ابن زيدان يلوذ بالصمت.. لاستنطاق المرأة

أصدر الدكتور عبد الرحمن بن زيدان أضمومة مسرحية تحت عنوان (صمت له كلامه)، وهي من الحجم المتوسط، وعدد صفحاتها 70 صفحة، ووضعت تصميم الغلاف

السينوغراف والفنانة التشكيلية سلوى جانا، وتضم هذه الأضمومة مسرحيتين مكتوبتين في بنية مونودرامية تتحدثان عن معاناة المرأة في المجتمع العربي، وفي تقديم المسرحيتين عدّ الدكتور بن زيدان أن 🙁 المرأة حياة تحرك الحياة، وتعطيها حيويتها، وتبعث روحا من الطمأنينة في رحم الوجود الذي يصب معناه في دفق النور، والخصب، والنماء، وكلما كانت هذه الحياة تجددا بالولادة، وكانت تغييرا لطبيعة الوجود، وكانت بحثا عن المفقود، وكانت سؤالا عن معنى الحال والمآل، فإن هذه المرأة تبقى الفاعل والمنفعل بالحياة، تأخذ منها أزمنة العمر، وتمنح بدورها عمرها للتاريخ لتلوين أشكال وجودها بما تريده أن يكون، وبما ترفضه من خلل لملء الفراغ بنبض الحياة التي تشتهي).

منذ خُلق الإنسان، والمرأة تمثّل قطب الرحى في العلاقات، فهي المركز الذي تدور حوله المدارات، وهي الدوائر، التي تدور حولها الصراعات، وهي جابرة الانكسارات، وهي جامعة المتفرقات، وهي حاضنة الأشواق والملكات، ومالكة المقدورات التي تصنع من المستحيل ممكنا، ومن الغامض واضحا، ومن الملتبس بيانا، ومن المغلق انفتاحا، ومن المحال محتملا، فهي الحل وهي العقد، وهي المفتاح، والزاد، وهي الحنو، والجسد والروح، والبصر والبصيرة، والقارئة والمقروءة، و الموضوع و موضوع الموضوع.
وكلما عدنا إلى التاريخ الإنساني، وتفحصنا شكل الوجود الذي وجدت فيه هذه المرأة، وتتبعنا مسارب الدروب التي سلكتها بفكرها، وذكائها، وعاطفتها، إلا ونجد أن هذا الشكل كان مؤثرا في الحياة العامة، وكان فاعلا في المجتمع، وكان له دوره في بلورة حضورها كمؤثرة في الحياة الخاصة، وفي الحياة العامة، حتى أن قيمتها الرمزية بهذا الشكل قد جعل منها أسطورة الدهور، ومضرب المثال في كل العصور، وجعل منها ومن حياتها، ومن مواقفها في الحياة عبرة تحمل كل معاني البطولة، والتضحية، والأمومة التي تصل بها إلى أن تغدو رمزا لتراجيديا الواقع الذي تعيش فيه، أو تصير به أيقونة خاصة بالحياة يتعين على كل من يريد معرفة خباياها أن يعود إلى سرّية كلامها في كل علامة أثثت هذه التراجيديا حتى يتمكن من أن يفك طلسم، وغموض أسرارها النفسية، والشعورية واللاشعورية.
في هذا التاريخ نجد المرأة البطلة  التي تحمل كل معاني البطولة، ونجد المرأة التي تتمرد على أعراف مجتمعها، ونجد المرأة التي بنت أمصارا، وشيّدت مدنا وحضارات، ونجد المرأة التي عشقها أبطال نبلاء عصفت بهم أهواؤهم فتسببوا في سقوط إمبراطوراتهم نتيجة نزوة، أو نتيجة عشق جنوني مدمّر، أو بسبب تطلعهم نحو التحكم في قلب المرأة للهيمنة على ممتلكاتها،وهناك المرأة المفكرة، والأديبة، والشاعرة، والحكيمة التي تقبض على جمر المتاعب، والشقاء، والحرمان، وبؤس الآخرين لتطريز حزنها بدموع اليأس والأمل، والفرحة المرتقبة.
ولعل ما يبرر الحديث عن هذه المرأة في المطلق، وتناول رمزيتها بالتركيز على علاماتها المشتركة بينها وبين مرجعيتها، هو إبداع بعض اللحظات التي ولدتها عملية الإصغاء إليها قبل الاستماع إلى المكتوب، ذلك أن كلام المرأة، وكلام المكتوب يثيران دوما دهشة الإصغاء، ويشدان السامع إلى الاستماع إلى الكلمات، والحالات، وأهوال النفس خارج الطمأنينة المفتعلة، وخارج الهدوء الاصطناعي، لأن فعل السماع هو الذي يقدح الشرارة الأولى للكتابة، وهو الفعل الذي يتحرر من آفة النسيان ليدخل بما سيكتب من كلمات، وحوارات في زمن التذكر والبقاء على الحياة في الكتابة.
إذا كانت الحياة، وكان العالم، وكان المجتمع، وكان الواقع محفزا على معرفة ما يجري وما يقع في ذات الإنسان، وذهنه، وشعوره، ولا شعوره، وإذا كانت كل هذه الأحياز هي التي تدفع بالمتلقي كي يعرف ما يُراد له أن يعرف، فإن درجات هذه المعرفة تبقى محكومة بمدى تقبله وفهمه لمجريات الأحداث، والتعبير عنها، ونقلها من فعل التلقي إلى فعل الإبداع الممكن الذي يأخذ قبسا من حياة المرأة للكتابة عن هذه الحياة في الإبداع، فيصور هذه الحياة في إبداع لا ينقل موجودا كما هو، ولا يستنسخ الحياة كما هي، ولا يردد صوت اللحظات الباردة لتنوب عنه لتقول ما يريد كتابته، ولكنه في كل كتابة مغايرة يقوم بخلخلة الثابت بحثا عن انزياحات ممكنة يحقق بها كل تحول محتمل يبني به موضوعه الممكن.
مع الحياة، وفي العالم ، ومع كل مجتمع إنساني، كان الواقع في الإبداع يبني واقعيته بجمالية المتخيل، وكان فعل تجميع المتناقضات يمنح جماليته في الكتابة لمهمة تخييل إبداعي تكون الكتابة فيه  مدعومة بقدرة الكاتب على إجلاء ما يريد إجلاءه في علاقة إبداعه بواقع المرأة في هذه الحياة حتى أننا لا نجد سردا من السرود الآسرة بموضوعها إلا وتكون المرأة حاضرة بمعنى الحياة في أحداث الملاحم، والتراجيديات،والأضمومات الشعرية، والروايات التي لا يكتمل معناها ،ولا يكتمل مبناها إلا بحضور المرأة التي تبني التصورات، وتؤجج لهيب الأحداث، وتبنى الصراعات والتحولات، حتى أن العديد من الروائع العالمية في المسرح والرواية والسينما اتخذت قيمتها من المكانة الوازنة التي أتاحت للإبداع أن يُظهر المرأة بكل مظاهر الفتنة،والجمال،والانسجام بين كل المتناقضات ،وكل الإمكانات التي ساعدت على إظهار ما لا يمكن إظهاره في الحياة الرتيبة القائمة على التخفي ،والتستر والمغالطات .
أكيد أن الرواية العربية هي اشتغال على حقيقة ورمزية المرأة، وهي سرود وحوارات وأوصاف كانت كلما أرادت ومعرفة ما يجري فيه من صراع، من تحول،وصدام حضاري،وصراع عقليات، وطبقات، وشهوات،و استغلال طبقي وتحرش جنسي،وخرق للقوانين،وإثراء غير مشروع،وهزائم عسكرية ونفسية إلا ويكون زمن الحكي مرتبطا بهذه الحقيقة،ومتمسكا بها،وناقدا لها،ومن هنا ارتسمت كل الأبعاد الواقعية والرمزية والعبثية بهذا الاشتغال وكأن الرواية تريد أن تحول ما هو مكتوب إلى تأريخ للزمن الضائع من الزمن العربي، لتصير ملحمة العصر،وهو المنحى نفسه في الشعر،وهو المنحى ذاته الذي اتخذه التجريب المسرحي العربي وهو يجوب آفاق واقعيته بحضور المرأة برمزيتها المستمدة من التاريخ العربي،وتراثه،وأحداثه،وواقعيته حتى أن هذه المرأة صارت تتخذ أبعادا واقعية بصرختها الإنسانية في وجه من يريد أن يحرمها من إنسانيتها ليضعها في قفص التخلف الفكري والثقافي والاجتماعي.
في المسرح احتلت هذه المرأة مكانها المعتبر ليس ـ فقط ـ باعتبارها موضوعا للكتابة المسرحية،ولكن باعتبارها أداة فاعلة في بلورة الزمن المسرحي في الزمن الفرجوي الذي لا تريده أن يتخلى عن مهامه الثقافية الحضارية.فهي الكاتبة،وهي الناقدة،وهي المخرجة، والممثلة،وهي السينوغراف،وهي ضامنة بقاء الفعل المسرحي موجودا بوجود الفريق المنسجم.
بهذا الموقع استطاعت أن تتخطى المعيقات والموانع الاجتماعية المغلقة، وتمكنت من تجاوز كل نظرة ضيقة تريد أن تقدم صورتها كأنثى يجب أن تظل محكومة بأنوثتها كجنس يقابله المجتمع الذكوري برجولية الرجل المهيمن عليها بنواميس وقوانين المجتمع  المسيّر بتمييز المرأة على الرجل حتى يجعلها هذا التمييز من الدرجات السفلى في مجتمعها, وما مشاركتها في الحياة الجديدة، وتحديها لكل حجر، ومنع، وحقوق، إلا تلبية حقيقية لما يريد لها المجتمع المدني أن تكونه وهي تشارك، وتساهم في تثوير الأفكار، وتشارك في ترويج دواعي ومظاهر الحداثة التي لا تتعارض مع أصالة مجتمعها العربي من أجل تنمية المجتمع بما يليق وانخراطها في صيرورة العالم المتقدم.
المسرحيتان تتناولان موضوع الواقع كما تفصح عنه المرأة من خلال استحضار بعض قضايا المجتمع العربي، وقد اختار الكاتب تجربة الكتابة المونودرامية التي تتخذ من هذه المرأة وحضورها في بنية النص محركا للأحداث ولفعل الحكي، وقد وضع لهذين النصين مقدمة تحت عنوان : (المرأة قناع وحقيقة المسرح العربي) ووضع لكل نص عناوين صغرى كأن كل مشهد عبارة عن نص شعري في بنية درامية. ففي مسرحية (مقامات الجرح) نجد العناوين التالية : مقام الولادة ـ مقام المدينة ـ مقام الدهشة ـ مقام العزلة ـ مقام التوحد ـ مقام البقاء ـ مقام الأنوارـ أما في مسرحية (صمت له كلامه) فهناك العناوين التالية : في انتظار الكلام ـ حين يتكلم السواد ـ رائحة  الأمكنة تتكلم ـ كلام اليقظة ـ

 

حمد شرجي

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *