مسرحية ليلة إعدام.. بين إعلان الحقيقة وقبض الروح

 

من تأليف وإخراج سفيان عطية

تعد مسرحية Œليلة إعدام˜ للمؤلف والمخرج سفيان عطية الذي قدمها في قالب Œتراجيدي˜ يقارب نظرة Œستانسلافسكي˜، وتكشف المسرحية عن مأساة شاب قتل رجلا بريئا خطأ، انتقاما من الذي اغتصب حبيبته وقتلها في ليلة زفافها إليه، ليدخل السجن ويلتقي مع السجان وهو محكوم عليه بالإعدام، ومن الحوار الذي جرى بينهما في السجن ومن محاكاة الماضي تظهر الحقيقة التي تصعق لها النفوس.

يعد النص المسرحي المكتوب غير النص المسرحي الذي يمثل فوق ركح المسرح، لاعتبارات كثيرة أهمها الحدث والفعل اللذين يجسدان في طبيعة الشخصيات، ويقدما له روحا فوق الخشبة ليكمن التفاعل فيما بعد، وارتأت Œالمحور اليومي˜ الاطلاع على إحدى النصوص المسرحية التي قدمت مؤخرا بالمسرح الوطني Œمحي الدين باشطارزي˜ مسرحية Œليلة إعدام˜ من تأليف واخراج Œسفيان عطية˜ ضمن تعاونية Œكانفا المسرحية˜ وبمساهمة من صندوق تطوير الفنون وترقيتها.

لحظات قبل الإعدام

الاقتراب من النهاية شيء مريع ومخيف، الموت قضاء وقدر ومحنة يمر بها الإنسان مهما عمّر ومهما كانت منزلته الدنيوية والروحية، وحينها تدرك النهاية مرة لا تبقى له خيارات فكل الأوراق حينها قد لعبت وكل السبل التي سلكها تصبح بلا جدوى، في تلك اللحظات الأخيرة قد تمر بأخر تجربة دنيوية بحياتك باستثناء الموت، وأضاف المؤلف في رده عن العديد من الأسئلة قائلا: Œماذا لو أنك تفاجأت لأخر مرة؟ ماذا لو أنك اكتشفت بأن حياتك كان من الممكن أن تتخذ شكلا آخر لولا الحقائق التي ستكون آخر ما تسمع؟، ماذا لو فرض عليك أن تنتفض وتقاوم وتحاول التغيّر وأنت تعلم بأن الموت قريب جدا منك؟ ماذا لو اختلط الحابل بالنابل لحظة الموت؟، إن الموت يقهر كل شيء في هذه الدنيا، كل شيء حتى أغلى الأشياء التي نملكها تصبح حينها بلا فائدة˜.

اغتصب حبيبتي وقتلها ليلة زفافنا

Œحكمت المحكمة حضوريا على المتهم بالإعدام شنقا حتى الموت˜، هكذا بدأت المسرحية، شخصيتان يخيط أحداثها السجين والسجان بحكم عدم وجود غيرهم في النص المسرحي المكتوب، مع الإلماح إلى شخص مجهول والصوت الخارجي، إنه السجين الذي قتل رجلا بريئا عن غير قصد، بعدما تمادت يده للضغط على الزناد والرغبة في القتل مع الحقد والانتقام من قاتل حبيبته وزوجته التي اغتصبها وقتلها ليلة زفافها إليه، السجين Œينزوي في مكان لوحده˜: Œاغتصب حبيبتي ثم قتلها ليلة زفافنا… سلب مني فرحتي، أملي وداست كرامتي في ليلة واحدة˜، من هنا تبدأ مأساة الشاب في السجن الذي ينادي معتصمه لينقذهمن الإعدام ولينقذ العالم من كل الأوهام، نلمس الخطاب بين السجين والسجان في الحواريعتنقه الرمز Œالمعتصم˜ الذي هزم الروم في قعر دارهم، ورؤية فلسفية أقحمت في حوار بينهم تظهر في قوله: Œأي قوانين تؤمن بها أنت؟، هل تصفحت قبل هذا اليوم كتاب قانون؟، هل قرأت ورقة بها حكم على مسجون دخل السجن؟، كل ما تؤمن به أنت هو هذه الجدران والقضبان التي تبس فيها سجينا أتوا لك به من قاعات المحاكم أو من …˜، امتلأ خطاب بعضهما البعضبنوعمنالحقد والكره كمناداة السجين السجان بالعدو في كلامه Œالعلم وحده لا يكفي يا عدوي، فلإنسانضمير، مبادئ، أخلاق، تصورات، أحلام، وجهات نظر، تقاليد وأشياء أخرى كثيرة، إذا أختل واحد منها ضاع الباقي وأصبح بلا معنى˜.

الماضي إن مات يوما يظهر في آخر لحظات الحياة

مع اقتراب اللحظات الأخيرة للحياة، تتغير الألقاب ويصبح السجان أكثر شفقة على السجين في قوله: Œالأسماء لا تهم يا ولدي بقدر ما تهم النفوس˜، يتلطف الجو في ما بينهم ساعات قبل الإعدام، تنكشف الحقيقة انطلاقا من محاكاة الماضي ويتكلمون عن الماضي، السجان الذي ترك إبنه في محطة القطار من أجل مفاتن امرأة، والسجين الذي فقد في نفس المحطة وتيتم بعدها، تشاء الصدفة ويشاء القدر أن يلتقيا في زنزانة واحدة ومن بعد المسافات كثر الشوق بينهم يحتضنان بعضهم، لكن أنه المشهد الأخير حان الوقت، حانت ساعة الإعدام.
السجان: أرجوكم لا تأخذوه، عودوا به إلي وخذوني بدلا عنه.. لماذا لم أبحث عنه؟ لماذا صدقت خبر وفاته؟ لماذا استسلمت ورضيت؟
إنها النهاية، لا يفيد الندم ولا يفيد الرجوع لا شيء، إنها ساعة الموت ساعة الاحتضار في وجود الأب بعدما كان غائبا، تدرجنا المسرحية للحديث عن ما بين سطورها من تساهل مع الحياة ومن حزن وألم عن مأساة حياتنا فكلمات لو كان … لا تأخذوه… استسلمت، هي كلمات العجز أمام واقع لا يمكن أن تصور نهايته لولا الاحتكام للعقل وعدم مسايرة ملذات الحياة، قد نندم يوما عن خطئ يتبعنا طيلة حياتنا، يصبح عارا علينا أن نعيش بأخطائنا التي نسينها يوما لكن إلى ما سنتذكرها في أخر لحظة من حياتنا، ليلة إعدام مسرحية برؤية فلسفية تبعث منها رسائل تتمثل في محاسبة أنفسنا عن أخطائنا ولا داعي للغير أن يملي علينا أخطاء اقترفناها في صغرنا، لأن مفاد المسرحية تعود على أن الإنسان خطاء، لذا فلندع الله يحاسبنا على أعمالنا ولا داعي لأن نحاسب غيرنا. 

مقطع من نص مسرحية ليلة إعدام

السجين: أمن الممكن أن يسمع المعتصم ندائي ويأتي لينجد هذا العالم
السجان: كان طفلا جميلا في ربيعه الرابع، ملأ الدنيا علي، كنت أرى فيه الخير كل الخير
السجين: وإن حدث وأتى، فبأي شكل سيأتي؟
السجان: كان يوما مشؤوما، فلتت يده من يدي وغاب بين الناس … بينما كنت منشغلا بجمال امرأة فاتنة، ذكرتني بجمال أمه الراحلة
السجين: هل سيأتي حاملا سيفا؟ بندقية؟ أم يأتي فارغ اليدين؟
السجان: أفقت من دهشتي ورأيته وقد صار بعيدا عني يصرخ بين الناس … أبي … أبي
السجين: بأي لغة سيخاطب هذا العالم؟
السجان: أسرعت إليه ورأيته يمسك كتفه الأيمن والدم يسيل منه بشكل مخيف
السجين : (يمسك كتفه الأيمن) ها …ماذا ؟
السجان: فقدت صوابي ولم أعد أرى سوى ولدي، قطعت الطريق إليه لتصدمني شاحنة وأغيب عن وعيي، وبعدما أفقت كان كل شيء قد انتهى.
السجين: أين فقدت ولدك أيها السجان؟
السجان: وما الفائدة من إخبارك؟
السجين: قلت لك أين فقدته؟ أجبني
السجان: أمام محطة القطار
السجين: أي محطة؟ المحطات كثيرة
السجان: محطة القطار الرئيسية
السجين: ماذا؟ إذا أنت …
السجان: نعم … أنا رجل مهمل، تركت ولدي يفلت من يدي في لحظة كنت منشغلا فيها بملذات الدنيا
السجين: ألم أقل لك يا …؟ الناس كلهم نيام وكلهم قتلة
السجان: لا … أنا لم أقتل لم أقتل
السجين: يتمت ابنك وأنت على وجه الدنيا حي ترزق
السجان: ولدي مات … يا ليته تيتم
السجين: لماذا أخبرتني بكل هذا؟ ما كان لي أن أسمع منك
السجان: قد تغضبني من حين لآخر ولكني أرتاح إليك
السجين: بل قل تشفق علي
السجان: لا والله، أحببتك ففيك ملامحه، بل حتى وكأنك هو
السجين: حتى أنا كدت أحبك، ولكني كرهتك واحتقرتك
السجان: لا تظلمني لا…
السجين: ولدك قاتل يا …
السجان: لا تقل ذلك، ولدي مات
السجين: فقدت والداي وعمري يناهز الأربعة أعوام
السجان: وما دخل ذلك بولدي؟
السجين: وجدوني أمام محطة القطار الرئيسية
السجان: وما دخل ذلك بولدي؟
السجين: أخذوني إلى المستشفى مع رجل صدمته شاحنة، ثم إلى دار اليتامى
السجان: أنت تكذب، تكذب يا سجين…..
السجان: كفاك حقدا يا ولدي، وفكر بطريقة نبدأ بها حياتنا من جديد
السجين: بهذه السهولة؟
السجان: أو لم تقل بأن المعتصم سيأتي؟ لنناديه سويا، صوتي وصوتك اثنان سيسمعنا حتما
السجين: يضحك
السجان: لماذا تضحك؟ هيا أخرج، قف بجانبي وهيا ننادي
السجين: أتريدني أن أناديه معك؟
يقفان في صمت يحدقان في بعضهما البعض
السجان: كم اشتقت إليك
السجين: وأنا أيضا
 يحتضنان بعضهما البعض ثم يبتعد السجين عن أبيه
السجان: ما بك يا ولدي؟
السجين: أنسيت بأني سأعدم هذا الصباح؟
السجان: لا تخف … سننجو حتما، هيا بنا لا تضيع الوقت وناد المعتصم هيا
السجين: لم ولن تفهم شيئا، أنا قاتل …  القاتل يقتل … يقتل
يدخل الجلادون
السجان: لا … ليس الآن … ليس الآن
السجين: بل الآن، لم يعد لأي شيء معنى، ضاع كل شيء
السجان: لا تقل ذلك، سيأتي المعتصم وينقذك
السجين: ينقذني؟ ثم ماذا؟ لست أنا من يجب إنقاذه، لست أنا … والمعتصم وحده لا يكفي وإذا حدثت المعجزة وأتى، فسوف يستغيث هو بدوره… هذا الزمان يلزمه من هو أقوىوأعظم منه.

صارة بوعياد

http://www.elmihwar.com/

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *