هنا صلالة.. هنا مسرح -2

لو أن صلالة لم تتأخر (زمنيا) في استضافة مهرجان المسرح الخليجي لاحتاجت قاعة مسرح كبيرة تستوعب مئات إن لم يكن آلاف الحضور، فمع انسحاب موسم الخريف غادر عشرات الآلاف من السياح محافظة ظفار، وكانت العروض المسرحية (الخليجية) مناسبة جدا للزائرين للاستمتاع بعروض قادمة من غالبية بلادهم (الخليجية).. لكن هذا التأخير (المتعمد) إيجابي جدا، مقارنة بحالة الزحام والغلاء.



دول كثيرة اعتمدت منذ سنوات طوال مفهوم سياحة المؤتمرات والمهرجانات لتسويق نفسها سياحيا، فكل زائر هو مشروع سائح (مستدام) ليعود برفقة عائلته، وفي صلالة خاصية أن من زارها مرة لا بد أن يعود إليها، (مع ضرورة) أن تبقى ذكرياته جميلة، بعيدا عن الأزمات الناتج بعضها من ثقافتنا العربية الأصيلة حيث غياب التخطيط، وأن القرار يكون ليلا وفي الصباح تسافر العائلة إلى المجهول، باعتبار أن (الله كريم) وسيجدون شقة تناسب (عددهم) وميزانيتهم.

في بلادنا تبدو الخطوات واضحة لتكريس مفهوم سياحة المؤتمرات والمهرجانات، لكنها الخطوات البطيئة كون أن البنية الأساسية بقيت أضعف من استيعاب حالات الذروة، مع محدودية الخيارات (جغرافيا) ومحدوديتها (ترفيهيا) فمن يأتي إلى صلالة يمنّي النفس بتعدد الاختيارات أمامه والتجول في مدن قريبة، فيما موازنة الرحلة ترتفع لتتفوق على كلفة السياحة في بلدان الشرق الآسيوي كثيرا، فصلالة الخيار الأسهل للعائلات محدودة الدخل حيث يمكن لعائلة من عشرة أشخاص (الاكتناز) في سيارة دفع رباعي أو حافلة صغيرة وخلال نصف يوم تكون وصلت بمنأى عن أسعار التذاكر.. الفارق الأبرز والمنحاز إلى سياحة (الخريف) المتلائم مع الموازنات المحدودة.

أنظر إلى قائمة الأسعار في غرفتي الفندقية، المعلقة (لحكمة لا أتبيّنها جيدا) في باب دورة المياه، ومع وجودي كموظف حكومي لأكثر من ربع قرن فإني (إن اخترت سكنا) لن يكون الفندق اختياري، ليس بالضرورة سعر الغرفة (أكثر من مائة ريال في الليلة)، ولكن الخدمات الأخرى المصاحبة وأبرزها الحاجة لـ(زجاجة الماء) مع بعد المكان عن أقرب مركز تسوق.

يعبّر الأشقاء (من دول الخليج وسائر البلدان العربية) عن سعادتهم برؤية صلالة، منهم من يرتبط بذكريات فيها، وبينهم الذي يراها لأول مرة، سعادتهم كبيرة بالتواصل مع بعضهم بعضا كمسرحيين ومشتغلين بالفن، الوجوه التي اعتدناها تطل من خلف الشاشات باتت حاضرة أمامنا لنتحاور منها، بينها من نتبيّن فراغها الفكري، وأخرى تأسرك بثقافة وحضور معرفي كبير..

حتى قريب مطلع الفجر شغفني الحديث مع الفنان السوري فايز قزق (مأمون في مسلسل باب الحارة) .. خبرة فنية كبيرة توّجها بالعلم والثقافة حيث إنه يتحدث عن عمق فكري يجعل من التمثيل ليست صنعة من لا صنعة له، بل رقيّا فكريا، لذلك يأتي الحضور القوي للممثل على الشاشة ليأسرنا، دون تصنّع أو صراخ.

كلما نهض أحد فنانينا ليعقّب على عرض مسرحي أضع يدي على قلبي، فمن يتكلم ينبئ عن نفسه، قليل منهم ستر الله عليهم ببعض الفكر، والباقي ندعو له بالستر

 

 

محمد بن سيف الرحبي

http://www.shabiba.com

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *