أيام قرطاج المسرحية نجحت رغم الهفوات الكثيرة

انتهت أيام قرطاج المسرحية والسينمائية، فأشاد بها جميع من شارك فيها، على الرغم مما سادها من هفوات على صعيد التنظيم.

تونس: أسدل الستار على أيام قرطاج المسرحية في دورتها السادسة عشرة، التي شارك فيها 39 عملًا مسرحيًا، منها 20 مسرحية للكهول و 4 مسرحيات للهواة و 8 عروض مسرحية للأطفال، إلى جانب عرضين محترفين في الرقص و5 أعمال في المسرح المخبر.

وتباينت الآراء حول تقييم هذه العروض، فآعتبر البعض مجرد تنظيمها كسبَا جديدا للمسرح التونسي في ظل إلغاء مهرجانات أخرى، ورأى مسرحيون أن العروض المسرحية جاءت ضعيفة على مستوى النصوص بينما أشار عديد النقاد إلى أن المهرجان حقق نجاحًا على الرغم من بعض الهنات في التنظيم والإختيارات.

وتضمن البرنامج 14 عرضًا مسرحيًا عربيًا من فلسطين والكويت والسعودية والأردن والجزائر وليبيا والمغرب وعُمان وسوريا ومصر واليمن، إلى جانب عروض أفريقية من الكونغو وغينيا والنيجر، وعروضا أوروبية من ايطاليا و فرنسا وإسبانيا وسويسرا وروسيا وبلجيكا.

نوافذ في العتمة

أكد الدكتور مهدي مبروك، وزير الثقافة، أن التقييم يكون بمشاركة كل المساهمين و المنظمين، معتقدًا أنها دورة استثنائية في ظرف استثنائي، حققت جل الأهداف التي تم التخطيط لها، في ظل السياق الأمني و السياسي الذي تعيش على وقعهما تونس، مشددًا على العدد الإستثنائي للجمهور الذي واكب هذه الأيام المسرحية في دورتها السادسة عشرة، “ما يؤكد التفاف الفنانين والمسرحيين حول المسرح الذي يرنو إلى الحياة، ومتابعة جمهور غفير لكل العروض المسرحية تقريبًا، ما يعد تمسكًا بالحياة”.

وأشار وزير الثقافة إلى مواكبة أصناف من المشاهدين من جهات عديدة في تونس في القيروان وباجة وقابس ومدنين وقفصة والكاف، وهو إجراء جديد يزيد في إشعاع المسرح من خلال القرب والدفء منحه للمثقفين ومحبي المسرح في أغلب جهات البلاد.

وأقرّ الوزير بوجود خلل في كل عمل بشري، “وبالتالي من الطبيعي وتونس تعيش سياقًا غير عادي أن تبرز بعض الهنات والنواقص التي يجب الإستعداد لتجاوزها، ظرفيًا أو هيكليًا استراتيجيًا”، مؤكدًا إلى أنه لم يتدخل أبدا في اختيارات الهيئة المنظمة للمهرجان.

أوضح وزير الثقافة أن أيام قرطاج المسرحية والسينمائية وبقية التظاهرات تمثل نوافذ تفتحها الثقافة التونسية تأثرًا و تأثيرًا، “وقد أثرت أيام قرطاج المسرح العربي لأنها تعكس حالة متفردة وريادية، وتونس تحتاج مثل هذا الإنفتاح الآن، لأنها تعيش سياقًا فيه الكثير من العتمة، وفي ذلك أكثر من رسالة بعيدًا عن الرسائل التقنية و الفنية، فتونس تمثل ورشة للتجريب المسرحي المتواصل بل هي علامة مضيئة برغم العتمة التي يتم تسويقها، والصورة التي تروّج عن تونس والتي فيها الكثير من الصحة، وفيها كذلك الكثير من الخطأ”، مؤكدًا أن الرأسمال الوحيد لتونس هو الثقافة.

التجذّر في العصر

تحدث الدكتور وحيد السعفي، مدير الدورة السادسة عشرة لأيام قرطاج المسرحية، قائلًا: “شِعارُنا في هَذه الدورةَ أن نتجذّرَ في العصر ، ولا تجذّرَ في العصر إلاّ في ظلّ الإبداع والخلق الجميل والسعي إلى التألّق، ولا تجذّرَ في العصر إلاّ في ظلّ البحث والمحاكاة وإتيان التجارب الأفضل، ولا تجذّرَ في العصر إلاّ في ظلّ التحوّل والتقدّم والانفتاح.

أمّا الثباتُ فجمودٌ، وأمّا العودةُ إلى الماضي المجيد فشدّ إلى وراء، وأمّا اجترارُ المقولة فداءٌ خانقٌ، وهلاكُ الحضاراتِ في جمودِها والثباتِ واجترارِ المقولات. ولا تجذّرَ في العصر إلاّ في ظِلّ حُرّيةِ الإبداع والخلق، وحُرّيةُ الإبداع والخلق لا حدَّ لها ولا رقيبَ عليها. فإنْ كان لها حدٌّ انتفتْ، وإنْ كان عليها رقيبٌ بَطُلتْ.”

أضاف: ” لقد فتحنا الدورة أمام التجارب، كانت تحاول التعبيرَ وفق أشكال العصر وفنّياته، والنطقَ باسم أهل العصر وطرح مشاغلهم، وكان هاجسُنا الفنّ ليسَ غيرُه”.

وقال السعفي إنه تم إختيار عرض “تسونامي” لفاضل الجعايبي في الإفتتاح، ومسرحية “نواة الملح” لمركز الفنون الرمحية والدرامية بقفصة للإختتام. ومسرحية “تسونامي” تطرح أسئلة حائرة بصيغة مباشرة، مثل: هل يكتمل حلم الثورة وتتحقق الأحلام والإنتظارات أم ستسرق من صانعيها بين الجدران المغلقة ؟ هل ستحرق في فرن السياسة؟. أما مسرحية “نوارة الملح” فحكاية تطل علينا من زمن الخرافة.

وأشار السعفي إلى أن أيام قرطاج المسرحية اتجهت إلى أن تكون سوقا للمسرح، يأتيها المبرمجون من العالم كله لأخذ العروض التونسية و العربية والأفريقية .

أزمة ثقافية

أكد المسرحي سامر اسماعيل أن الأزمة في كل بلد عربي ثقافية في العمق، وبالتالي ضرورة المسرح تأتي من أنه يؤسس لقيم المدينة، وقد كان المسرح السوري حاضرًا في تونس في مسرحية “ليلي داخلي”.

وأوضح اسماعيل أن الدورة الحالية متميزة على مستويات عدة، ومنها خيار الهيئة المنظمة على أن تكون العروض المسرحية حاضرة في المدن الداخلية، حيث تم تقديم “ليلي داخلي” في محافظة مدنين، مبرزًا تفاجؤه بالجمهور الغفير الذي تابع العرض، والنقاش الذي أعقب العرض، وكان عميقًا في تناول خفايا المسرحية، مشددًا على أن المسرح يريد أن يخرج إلى الأضواء ليكون قريبًا من الجمهور المتعطش إلى المسرح الذي يعبر عن رأيه من خلال بحثه المستمر عن الأسئلة الحائرة المهمة وجودية وانسانية وفنية، وما على الأجوبة إلا أن تكون ذكية، “كما أن الجمهور العربي في إطار هذا الحراك العربي المتألق يستحق أن نقدم له فنًا راقيًا لترتفع ذائقته الفنية”.

وأخرج السوري اسماعيل مسرحية “ليلي داخلي” عن نص “خطبة لاذعة لرجل جالس” لغابريال قارسيا ماركيز، وتمثيل لروبين عيسى وبسام بدر.

وعبّر المخرج المسرحي الجزائري لطفي السبع عن فرحته بالصدى الإيجابي الذي لقيته مسرحيته، “افتراض ما حدث فعلًا” للكاتب العراقي عبد النبي الزيدي، لدى الجمهور التونسي مؤكدًا غنى المسرح الجزائري من خلال تنوعه وثرائه الذي يجد صداه في سبع مهرجانات جزائرية تختص بالمسرح في الجزائر العاصمة وبجاية وعنابة وغيرها.

ريادة المسرح التونسي

عبّر الدكتور نوفل أبو رغيف، مدير عام إدارة المسرح والسينما في العراق، عن ابتهاجه بمدى الإصرار الذي يميز المسرح العربي، ممثلًا في المسرح التونسي، على نشر المسرح و المحافظة على هذه التظاهرات المسرحية الرائدة، مبينًا أن تونس شاركت في مهرجان بغداد الدولي للمسرح منذ أسابيع، وحصدت الأعمال التونسية جوائز هامة في المهرجان.

وأشار إلى المكانة المتميزة التي يحتلها المسرح التونسي، مؤكدًا التعرف إلى العديد من الزوايا الهامة التي كانت خافية عن المشهد المسرحي العراقي مع الحرص على المزيد من التواصل لأجل إضاءة المزيد من المناطق التي لم تصل إلى بغداد إلى حد اللحظة. وأكد أبو رغيف انتصار الثقافة التونسية في هذا الظرف الملتبس، مبينًا وجود مشتركات في الثقافة العراقية والتونسية، ومعتبرًا أن تنظيم تونس لهذه الأيام المسرحية في هذا الظرف السياسي علامة إيجابية ومهمّة.

وأشار إلى أن المسرح التونسي يقترب من الحداثة أكثر من المسرح العراقي، ومسرحية “باسبورت” العراقية تعتبر حالة جديدة بدأت تتشكل بعد التحول الديمقراطي، وهو الأقرب إلى الحياة المسرحية في تونس، مؤكدًا حرصه على تأثيث مساحات أخرى وفق أفق هذا الوعي المسرحي الذي يمثل حالة ارتباط أخرى بين الحاضر والتراث.

الفشل والنجاح

أوضح المخرج المسرحي التونسي منير العرقي، الذي شارك بمسرحيته “رهيب” عن نص لعبد القادر اللطيفي بالعربية الفصحى يتحدث عن ابراهيم ابن الأغلب في فترة تاريخية معينة في تصور سياسي وفني حاول معالجته، أن المشروع عمل عليه منذ سنتين بمشاركته 20 ممثلًا، معتبرًا أنه أفضل عمل مسرحي له لقي استحسان النقاد و المسرحيين والإعلاميين والجمهور.

وأكد العرقي أنه كان من الأفضل أن تختتم الأيام المسرحية بعرض آخر غير “نوارة الملح”، لأنها سبق أن عرضت، تمامًا كما مسرحية “تسونامي” الذي عرضت أكثر من مرة، “وكان يمكن أن تتم برمجة عرضين آخرين للإفتتاح وللإختتام على غرار “ريشارد الثالث ” لجعفر القاسمي و “الرهيب” لمنير العرقي”.

وقال المخرج المسرحي إنها دورة للنسيان على جميع المستويات بالنسبة للعروض التونسية كما العروض الأجنبية التي كانت ضعيفة في معظمها على مستوى النصوص وتقنيات العرض، مطالبًا بضرورة انتقاء العروض من طرف لجنة خاصة تضع لذلك العديد من الخصوصيات والمقاييس.

دورة متميزة جدًا

واعتبر المخرج المسرحي الموريتاني التقي ولد عبد الحي، صاحب مسرحية “فطائر التفاح”، الدورة متميزة جدًا بعد أن خرجت عن طور المسابقات ومنحت الفرصة للإبداع و المبدعين، وهو ما جعل التجارب تتعدد وتتباين، فأتى الجمهور المسرحي من كل مكان ليتابع مختلف العروض والتجارب التونسية والعربية. وأضاف: “الدورة الحالية أدخلت المسرح إلى الداخل التونسي ولم تقتصر على العاصمة تونس أو المدن الكبرى وهو اختيار موفق جدًا من إدارة المهرجان”.

أما المخرج المسرحي العراقي صلاح القطب فأشار إلى غياب أسماء مهمة، عربية وافريقية، كنقاّد ومخرجين كبار كانوا يشاركون في الدورات السابقة ويضيفون الكثير، مشدّدًا على ضرورة إعادة المسابقة ومناقشة العروض والإحتفالية الدعائية من خلال الكرنفال الذي ينظم عند انطلاق المهرجان إلى جانب تكثيف الندوات والعروض التقييمية حتى يعود للأيام بريقها.

واعتبر الروائي كمال الرياحي أيام قرطاج المسرحية في دورتها السادسة عشرة “مركّبة”، مثنيًا على المجهود الكبير المبذول، ومبديًا اهتمامه بالندوة التي تمّ تنظيمها حول الدين و الفن.

وأشار إلى أن أغلب الأعمال ركزت على الربيع العربي بطريقة إسقاطية، وقد مثلت المباشرة إشكالًا حقيقيًا في بعض الأعمال التي لم ترتق إلى مستوى الإنتظارات، لكن عودة المسرح العربي إلى الأدب يعتبر مبشرًا إيجابيًا، مشيدًا بـ “نوارة الملح” المقتبسة عن رواية لماركيز، وبالمسرحية الأردنية “حارة النبوءة” ومسرحية “الرهيب” لمنير العرقي والمقتبسة عن “بهيمة الأغلب” لعبدالقادر اللطيفي.

 

محمد بن رجب

http://www.elaph.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *