الـــمــــسرح والمسـاعـدات الخيرية(3)

 

رابـــط/    
تـوقفنا عـند الظاهرة الأولى، والمثمتلة، في حضور الفرق الأجنبية، بكثافة لتقديم منتوجها الإبداعـي، في- مصر- باعتبارها آنذاك كانت ملتقى فني ومسرحي،وفضـاء اجتمعت فيه الأجناس والأقليات والأعـــراق، مـن كل الأنـحاء؛ بحكم المنظور السياسي و الاستراتيجي الذي نهجه الخديوي:الأب/الابن، لجعـــل الدولة حضارية وشبيهة إلى حـد ما بالغرب؛ الذي انبهر به الخديوي إسماعيل (آنذاك) وهــذا النزوح أو الحضورالفنـي، طبيعي جـدا، للتواصل والتفاعل بالجاليات ، علما :أن الخديوي قد أصبح مدينا بكيانه الرسمي إلى انجلترا وفرنسا، فهو حريص على ودهما موات لقنصليهما في مصر، والقنصلان في خصومة مع الوزارة الشريفـية ، فلا غـرو إن أبى الإصلاحات الدستورية الـتي رآها شريف باشا ، واضطـر ناظر النظار إلـــى الاستقالة، تولى الخديوي رياسة الحكومة بنفسه وألغى مجلس النظاروأعاد الرقابة الثنائية في 6 ديسمبر عام 1879 (1) وأبعد من هـذا فحضور الفرق الأجنبية – للمحروسة- نـوع مـن أنواع الترويج وتـرسيـخ الفكر النهضوي في النسيج الاجتماعي؛ مما يحيلنا إلى:
الظـاهـرة الثانية:
‏ يتبين في هاته الفـترة؛أن الاحتلال البريطاني؛ شجع و يشجع النشاط المسرحي ،ويطمئن إليه؛ إيمانا منه؛ 
بأنه قادر على السيطرة بحكم الظروف السياسية لأوضاع الشوام القائمين عليه.مما تصاعد مسار المسرح  
المصري إلى الأمام ،وأمسى يخترق حياة الأفراد ؛ فتحول إلى ظاهرة غير قابلة للانفصال في صلب تركيبة
المجـتمع؛ وبناء عليه: تـم تأسيس الفـرق المسرحية؛ وبصيغ هيكلية مخـتلفة ؛ تـوازيها أولصيقة بــــــهـا
تأسيس الجمعيات الخيرية؛ للعـديد من الجاليات معتمدة على المسرح؛كمدخل رئيسي لجمع التبرعات العينية بالتالي :نـجد صحيفة (الأهـرام) تشير بأن:الخياط ألف فرقة جـــديدة من بعــض الشوام والمصريين، سـنـة 1884 وكانت باكورة عملها تمثيل مسرحية (هارون الرشيد) على مسرح زيزينيا بالإسكندرية، وعــــــلى المسرح نفسه مثلت الفرقة مسرحية (الظلوم) وفي فبراير 1885 فتحت الفرقـة باب الاشتراك للجمهـــور في مشاهدة خــمس مسرحيات متتالية، هي: (مي) و(هوراس) و(شارلمان) و(الكذوب) و(الظلوم) و(الخل الوفى) ومن خلال هـذه العـروض تعـرفنا على بعـض أعضـاء فرقــة يوسف الخياط،[ الأرمنى] ومـنـهـم : الشيخ سلامة حجازي، وفتح الله الرباوي، ونجيب شكـيب،والشـيخ مصطفى عارف، والممثلة هـيلانة بيطار. وفى بداية عام 1886 كوّن الخياط فرقة مسرحية جديدة بالاشتراك مع (مراد رومانو) وعزمت على تمثيل عدة حفلات بمسرح زيزينيا بالإسكندرية، كان منها: (عايدة)و(أندروماك) و(شارلمان). ولمدة عامين بعد ذلك، واصلت الفرقة نشاطها المسرحي في أقاليم مصر، مثل: الزقازيق، والمنصورة، ودمــياط، وطـــنطا، ودمنهور، و كان آخر نشاط في مايو 1888 لفرقة يوسف الخياط،.وفي نفس السنة1884 ما نـشرتــه جريدة- الأهرام- عن قدوم أبي خليل القباني إلى مصر. فهي تقول(قدم إلى ثغرنا من القــطر السوري جوق 
من الممثلين للروايات العربية يدير أعماله حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني الدمشقي الكاتب المشهور والشاعر المفــلق.وقد التزم للعمل قهــــوة الدانـوب المعـروفة بقـهوة سليمان بك رحمي في جوار شادر البطيخ القديم . والجوق مؤلف من مهــرة المتفننين في ضروب التمثيل وأساليبه.وبينهم زمرة من المنشدين والمطربين تروق لسماعهم الآذان وتـنشرح الصدور.فـنحث أبناء الجنس العربي على أن يتقدموا إلى عضد المشروع؛ بما تعودوا من الغيرة (2) لكن المثير؛ بأن صحيفة الأهـرام:تشيد بأعمال( القباني)وتنشر أخباره؛ فمثلا: نشرت فى 25 نوفمبر سنة 1885 الخبر التالي”مثل أمــس فى تياترو حديقة الأزبكية جوقة الشــيخ أبوخليل القبانى رواية(مجنون ليلى)وفى اليوم التالى والليالي التالية قـدمــت مسرحيات (أنس الجليس/ عنترة /عبد السلام بن رغبان/ ولباب الغرام) يقابله ذم وقـدح ونقد لاذع من جريدة السفيروالزمان في أكثر من مقال؛ وفي نفس السنة والوقت22/12/1885 والأسباب تكمن في التـوجه والطائفية، إذا نظــرنا إلى
(الأهـرام)إن سياستها عثمانية مصرية تدافع عن مصالح فرنسا فـي مصر سواء كان اقتصادية أوسياسية ، ولكنها لا تهمل المصلحة المصرية وهـــــي تقر للحكومة الحسنة وتبين لها السوءة وهــي أكثر الصحف المسيحية عناية بمصالح الوطنيين[*] و( الزمان ) مـــن الصحف المعارضة للاحتلال ، وقد أنشئت بإيعاز من مختار باشا الغازي المعتمد السلطاني في مصر بعد تعطيل مرآة الشرق وكلتاهـما من الصحـف التـــي تربطها بتركيا وسياستها أقوى الروابط (3) ولقد انفصل- اسكندر فرح – عن فرقة ألقباني في منتصف 1888 وبـدأ يمارس التمثيل بفرقة صغيرة, ويـقحـم نفسه وفرقته؛ ضمن الأجواق المعروفة آنذاك؛ مقابل هـذا؛ ثـــم تأسيس جـوق (السرور)- لميخائيل جرجس- في منطقة البلد الجديدة بحي بولاق الشعبي بالقاهرة قبل عام 1887.أمـا فرقة (القرداحي) تكونت في 1882 بالإسكــندرية ومــثلت فــي مسرح زيزينيا عـــدة مسرحيات، منها(فرسان العرب) ثم توقـــف، وعادت في نهاية 1885 بتكوين جديد- بـعــد أن شــارك القـرداحي المطرب- مراد رومانو- في تكوينها- وبــدأت تمثــل موسماً حافــلاً بمسرح [ البوليتياما ] بالإسكندرية. ومن عروض هذا الموسم مسرحيات: زنوبيا/أستير/هارون الرشيد/ يوسف/ وهـــذه الأخيرة كتبت عنها جريدة (الأهرام) يوم 14/1/1886 قائلة: “شخص جـوق قرداحي أفندي ورومانو أفنــدي مساء أمـس رواية (يوسف) فأجاد جــميع المشخصـــين وأحسنــوا الإشارة والإلقاء وخــصوصاً يعــقوب وأولاده وامرأة العزيـز.
وفي هـذا الـعـقـد، تـعـددت الأجواق والفــرق المسرحية؛ بشكل مـكثف، حتى أن موظفي السكك الحديدية؛ 
أنشؤوا فرقة- المعارف المسرحية – ومثلت(تأثير العشق على الملكة بلقيس ) إعانة منها لمدرسة النجاح التوفيقية و10/11/1887، وقبل تحــديد الجمعيات الخيرية ومدى علائقها بالمسرح وبالأجواق؛ فمـــن 
الأمور الرسمية لدرجة الإعــلان عنه فى الجريــدة الرسمية(4) تتجلى فى الاحتفالات الرسمية :تخصيص 
(حديقة الأزبكية) للمناسبات الكبرى، كالاحتفالات بعيد الملكة ( فيكتوريا الكساندريا ) مـن قـبل الجالــية
الانجليزية فى مصر فى يونية 1887 وهـذا التاريخ؛ متزامن بالاحتفاء بيوبيلها الذهـــبي  ……..
وارتباطا بالمبحث الذي بين أيدينا؛ فلقد عمل الشوام على بناء مؤسسات خيرية متعددة، في مصر,وعملت 
هاته المؤسسات على تقــديم خدماتها، لأبناء المهاجرين الشوام والمصريين على السواء، من حيث دعـم المهاجرين الجـدد والفقراء منهم، وتقديم المساعدات المالية والعينية لهم، وتوفير فرص التعليم المجاني في المدارس التابعة لها، وكذلك تقديم مساعدات وخدمات خيرية، لفقراء المجتمع العربي(5) بحيث نجـد فــــــي 
أغلب المحافظات والأماكن، العديد من المؤسسات الفاعلة في هذا المجال، و يصعب حصرها لسبب الامتداد التاريخي، وتفاعله بمعطيات الهجرة والتحولات الاجتماعية آنذاك، بحيث في كل فترة تنضاف مؤسسة اوثلاث، بعضها يكون موثقا ومثبوتا،وبعضها إما أهمل لأسباب عرقية وطائفية،أو سياسية أوأتلفت وضاعت إثرعوامل مادية أو طبيعية(الاحتراق/الفيضانات)علما أن الصحف كانت، ولازالت تواكب أغلب الأحداث والمستجدات: في
كل موضوع اتصل بالسياسة أو الأدب أو الاجتماع. وقد كان التحدث في أمور الاجتماع شيئا جديدا لا على 
مصر وحدها بل على الشرق العربي كله ، وكان في طليعة من عالج هذه الموضوعات الدقيقة الدكتور شبلي شميل ، وله في الأهرام وغير الأهرام مقالات جديرة بالنظر قمينة بالتقدير والإعجاب . وقد حـيت الجمعيات الخيرية المختلفة إسلامية وقبطية وساعدت بدعايتها على تقدمها(6). 
يـــتـــــبـــع
aboojihanee@gmail.com                       

الإحــــالات
1/ تطور الصحافة المصرية 1798 – 1981- لإبراهيم عبده-: مؤسسة سجل العرب ط4 ص100:
2/المسرحية في الأدب العربي الحديث تأليف الدكتور محمد يوسف نــجــم ص 115
3    / تطور الصحافة المصرية 1798 – 1981- [*] ص135 وألغيت جريدة الزمان بقرار من مجلس  
النظار في 29 يوليه عام 1886 وأنــذرت الصادق بقرار من وزارة الداخلية في 25 سبتمبر؛ لأنها 
نشرت مقالة تضمنت كثيرا مما يشوش الأفكار ويخدش الأذهان (ص139)
4/ الوقــائـع المصـرية ( جريدة رسمية) بــتاريـخ10/10/1887
5/السوريون في مصر/ لبولس قرألي ج2/1928 المطبعة السورية  ص 184
6/ تطور الصحافة المصرية 1798 – 1981  ص126

 

 

نـجـيـب طـلال

http://pulpit.alwatanvoice.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *