النص بين المسرح والسينما

كثير من الأفلام العربية التي نراها تحمل سيناريوهات ضعيفة النشأة والتكوين من أولها إلى آخرها. هذا لأن معظم الكتاب يعتقدون أن السيناريو هو ككتابة القصة إنما مع

 

مواصفات معينة. فالرواية مثلا لا تطلب منك الانتقال من مشهد لآخر لأن هذا الانتقال في السياق السردي طبيعي، وليس مطلوبا من الكاتب أن يكون صوريا وأن يبدأ الحكاية بموقف مشحون ما. كذلك، لا تحتوي بالطبع على القواعد الكتابية ذاتها، فلا وصف لمشهد في خانة وحوار في خانة أخرى وترقيم وسواه.

السيناريو الروائي هو قصة فقط كمشروع ومبدأ. لكن المعرفة البصرية والتقنية تؤسسان النص الذي من خلاله سيتمكن كاتب السيناريو من سرد تلك القصة. وليس أمرا مسلما به أن السيناريو هو كيف سيظهر الفيلم على الشاشة فقط. هو كذلك لكن لهذا شرط إبداعي يسبق ويلي. فحتى يطبق مفهوم أن السيناريو هو القصة كما ستظهر على الشاشة أن يعرف كيف تظهر الأفلام على الشاشة. في لوس أنجليس يعلمون تحليل السيناريو (حين لا يزال مشروعا) وتحليل الفيلم قبل تعليم شروط الكتابة أو تنفيذها.

المأزق عندنا هو ليس فقط أن كثيرا من الكتاب يكتبون السيناريوهات بأمزجة (وتسلمت واحدا مكتوبا على هذا النحو ولو أن فكرته جيدة) بل إن عددا كبيرا من المخرجين لا يقرأونه على منوال صحيح. هم أيضا يأخذونه مثل إشارات السير. هنا تستدير إلى اليمين، وهناك إلى اليسار. هذا هو الخط المرسوم لا تتجاوزه. الشارة التالية هي للحذر من الحيوانات الجانحة.. إلخ.

السيناريو بحد ذاته مشكلة في القراءة لمن لا يعرف (وهو مشكلة أكبر للكاتب الذي لا يحسن)، وهو قد يبدو عملا كاملا، إذ يعتمد ذلك على القارئ. لكن في المسرح فإن النص لا يمكن أن يخدع المخرج أو أحدا سواه. هو إما جيد وإما ركيك والمسألتان متروكتان للمخرج لكي يقرر إذا ما كان يريد تحقيق هذا العمل رغم هنات أو ضعف النص أو لا.

وفي حين قد يتوزع الفشل الفني على أكثر من عنصر في الفيلم السينمائي (وإن كانت مسؤولية ذلك الفشل تتجمع عند المخرج) فإن المخرج المسرحي أكثر عرضة للمحاسبة. إنه محور وحيد وسبب أول لنجاح أو فشل أي مسرحية يقوم بها.

علاقته بالكاتب تؤسس لما سيلي. طبعا من حظ الكاتب أن أحدا لا يشاركه المطبخ الذي يعمل فيه. على الأقل ليس في المرحلة التي تسبق وضع كلمة «النهاية» في آخر النص المسرحي. لكن حين ينتهي من ذلك العمل يفتح الباب لدخول المخرج، الذي سيدلي بدلوه بصرف النظر عن قيمة النص أو جودته. والمخرج عليه أن يفعل ذلك ليس فقط بسبب رؤيته التي قد تلتقي وقد تختلف عن رؤية الكاتب، بل لأنه سيعمد إلى التعامل مع ممثلين عليهم مهمة التلاؤم والفهم والتشخيص وهو لا يستطيع أن يقبل أمرا.. يرى، بخبرته، أن الممثل الجيد سيرفضه ولأسباب فنية بحتة.

النص في نهاية المطاف، هو التربة التي سيبني عليها المخرج ما سيقدمه. لذلك فإن جودة هذه التربة لا بد منها سواء أكانت الدراما المكتوبة ستذهب إلى المسرح أو إلى السينما أو إلى التلفزيون.. وما أدراك ما التلفزيون.

محمد رضا

http://aawsat.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *