لحظة وفاء تجاه المرأة الجزائرية المناضلة

نقاش متباين وغني بتصورات متعددة. العرض الذي قدمته الفرقة ضمن المسابقة الرسمية لفعاليات الدورة السادسة لمهرجان المسرح العربي والذي نظمته الهيئة العربية للمسرح بالشارقة من 10 الى 16 كانون الثاني/ يناير 2014 وانتهى بتتويج العرض المسرحي التونسي

“ريتشارد الثالث”، من تأليف نجاة طيبوني وإخراج المسرحية صونيا، يفتح لنا باب زنزانة “سركاجي” في أواخر 1961، لنعيش مع خمس شخصيات نسائية قضية وطن في لحظة أرادها العرض المسرحي أن يعبر عن ذاكرتهن وآلامهن وعظمتهن. 
في مسرحية “الجميلات” تعيد الفنانة الجزائرية “صونيا” الاعتبار للمرأة الجزائرية ونضالها التاريخي، إذ لم تعد صورة “المناضلة جميلة بوحيرد” هي المفرد لهذا التاريخ بقدر ما حاولت المخرجة بتواطؤ جمالي مع المؤلفة نجاة طيبوني التذكير بأن هناك “جميلات” عرفهم تاريخ النضال الجزائري ضد المستعمر الفرنسي. 
قدم العرض المسرحي قصة خمس معتقلات ظللن يقاومن أصفاد الاعتقال، تحدوهن الرغبة لرؤية شمس الحرية تنعم على الوطن. في لحظات الانتظار القاسية تعدن نسج حكاياهن وأسرارهن وتفاصيلهن الصغيرة، وهي التفاصيل التي تلتئم جميعها في نسج حلم الوطن المحرر من أغلال المستعمر الغاشم. وهن مكللات بالسواد رهينات لسياج السجن وزنزناته، حاولت المخرجة صونيا الحفاظ على تسييج حركة الممثلات ضمن إطار ضيق يعبر فعليا على لحظة الآسر. 
الناقد علا الجابر، والذي قدم الورقة النقدية حول العرض المسرحي الجزائري، اعتبر أن ثمة أمرين لا يحتملان المشاكسة هنا الدين والوطن. وفي مسرحية الجميلات كنا أمام عرض اعتمد على العمل الجماعي وقام على أكتاف الممثلات واللواتي ملئن الخشبة. ورغم أن العنوان يحيلنا على إيهام محدد، فإن أول إشكالية يرى الناقد علا الجابر تنبع على السطح، هو أن المرء لا يعرض الصورة الأخرى أي قلب الصراع الدرامي. مسرحية الجميلات ارتهنت بلحظة أساسية وبمناسبة خاصة (في إحالة للاحتفاء بالذكرى الخمسينية لاستقلال الجزائر) فغن البقاء على التوثيق طرح إشكالية على مستوى خلق صراع درامي.
حاول العرض أن يصور نضال نساء، في ظل تصور إخراجي بقي رهين رؤية النص الدرامي. فجل الكتابات الإبداعية التي استدعت الفضاء السجني حاولت الانتباه الى الأشياء الصغيرة لا النضال السياسي. وأكد الناقد علا الجابر أنه كان يأمل أن لا يسيطر النص على المخرجة، كما نبه الى أن الاكسسوار الوحيد الوظيفي هما القضبان، والحال أنه كان بالإمكان تنويع هذا البعد بل حتى الحوارية والسرد ظلت خطية وهو ما أثقل العرض المسرحي. وزاد المشهد الأخير بمنحاه الأوبريتي في التنبيه الى غياب البعد الدرامي داخل العرض المسرحي. 
إن خصوصية ورمزية توظيف موضوع المرأة المناضلة والتي عانت القهر وانتفضت ضد الطغيان، بموازاة حضور للحظة الثورة والانكسار في نفس الآن، جعلت من مسرحية الجميلات للفنانة صونيا لحظة مفعمة بأبعاد إنسانية في قدرتها على إعادة الاعتبار للذاكرة. وفي مسرحة الذاكرة قوة للعمل المسرحي خصوصا عندما استطعن ممثلات أن يعبرن عن كتلة متجانسة. هذه الكتلة ظلت هي الخلفية الدراماتورجية الرئيسية للعرض المسرحي الجزائري، في قدرة الشخصيات أن يتوحدن في تجانس جسدي لإيصال رسالة جمالية قوية: المناضلات هن الوطن، هن الجزائر. وحين عادت المؤلفة نجاة طيبوني للجزئيات الدقيقة التي تحكمت في كتابة النص الدرامي، مشيرة الى أن الكثير من الأشياء في تاريخ الجزائر نجهلها. فالنص ينبني على أحداث اجتهدت المؤلفة في البحث عنها وضمنها شهادات لمناضلات. ولذلك تعتبر الفنانة طيبوني أن مسرحية “الجميلات” هي من أصعب التجارب الدرامية التي كتبتها وجاءت وفاء وعرفانا بعطاءات نساء قدمت الكثير من التضحيات والدماء من أجل التحرير. خمس شخصيات البطلات هن متشبهات، ومن هنا تنبع فكرة النص الأساسية فجميعهن لا يخرجن عن شخصية واحدة قد تكون استعارة للوطن/ الجزائر. لذلك فاللواتي يتحدثن لسن نساء، بقدر ما هن الوطن بصوته. ومقولة الجميلات لا تتناقض مع مضمون المسرحية بحكم أنهن جميلات الروح بنضالهن المستميت.
الفنانة صونيا، مخرجة العرض المسرحي “الجميلات” اكتفت دائما بالإشارة الى أن المسرحية أخرجتها بكثير من الصدق الفني والفخر تكريما ووفاء للنساء الجزائريات. العرض لا يوثق ولا يقدم تاريخا بقدر ما هو لحظة وفاء اتجاههن. وقد استطاعت الممثلات ليندة سلام، لعريني ليديا، هواري رجاء، منى بن سلطان، وحنيفي آمال أن يجسدن بحق في تمازج فني خلاق صرخة نساء مقاومات اخترن الوطن والحياة. كما استطاعت الفنانة المسرحية صونيا أن تواصل مسيرتها الفنية بإيمان عميق باختياراتها الفنية والجمالية.

 

 

 

الجزائر ـ عبدالحق ميغراني

http://www.almustaqbal.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *