«المسرح الحي والأدب الدرامي» لموريه… ما يجهله العرب عن ثقافتهم

 

كتاب {المسرح الحي والأدب الدرامي في القرون الوسطى في البلاد العربية} سابقة أدبية رائدة في الاستنتاج بأن العرب عرفوا المسرح، إذ فند المؤلف رأي المستشرقين والباحثين القائل عكس ذلك.

حول الأسباب التي جعلته يصدر هذه الدراسة يورد المؤلف أ. د. ش. موريه أن «البداية كانت محاولة معرفة فيما إذا كان مسرح يعقوب صنوع تقليداً للمسرح الأوروبي أو أنه كان امتداداً لمسرح مصري شعبي يقوم الممثلون الذين كان يطلق عليهم اسم «محبطون» بعرض مسرحيات، كما ذكرهم المستشرق البريطاني إدوارد وليم لين في كتابه «اخلاق وعادات المصريين المحدثين»، وطريقة تمثيلهم المشابهة للمسرح الأوروبي، واستطعت أن أثبت أن هذا المصطلح كان معروفاً في القرون الوسطى، وأنه استبدل مصطلحي «خيال» و»حكاية» اللذين استخدما في صدر الاسلام للدلالة على مسرح يقوم فيه الممثلون بارتداء ملابس تعود الى فترات تاريخية قديمة لكي يقوموا بإحياء الماضي في الحاضر أمام المشاهدين للإمتاع والنقد الاجتماعي والوعظ».

المضحكون

وسع المؤلف نطاق بحثه ليمتد الى الإسلام خلال العصور الوسطى، وقد توصل، عبر هذا البحث، إلى وجود مسرح حي في العالم العربي ما قبل الحديث، إذ تابع العرب تقاليد المسرح الشعبي في الشرق الأدنى وطوروها في ما قبل وبعد مسرحيات خيال الظل، والدمى المتحركة ومسرحيات الآلام باسم التعازي.
يقول المؤلف «إن خلاصة ما توصلت إليه في كتابي هذا هو أن العرب في فجر الإسلام عرفوا المضحكين أمثال النعمان، وهو المعروف بمضحك النبي محمد، وكان لعائشة امرأة تضحكها وتقلد النساء تدعى «سويداء»، أما الحكم بن أبي العاص فقد كان يدعى بالحاكي «لأنه كان يحكي مشية رسول الله» حسب رواية الجاحظ (ت868) في «البيان والتبيين». و{كان التمثيل في فجر الإسلام يعرف باللعب أو المحاكاة أي تقليد الآخرين. غير أن هذا المصطلح تغير في القرن التاسع الميلادي وأصبح يعرف بالخيال، وأطلق مصطلح «الخيالي» على الممثل بعدما كان يدعى بالمخنث أو اللاعب أو الحاكية. وعندما وصل التمثيل الظلي من الشرق الأقصى أي الصين والهند إلى العالم الإسلامي أطلق عليه العرب مصطلح «خيال الظل»، أي التمثيل الذي تقوم به دمى من جلد جمل شفاف ملون يقوم اللاعب أو الخيالي بوضعها على شاشة بيضاء، ينعكس عليها ظل الشخوص الجلدية من فانوس أو مصباح على الشاشة، ويقوم المخايل بتحريك أطرافها وبإجراء الحوار بين الدمى.
وهكذا نرى أن التمثيل البشري عند العرب، أي الخيال، سبق التمثيل بالدمى أي خيال الظل. ولا نجد في الأدب العربي سوى فقرات قصيرة يلخص فيها بعض المؤلفين مضمون التمثيليات التي شاهدوها. ففي زمن الخليفة العباسي المهدي (755-785) كان أحد الصوفية يمثل محاكمة خيالية للخلفاء المسلمين من أبي بكر إلى الخليفة المهدي في سبيل «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»…

جذور

يعاين الكتاب اقتفاء أثر جذور المسارح الجزائرية والشامية والمصرية التي أرسى دعائمها كل من ابراهيم دانينوس في الجزائر في مسرحيته المطبوعة طباعة حجرية «نزهة المشتاق وغصة العشاق في مدينة طرياق في العراق» (1847)، ومارون النقاش (1817 – 1855) في بيروت عام 1848، ويعقوب صنوع في القاهرة عام 1870. وعثر المؤلف على بعض رسوم فارسية وتركية في كتب الفن الاسلامي توضح أنماطاً شتى من الممثلين المسلمين الوارد ذكرهم في هذا الكتاب.
بالنسبة إلى الباحث، تمتد العصور الوسطى من العصر الجاهلي حتى ظهور المسرح الحديث في كل من الجزائر وبيروت والقاهرة في الثلث الأوسط من القرن التاسع عشر. والوقوف عند ظهور المسرح الحديث كان لإثبات أن المسرح العربي الحديث امتداد للمسرح العربي الوسيط، ليس مجرد تأثر بالمسرح الأوروبي الحديث، متابعاً في ذلك طريقته في النظر إلى المسرح العربي الوسيط، فقد بنى البطالمة والرومان والبيزنطيون المسارح وعرضوا مسرحياتهم، لكن المسرح العربي الوسيط لم يتأثر بهم، وليس امتداداً لهم.
ويلفت المؤلف إلى أن المسرح العربي الوسيط نشأته شعبية، وظل شعبياً حتى التحم بالمسرح الحديث. وهذا من سوء حظ المسرح، لأن المؤرخين والمدونين العرب يتعالون على كل ما هو شعبي، ويرفضون التأريخ له أو تدوين نصوصه. ويورد المؤلف سبباً لضياع نصوص المسرح بل وتاريخه، وهو تحريم الفقهاء والقساوسة والحاخامات التمثيل أو الفرجة على المسرح، ورأوا فيه مجوناً ومفسدة للأخلاق والهاء عن ممارسة شعائر الدين، ورغم ذلك وُجد المسرح وأوجد جمهوراً وممثلين هواة ومحترفين، لكنه عاش فقط في وجدان الناس، وكان على مؤلف الكتاب أن ينقب في المصادر المختلفة ليقدم لنا ما تناثر من أخبار ونصوص بمحض الصدفة، كي يشكل صورة لحضور هذا المسرح، ودوره في حياة الناس، وامتداده في المسرح الوسيط.

نثر قصصي

ثمة ملاحظة مهمة يكتبها العطار في تقديم الكتاب وهي أن المؤلف من دون قصد منه أرخ لأنواع النثر العربي القصصية بشكل لم يسبق أي باحث آخر أن فعله، لأنه قدم هذه الأنواع مرتبطة بأسلوب تلقيها وتلاوتها على الجمهور وارتباط ذلك بعناصر درامية. لم يغب داخل هذا التأريخ سوى رسالة حي بن يقظان، وبالتالي فالكتاب في هذا المجال فتح جليل، يقدم علماً جديداً لدارسي النثر العربي القديم، كاشفاً، بإبداع، عن تداخل الأنواع الأدبية والخلفية الدرامية لنصوصها تأليفا وتلقياً.
وشموئيل موريه كان يعرف باسمه العربي العراقي سامي إبراهيم معلم، أحد كبار أساتذة اللغة العربية اليهود الذين هجٌروا من العراق.
ولد في بغداد أواخر 1932 وعاش فيها حتى بلوغه الثامنة عشرة من عمره، حين هُجّر إلى إسرائيل عام 1951. درس العربية وآدابها في الجامعة العبرية في القدس ونال الدكتوراه في جامعة لندن في بريطانيا. عمل، بعد تقاعده، أستاذاً للغة العربية وآدابها في الجامعة العبرية، وشغل منصب رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في معهد الدراسات الآسيوية والإفريقية في الجامعة نفسها، وما زال يدرّس ويرشد طلاب الدكتوراه ويقوم بأبحاثه في الجامعة العبرية.
تشكل دراساته وأبحاثه مصادر أساسية في جامعات العالم، خصوصاً في ميدان الشعر العربي الحديث والمسرح العربي في القرون الوسطى والحديثة وأدب يهود البلاد العربية.

 

 

عبدالله أحمد

http://www.aljarida.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *