الحلقة الأضعف فرجويا.. المسرح الإماراتي بانتظار المنقذ

يعيش المسرح الإماراتي اليوم ظروفا تشبه تلك التي يعيشها المسرح العربي من المحيط إلى الخليج، حيث أنه دائما هو الحلقة الأضعف من ناحية الفرجة الجماهيرية، مقارنة ببقية الفنون الثقافية من سينما ودراما تلفزيونية وفن تشكيلي، بغض النظر عن الكمية والنوعية. فهل نستطيع القول أن المسرح الإماراتي مظلوم؟ وإذا كان مظلوما فعلا، فمن الظالم وكيف نستطيع أن نرفع عنه الظلم؟

قبل أي شيء، لا يمكننا قراءة واقع المسرح في الإمارات دون فهمنا وقراءتنا لما يحيط به من حياة اجتماعية واقتصادية تلعب دورها في تشكيله وتحويره، وأحيانا في وجوده أو عدم وجوده. ومن الطبيعي أن قيام دولة الاتحاد عام 1972 أبرز صورة واضحة للمسرح الإماراتي وقدّمه إلى الآخر المتلقي بطريقة أقوى وأكثر نضجا واكتمالا من كل المحاولات التي كانت تحدث قبل هذا التاريخ. ما يعني أن التطوّر الحضاري واتخاذ كل إمارة شكل وهيئة وطابع المدينة الحقيقية، عزز مفهوم فن المسرح وأثمرت نتائجه عن نضوج تجارب لكتاب مسرحيين وفرق مسرحية، كان رصد الواقع الجديد مهمتهم الأساسية أثناء شغلهم في المسرح.

طفرة نوعية

إن الحكومة الإماراتية، ومع أنها تحاول توطيد أركان فن المسرح، إلا أنه يبقى رهين الحركة الاجتماعية ببيئتها ومعطياتها الحالية. ويجب أن نؤكد على أن تأسيس جمعية المسرحيين عام 1994 قدّم فوائده الملحوظة، إذ حلّت الجمعية مكان النقابة وجمعت بنشاطاتها المسرحيين الإماراتيين وغير الإماراتيين في محاولة لتطوير المسرح على صعيد النص والعرض وجعله ينهض بما يتناسب مع الواقع المعيش.

وتهدف جمعية المسرحيين إلى تنمية وتطوير المواهب المسرحية بين العاملين في مجال المسرح وإعداد جيل ملمّ بالآداب والثقافة والفنون المسرحية، وكذلك نقل التجارب المسرحية المحلية إلى خارج الدولة وتحقيق انتشارها بالتنسيق مع الجهات المعنية بالدولة، وكذلك من مهام الجمعية الدفاع عن حقوق الأعضاء ومصالحهم الأدبية والمادية وتقديم المساعدة والعون للفرق المسرحية العاملة بالدولة حسب الإمكانيات المتاحة. وإعداد النشرات والدوريات والكتب التي تساهم في نشر الثقافة المسرحية وتمثيل المسرحيين والتحدث باسمهم داخل الدولة وخارجها. إلى جانب الجمعية، أسهمت المهرجانات المسرحية الإماراتية التي أصبحت علامة فارقة في الحياة المسرحية العربية والعالمية، من مهرجان الشارقة للمسرح، ومهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما. كذلك تحاول الهيئة العربية للمسرح في مقرّها بالشارقة، تعزيز الفن المسرحي بين الأجيال العربية، وغرس هذا الفن لدى الإماراتيين منهم على وجه الخصوص.

وإننا وإذ نتكلم عن المسرح الإماراتي، نذكر الكثير من الأسماء الأدبية الإماراتية اللامعة على الساحة الخليجية والعربية والتي استطاعت من خلال نصوصها وعروضها، تشريح المجتمع وفق المعيش وآلياته القديمة والجديدة، بما في ذلك من تشريح طبقي وخليط ثقافي، متنبئين بالمجتمع الحديث ومحللين لبنيته العائلية والمؤسساتية. ومن بين الأسماء نذكر الكاتب المسرحي جمال مطر، والكاتب والمخرج المسرحي صالح كرامة العامري.

لكن قيمة تلك الأسماء يجب ألا تمنعنا من الاعتراف بوجود ندرة واضحة في عملية التأليف المسرحي أولا وتليها العملية الإخراجية ثانيا.

مسرح وتكنولوجيا

مع مرور الوقت، ومع مضي الإمارات بمؤسساتها وأفرادها نحو المزيد والمزيد من الخدمات التقنية والتطور التكنولوجي، حتى أصبحت من أكثر بلدان العالم تفوقا في هذا المجال، كان لا بدّ من أن يتراجع المسرح إلى الخلف، فاتحا المجال أمام تلك الفنون التي تحتمل التطوير التقني، لتكون في مقدمة الحياة الثقافية في البلد. ومن هذه النقطة نبدأ بالبحث عن المقومات الحالية للفن الفقير، وكيف يمكن أن يستعيد رونقه ويجدد أنفاسه، في ظل كل ما حدث وما يحدث؟

إن من أهمّ إشكاليات المسرح الإماراتي هو غياب الجمهور عنه، الشيء الذي يتحمّل جزءا كبيرا منه المسرحي بحدّ ذاته. وصار من البديهي بالنسبة لنا توجه جيل الناشئة نحو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة في الفن، حتى أصبحنا نواجه فنونا جديدة في نوعها وشكلها. أيضا ثمّة سؤال نطرحه يجسّد ما نراه اليوم وهو: لماذا نذهب لحضور المسرح كفن حتى يوفر لنا المتعة والفائدة، إذا ما كنا قادرين على إحضار فن آخر وبهيئة وشكل أكثر حيوية إلى منازلنا ونحن جالسون وراء شاشاتنا الصغيرة جدا؟

ويرى الفنان الإماراتي حبيب غلوم العطار، أن المقاربة بين السينما والمسرح والفنون التشكيلية والدراما التلفزيونية صعبة للغاية، لأن المسرح وفي كل أنحاء العالم وليس في الإمارات فقط، يتأثر دائما بالطفرة المرئية من سينما وتلفزيون ووسائل اتصال حديثة كالآيباد والموبايل. إذ يستطيع المبدع التقني في واقعنا المعاصر تحويل الصورة وإيصالها للمتلقي بأفضل وأدق الطرق تقنية، الشيء الذي أثر على المسرح بشكل سلبي في كل مكان.

التطور التكنولوجي المعيش أدى إلى تراجع الفن المتقشف لصالح فنون الشاشة والتقنية، والعلاج يكمن في الداء نفسه

ويقول: “أختلف في الحديث حول تطوّر السينما الإماراتية بمقارنتها مع المسرح، فهي وبكل مسيرتها الفنية والإبداعية لا تضاهي هذا الأخير على صعيد النص والعرض وتحقيق الجوائز، على المستويين الخليجي والعربي. حيث يتلقى المسرح في الإمارات دعما مباشرا من الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة. والأمر أن السينما بشكل عام، فيها من التقنية العالية ما هو ليس متوافرا في المسرح. فعلى المستوى العالمي أصبح يعتمد على التقنيات العالية لجذب المشاهدين، مثلا صاروا يلجؤون إلى ما يسمى بالمسرح الغنائي والموسيقي”.

يحاول العطار أن يعطينا حلولا لأزمة المسرح الإماراتي التي جعلته يعيش مرحلة من التدهور، ويقول: “بداية يجب إدراك أن المسرح هو فن مظلوم اليوم في كل أنحاء العالم، وتراه يعيش حالة من التدهور والانعكاس، حيث يرى الإنسان الحالي مسرحنا فقيرا أمام التقنيات المذهلة. وبدلا من الوقوف في وجه المدّ التقني، لماذا لا نمشي معه ونأتي به إلى المسرح تماما مثل المسرح الصيني المعاصر؟ الجمهور يحب وسائل العرض الحديثة ويمكننا أن نجذبه إلى المسرح من خلالها، ويبقى الرهان الوحيد على التمويل والدعم، إذ أن استخدام التقنية في فن المسرح تكلفته عالية”.

تطور الحوار

يتحدث الكاتب والمخرج المسرحي والسينمائي صالح كرامة العامري عن واقع المسرح الإماراتي اليوم ومتطلباته الجديدة، فيقول إن المجتمع الإماراتي من أكثر المجتمعات العربية والعالمية تطورا في تنقلاته بل الأكثر نموا.. انظروا إلى الشارع الآن ستبصرون مجموعة من الجنسيات المتعارف عليها وغير المتعارف عليها، وأنا في أبوظبي مدينتي التي نشأت فيها وعشت طفولتي في أزقتها القديمة، أسأل: أين هي أزقتها اليوم؟ لم تعد كما كانت فقد حلت بدلا منها العمارات الشاهقة، لذا فإن الحوارات المسرحية التي ستدور وسط هذا الازدحام الثقافي والعمراني، ليست كالحوارات التي دارت في السبعينات والستينات، حيث على الكاتب أن يرصد هذه التحوّلات والتحوّلات الثقافية والمجتمعية.

وقد سبق ونوّه العامري إلى أن النص الإماراتي هو وليد الدراما سواء كانت مأساوية أم كوميدية سوداوية، وأنا أعوّل على عدد من الكتاب الإمارتيين الذين لهم بصمتهم في الساحة. ويجب التركيز على أن الكتابة المسرحية هي نتاج فكر في المقام الأول والأخير ونتاج ثقافة شخصية أو معنوية.

وعند سؤالنا له بأن المسرح الإماراتي مظلوم، أجاب: “لا ليس بهذا الشكل المتعارف عليه والتقليدي، المسرح لم يجد له من يقدّمه بشكل ملامس للناس ولا أقصد المسرح التجاري الممجوج، ما أقصده هو المسرح الملامس لحياة الناس لكل آهاتهم وأوجاعهم، هو المسرح الذي أنا شغوف به دوما”.


http://www.alarabonline.org/


 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *