“تخريف ثنائي” طرح جديد لمسرحية يونسكو يعالج الراهن العربي

بشخصيتين رئيسيتين لا يحملان أي اسم، وديكور بسيط قدمت المخرجة نور غانم مساء أمس الأول على مسرح معهد الفنون المسرحية في الشارقة، عرضها “تخريف ثنائي” الذي تعيد فيه إخراج نص المؤلف المسرحي الفرنسي يوجين يونسكو، بمعالجات راهنة تطرح واقع بعض البلدان العربية وما تعيشه من حالات اقتتال وحرب .
اشتغلت الغانم في المسرحية التي تنتمي إلى مسرح العبث، على جزئيات عديدة أضفت على العرض متعة بصرية عالية، أولها الإيقاع الحركي للممثلين الذي خلق حالة مشهدية توازي الإيقاعات السمعية في العرض، حيث قدم الممثلان ما يشبه الأداء الراقص في مواضع من العرض، ما أضفى متعة على الجمهور وأوجد حالة مرحة وسط فكرة القتل والنزاع التي يمضي العرض في سرد وقائعها .
من جانب آخر وظفت المخرجة قدرة الإضاءة لخلق مستويات مكانية على الخشبة، فمرة يظهر الممثلان في حالة انفصال مكاني من خلال الكشف عنهما بمصدري ضوء، ومرة يحضران في بقعة ضوء واحدة، يدخلان فيها، ويخرجان منها، ويظل أحدهما فيها، ليس ذلك وحسب، بل استفادت من الضوء في توظيفه زمنياً، فالزمن حضر في العرض بوصفه ضوءاً، مرة يمضي أفقياً، ومرة عمودياً، في دلالة على سير الأحداث .
وإذا كان العرض ينتمي في صلبه إلى العبث، أي لا يقدم حكاية واحدة يجري الحدث فيها من بداية إلى ذروة إلى نهاية، فإنه يشتغل على سلسة حكايات في أذهان الجمهور، فحكاية الزوجين في بيت واحد يعيشان فيه بحالة نزاع وخلاف دائم، هي حكاية تشترك مع الكثيرين من الجمهور وتقدم لهم أنفسهم مسرحياً .
وذلك ينطبق على حالة الاقتتال الجاري خارج الغرفة، والذي تعيشه بلدان عربية عدة اليوم، وإن لم تكن تعيشه فقد عاشته أو مرت بتجربة مماثلة له، فصوت رصاص البنادق والقنابل، كان كافياً ليفتح أذهان الجمهور على فكرة الحرب التي يعيشها الزوجان، والتي لا يظهر منها أي آثار عنف أو خراب على الخشبة بل تجري خارج البيت .
وتنكشف الحالة العبثية للعرض الذي ينتمي إلى الديودراما – العرض القائم على شخصيتين – من خلال مشاهد خصام الزوجين حيناً وتآلفهما، حيناً، فبعد حالة من الرقص والرومانسية ينقلب المشهد إلى شجار ليعود من جديد إلى الرومانسية، وفي الوقت نفسه لا يسرد العرض حكاية واحدة مبنية على حدث له ذروته ونهايته .
وفي مساحة موازية يفتح بناء النص والحوار في متن العرض، دلالات رمزية، تطرح على الجمهور أسئلة فلسفية تكشف في إجابتها أسباب الوحشية والقتل الجاري في العالم، فحين يختلف الزوجان على أن السلحفاة والقوقعة كائن واحد، يشيران إلى أن أبناء الجنس الواحد لا يقتلون بعضهم بعضاً، وتصرخ الزوجة: “الذئاب لأنها من جنس واحد لا يأكل بعضها بعضاً” في إشارة إلى حالة القتل الذي يعيشها الجنس البشري .
تدور أحداث العرض في غرفة يعيش فيها زوجان منذ ستة عشرة عاماً، لم ينجبا أطفالاً، ويختصمان طوال الوقت ولا توجد نقاط تفاهم بينهما، وفي كل مرة يجدان فيها مساحة يمكنهما التفاهم فيها، يتدخل صوت الرصاص ليرعبهما ويعيد إليهما حالة الخصام المتواصلة .
يقول بطل العرض الممثل كاميران كنجو إن العرض مثل إضافة كبيرة إلى تجربته المسرحية، وأوجد في طرحه حالة من إعادة تقديم الواقع الذي نعيشه اليوم، فالعرض لا يمكن حصره في مكان وزمان معينين، ويمثل معالجة لفكرة القتل والنزاع والحرب أينما كانت، وهذه هي العبقرية في نص يونسكو، مشيراً إلى أن المخرجة نور غانم استطاعت أن تقدم العرض من خلال مدة زمنية قصيرة مكثفة كشفت فيها عن قدراتها الإخراجية.

 

الشارقة محمد أبو عرب:

http://www.alkhaleej.ae/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *