي تحققت من خلال العرض المتماسك الذي نهض بنائياً على ثنائية ضدّية مع ميل للسوداوية.

سينوغرافيا

 

شكر مقدم ورشة السينوغرافيا، الناقد المسرحي المغربي عبدالله بيلوت، إدارة المهرجان على ما تقدمه من مبادرات تصب في مصلحة المسرح العربي، مؤكداً أن الرؤية الجمالية للمسرح العربي في المهرجانات التي كانت تقام في ثمانينات القرن الماضي موازية ومشابهة لما يعرض في أوروبا، وكانت حاضرة أكثر، غير أن العروض المسرحية الآن تفتقر إلى الجمال، وتحولت إلى عروض موسمية لمهرجان لا أكثر.

واستعرض بيلوت بعدها التكنيكي الذي اشتغل عليه خلال الورشة التي انضم إليها 12 مشاركاً من شباب المسرح في دول مجلس التعاون الخليجي، والمنهج الذي اتبعه، موضحاً أن الورشة تهدف إلى توضيح تأثير المقاربة بين العناصر المكونة للعرض المسرحي، مؤكداً ضرورة أن تتوافر في الممثل والمخرج والسينوغراف الإمكانية على تطوير الأساليب وإعطاء تصورات مختلفة لشكل العرض المسرحي.

وعمد بيلوت إلى تحليل عدد من النماذج السينوغرافية من خلال الصور والفيديو لبعض الأعمال لتعريف المشاركين بالورشة بأنواع مختلفة من السينوغرافيا يعتمد شكلها على مضمون وخطاب النص.

وأكد بيلوت أن «منهجية الورشة اعتمدت على السينوغرافيا النظرية والتطبيقية، فالنظرية تمت من خلال عرض الصور كأداة لفهم المصطلحات، الأفكار، الابتكارات والأشكال لفتح النقاش بين المشاركين في الورشة، أما التطبيقية فقمت بتصميم نموذج سينوغرافي من خلال نص مسرحي من أجل تنمية وتطوير المجال الإبداعي والخيالي عند المشاركين وتقريب أدواتهم من أدوات العمل عند المحترفين».

«من منهم هو»

عقد المهرجان مؤتمراً صحافياً للتعريف بفرقة المسرح الشعبي الكويتية، التي تشارك في المهرجان المسرح الخليجي بعرض مسرحية «من منهم هو»، ويدور العمل حول سيطرة النفس الأمارة بالسوء على النفس البشرية.. هي عبارة عن كولاج يضم ثلاثة عصور مختلفة من ثلاث شخصيات (ميديا من العصر الإغريقي والزير سالم من العصر الجاهلي العربي، والليدي مكبث من عصور النهضة) وتظهر لهم شخصية الـ«هُوَ» لتوضح لنا كيف فكرت في تلك الجرائم.

عناية خاصة

أكد منسق عام المهرجان، وليد الزعابي، أن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع تولي التظاهرات الثقافية بشكل عام، ومهرجان المسرح الخليجي بشكل خاص، عنايةً خاصة، حيث حققت الإمارات على مدار 12 عاماً مراكز متقدمة في الدورات السابقة، ولها حضورها البارز في مهرجانات المسرح الخليجي، لذا كانت الوزارة حريصة كل الحرص على أن تقدم دورة ناجحة من جميع الجوانب وحتى الآن تشير المؤشرات الأولية التي رصدتها إدارة المهرجان بعد مرور خمسة أيام إلى أن المهرجان، من حيث التنظيم والعروض المشاركة، بما فيها العروض التي تقدم على هامش المهرجان، قد شهد رضا واستحساناً كبيراً من الجمهور والنقاد والمهتمين بالمسرح.

وقال الزعابي إن مهرجان المسرح الخليجي، بهويته الإقليمية وإمكاناته البشرية والاقتصادية، يشكل حجر الزاوية في بناء المشروع المنتظر للمسرح العربي، الذي يعيد إلى هذا الفن تألقه وحضوره الجماهيري، وقدرته على التأثير والتغيير، مضيفاً أن المهرجان أصبح يحظى بمكانة كبيرة على الساحة المسرحية الخليجية، لما حققه من إنجازات كثيرة، وما أبرزه من وجوه شابة مبدعة، على مستوى الممثلين والمخرجين والمؤلفين، وهذه المواهب أصبحت تقود التجربة المسرحية الشبابية الخليجية اليوم.

وأضاف الزعابي أن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع وإدارة المهرجان حريصة على أن يدرك الجميع من مثقفين ومسرحيين، وكذلك المهتمون بالمسرح، أنهم أمام تظاهرة ثقافية مهمة ولها دلالتها الحيوية الخاصة كي تنجح هذه الدورة من المهرجان وتحقق تميزاً خاصاً.

 

المصدر:

    سوزان العامري – الشارقة

http://www.emaratalyoum.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *