جبار الجنابي: (آنو) جنون.. كسر التقليد وأصبح فنا عالميا!

 

أكد المخرج المسرحي العراقي جبّار الجنابي انه صاحب هذا الاسلوب من العمل الفني الذي اطلق عليه اسم (آنو) الذي اصبح فنا عالميا، موضحا انه استمد الفكرة من أسطورة الخليقة السومرية التي يأمر فيها “مردوخ”، رب الأرباب، “أنو”، إله السماء ان يحول الالهة التي تتعارك مع بعضها الى كواكب فيها هذا النظام المغناطيسي المتكامل، مشيرا الى ان العرض التفاعلي الذي قدمه مؤخرا في بغداد هو الخامس عشر في سلسلة العروض التي قدمها، والتي تتضمن الموسيقى والشعر والغناء والرقص والتشكيل.
وجبار الجنابي فنان عراقي مغترب منذ نحو 20 عاما واستقر في كندا التي فيها حقق افكاره المتعلقة بهذا الفن كما كانت له مشاركات في افلام سينمائية في هوليوود.

*ماحكاية العرض الذي قدمته في بغداد؟
–  العمل لاول مرة من نوعه يتحقق في العراق ولكنه نواته هي (عربة الغجر) التي كانت في الثمانينيات، كانت مثل الامسيات، اول ما قدم في معهد الفنون الجميلة / القاعة التشكيلية، بعد نجاحها انتقلت الى اتحاد الادباء ومن ثم الى منتدى المسرح ومن ثم الى مهرجانات مسرحية.

* هل هو عرض مسرحي ام ماذا؟
– ليس عرضا مسرحيا بل انه عرض يشتمل على الرقص والموسيقى والشعر، وهذا يعتمد على الفنون نفسها،التشكيل والموسيقى والرقص والكلام المحكي الادبي لان القصائد من الصعب ان تكون في الطريقة التلقائية او الارتجال، فالعملية تطورت بعد ذهابي الى كندا،فبدأت ابحث وأكوّن فلسفة خاصة بالعمل اعتمدت على صوت الخليقة السومرية وقصف بغداد، صوت الخليقة السومرية اعتمدته على رب الارباب مردوخ أمر ( انو) ان يحول الالهة التي تتعارك مع بعضها الى كواكب فيها هذا النظام المغناطيسي المتكامل، في داخل العرض الفنان يسقط الالهة في داخله ويتحول الى كوكب مضيء يتعامل مع النظام الجديد، الذي هو النظام التلقائي الذي يعتمد على الخزين الداخلي، اي ليس هنالك نص مكتوب، فالعمل يكتب اثناء التأدية ـسواء كانت الموسيقى او الكلمة المحكية او الحركة او اذا كان الشكل الذي يحيط بالعمل، اما مسألة قصف بغداد فهي تقنية اشارة بالبدء او بالانتهاء، انما ترسل الضوء للمؤدي وكأن الطائرات الاميركية تقصف المؤدي ولكن التحول بدل الخراب يكون الى جمال.

* اين قدمته لاول مرة بهذا الشكل وما كانت ردود الافعال؟
– هذا العمل عندما قدم في كندا كان من الصعوبة ان يفهم الفنان الكندي العملية كلها، لانه غير مثقف بصوت الخليقة السومرية، فأنا قدمته اول الامر للفنانين، فكانت هنالك صعوبات،حتى انهم قالوا لي (انك مجنون)، ان تجازف بهكذا مجازفة،فلا أحد يأتي ليشاهد العمل لان المتلقي لابد ان يعرف الى اين ذاهب، ولكنني قدمته على حسابي الخاص للسنوات الثلاث الاولى ونجح فنيا وماديا، وكانت اصداؤه في الوسط الثقافي الكندي كبيرة،عندها اثنت الحكومة الكندية على العمل ودعمته بالاضافة الى الشركات الخاصة،

* واللغة..؟ أليست مهمة؟
-اللغة هنا غير مهمة،لان هنالك مواطنون من جنسيات مختلفة ومن كل اللغات، واستطعنا ان نجعل الحس يطغى على اللغة، وهذا جعل الحكومة الكندية تثني على العمل، لان جمع الاثنيات بهذا الشكل الجمالي فتح الثقافات على بعضها، اضافة الى ان الفنان من الاصول الكندية الاصلية (السكان الاصليون / الهنود) يرفضون التعامل مع المهاجر او المحتل فنيا، فأنا نجحت في أن اشرك الفنانين من السكان الاصليين الكنديين في هذه الاعمال وبهذا حققت فكرة وجود كندا.

*لماذا العنوان (آنو بغداد 1)؟
– لان عندي الى حد الان 14 آنو في كندا، والانو هو الاسلوب، وهو اسم اله السماء السومري، الذي اسميت هذا الاسلوب به، فكل آنو له ثيمة، وما قدمته في بغداد هو رقم 15، فيما آنو رقم واحد قدمته في المانيا الذي مثلت كندا فيه، ومعنى (آنو بغداد 1) لان اول عرض من هذا النوع في بغداد، والثيمة التي قدمناها فيه هي (الامان)

*من اشترك في العرض؟
انا اشركت في العرض نحو 18 فنانا من موسيقيين وراقصين وشعراء، ومن الاسماء الكبيرة التي اشتغلت معي حميد المختار وصلاح حسن وسامي نسيم وعلي دعيم، قدموا اداءا لغويا، وهناك في كندل واميركا يسونهم (ذا سبوكن وورد).

*لماذا اشركت قاصا وشاعرا في العرض؟ 
-لان حميد وصلاح مشاركان اساسا في (عربة الغجر) سابقا، فيعرفان هذا النوع من الجنون، وتحمسا الى ان يرجعا الى السنوات القديمة بطريقة متطورة مختلفة، وكان من الصعوبة ان أقنع الاخرين مثل الموسيقيين الشباب، فمن الصعب ان نجعله يعتمد على خزينه الداخلي ويكون حرا،فالعمل كله فيه حرية مطلقة مع نظام واحد يمسك العمل.

*قلت ان في العمل (جنون) وفي كندا قيل لك (مجنون) اين يكمن الجنون فيه؟
– الجنون في كسر التقليد وتحقق شيئا يقتنع به الجمهور، فالجمهور متعود ان يشاهد خشبة مسرح، واللوحة على القماش ومعروضة على الحائط، والرقص كذلك، فيما كان الرقص هنا مبتذلا، اي لا يوجد تعبير جسد، والذي اشتغله معي (علي دعيم) قادم من السويد، والراقصة الاخرى تعبت معها حتى اقنعها ان هذا تعبير جسدي وليس رقصا شرقيا، فالعملية فيها جنون، فليس هنالم مخرج يتعامل مع ناس بهذه الطريقة بقدر ما لديه نص والمثلون يؤدون ادوارهم.

*هل تعتقد ان الجمهور العراقي وصلته الفكرة وأقتنع؟
– الذي صار بعد العرض، ان الجمهور احتفل،ولاول مرة ارى نساء ليست لهن علاقة بالعرض يرقصن بعد العرض، وحسب تعبيرات بعض المتلقين قولهم لي (رجعتنا لمدنيتنا وحسستنا بالمكان الجميل /المنتدى)، العرض كسر حاجزا مهما،حاجز الرسميات مثل ان يجيء ليشاهد عمل وينقده، بل انهم شعروا انهم مشاركون بالعمل، لان الفنانين كانوا مندسين بين الجمهور.

*هل هذا الفن عالميا ام على نطاق محدود؟
-الفن اصبح الان عالميا، فعندما قدمته في كندا ما كان له اسم او مصطلح،حتى انهم في اول مرة في دعمهم لي لم يجدوا له مصطلحا محددا بقدر ما طبيعة الفنون التي يتضمنها لكنه الان له اسم (الفنون التفاعلية الشاملة)، فأنا اول من وضع هذا الاسلوب، وقد سجل بأسمي، وفي العراق انا بصدد تثبيت حقوقي الفكرية بالنسبة له، ومن يريد ان يقدم عملا على هذا الاسلوب يجب ان يكتب اسمي على انني المؤسس لهكذا نوع،انا في صدد نشره في اوربا ولكن في كندا الان يقدم في ثلاث مدن هي فاتكوفر ومنونتريال وتورونتو،واصبح هناك مخرجون انا دربتهم ودائما يذكرونني في (فولدرات) عروضهم.

*والمكان المناسب لهكذا عروض؟  
.  ليس المهم المكان اذا ما توفرت التقنيات –

*ما اكبر الصعوبات التي واجهتها في العرض في بغداد؟
-ذهنية المشاركين بالعمل بحيث دفعتني الى ان اتنازل قليلا عن اساسيات فيه الى ان يفهموا، مثلا: طلبت من الموسيقيين ان يصدروا اصواتا نشازا،لكنهم ثاروا علي في البداية ولكن بعد العمل قالوا لي انهم وجدوا النشاز جميلا، فالعمل لا ينظر اليه كتفاصيل بل ككل،كنتيجة..

*هل يمكن ان تعيد عرضه؟
– العمل لا  يعاد نفسه لانه يعتمد على التلقائية، ولا يمكن ان تعاد التلقائية لمرتين، فكل عرض يقدم هو عمل بحد ذاته، ولكن المؤسسة وعدتني ان تكون في المرة المقبلة انتاجية اكبر ويكون العرض في افتتاح او اختتام مهرجانات.

* من يكتب السيناريو والحوار؟ 
-لا سيناريو ولا نص، النص يكتبه المشاركون ويؤلفه الموسيقون،وكل شخص يحكي ما يريده لانه يعتمد على اختيارات المخرج الصحيحة،فليس لدي بروفات بل اجعل المشاركين يتعرف احدهم على الاخر بشكل ابداعي وفكري وانساني،والعرض يعتمد على الاضاءة،فمن تأتي اليه الاضاءة يتحدث وعندما تنطفيء ينتهي دوره،والراقصون متروكون لحسهم وكيف يتفاعلون مع الجمهور ومع الموسيقى والجو العام.

* وما عملك انت اذن؟
– انا شغلي ان ادخلهم في العملية الابداعية، وبعدها يكتشف الفنان والجمهور في داخله اشياء اخرى غير موجودة سابقا.

* منذ متى وانت مغترب؟
– نحو 20 عاما،لاسباب سياسية،بقيت في عمان اربع سنوات اشتغلت عملية مشابهة لهذه ووصلت الى مهرجان جرش ولكن لم احقق فلسفة مكتوبة للعمل،لكنها الان موجودة باللغتين العربية والانكليزية.

* ما اخر عمل قدمته في العراق قبل الاغتراب؟
– مع خزعل الماجدي وسلطان الخطيب ولقاء سرسم ومحمد الشمري (امسية الرداء البرونزي) وكانت احتفالية بجواد سليم عام 1994.

* والسينما اينك منها؟
– انا اشتغلت في هوليوود مع ليام نيلسون وصوميل جاكسون وفيلم الان يعرض اسمه (الشرطي الالي) ودوري فيه شخصية ايرانية لان الفيلم يتحدث عن جيش آلي يحتل ايران،ومثلت فيلم مع هادي ماهود (سائق الاسعاف) واسامة الشطري بطولة مطلقة في (جيم ميم)، والان مرشح لعملين مع هادي ماهود وحميد حداد.

*كيف وصلت الى هوليوود؟
– عن طريق المصادفة، لكوني التقي مع فنانين ومثقفين في كندا وهذه اللقاءات تكوّن افكارا، وحصيلتي فيلمان ومسلسلان.

*هل تتابع الاعمال الفنية العراقية؟
– طبعا، ما زال المسرح تنقصه الجرأة في الطرح،وما زال متوقفا عند الثمانينيات وكأن الاعمال فيها خلل في الاعمال، ولكنني شاهدت مؤخرا عملا للمخرج كاظم النصار كان جميلا وهو الوحيد الذي علق بذهني وفيه جرأة فالكابريه السياسي وان ذهب زمن الكابريه السياسي،كما تنقص المسرح العراقي (الوان مان شو) اي الكوميديا من ممثل واحد ويحكي احداث يومية بطريقة كوميدية وفيها نقذ ساخر لاذع،هذا النوع يقدمه كبار الفنانين هناك، للاسف الفنان العراقي داخل فقاعة يرى الاخر من خلالها ولا يسمح للاخر ان يدخل او يقول له تعال تعلم منا ونتعلم منك،لانه لا يريد ان يتطور،فالتقنيات المسرحية تطورت الى شيء مرعب،هناك مسرحيات تكون في مدينة كاملة،تنطفيء الاضواء في المدينة بكاملها، وشاهدت عملا يكون الحوار بين جبلين،فالمسرح ما عاد خشبة مسرح وقاعة، كما تنقصه الكلاسيكيات مثل مسرحية (الدبخانة) فهي لا تعاد او (النخلة والجيران) فهذه ثقافة بلد ولنجعل الاجيال تشاهدها بممثلين مختلفين كما هو حال المسرحيات الكلاسيكية العالمية.

 

 

عبدالجبار العتابي

http://www.elaph.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *