مسرحيون عرب شباب يبحثون عن هويتهم

سعى المهرجان الدوليّ للمسرح الجامعي (بيروت)، في دورته الخامسة عشرة، إلى تأسيس علاقة جدّية بالجمهور. وعلى رغم الضعف العامّ في الأدوات المسرحية، ولا سيما على صعيد العمل التمثيليّ الجماعيّ، فقد تمكّنت بعض عروض المهرجان من شدّ الانتباه إليها من خلال أداء تمثيلي فردي جيد، أو صياغة محـكمـة في الـنص المـسرحـي، أو فـي إتاحـة مــسـاحة تـهريـجـية كـبـيرة.

 

 

استضاف مسرحا غلبنكيان وأروين، في الجامعة اللبنانية الأميركية، في بيروت 13 عرضاً مسرحياً دولياً، من لبنان ومصر وتونس وتركيا، وقد ألغي عرض واحد، هو «الحلاج»، بسبب طارئ تقنيّ، إذ كان من المفترض أن تقدّمه فرقة معهد الفنون الجميلة اللبنانية (قسم المسرح)، وهو عرض راقص، أخرجه وصمّمه أحمد حجازي، ويتطرّق إلى شخصية الحلاج، وصراعه مع من اتهمه بالكفر، وإلى نهاية المتصوف المأسوية في نهر دجلة. وقد تضمّن برنامج المهرجان حفلة موسيقية للفنان اللبناني زياد الرحباني، في اليوم الأول منه، على مسرح أورين.

عالـجت غالبيـة المـسرحيات الأوضـاع الاجتماعية، في نـسـيج الحـياة اليـوميـة، كما فــي عرض الافتـتاح «فخامة الرئيس» (50 دقيقة)، من تأليف جلال خوري، وإخــراج فـراس بو زيـن، ولا تبدو المسرحية إلا محـاولة لفهم تبعات الأمراض الاجتماعية، التي تلحق ببعض الفئات الثرية، التي تعـتقد أنها بمجرد امتلاكها المال، ستمتلك سلطة معيّنة، بينما حقيقة الأمور، تجري في مكان مغاير، فلا سلطة تأتي من المال وحده. المسرحية هي تعرية لواقع اجتماعي لا سياسي، تخون فيه الزوجة زوجها مع صديق مقرّب إليه، ويلعب هذا الصديق دوراً سلبياً في تحوير طموحات صديقه الثري من المال إلى السلطة، كي يتمكن من البقاء في منزله أكبر وقت ممكن.

وعلى المستوى ذاته، وبالأسلوب التهكمي ذاته من المجتمع، تتطرّق مسرحية «حرم معالي الوزير» (60 دقيقة)، من تأليف محمد السعودي ووسام صباغ، وإخراج حسن المصري، إلى النوازع الاجتماعية لدى زوجة أحد المسؤولين، ويوضح العرض هنا، أن الزوجة تتلاعب بما لا يحقّ لها امتلاكه، وتحاول دخول مفاوضات انتفاعية من وراء ظهر زوجها، كما تسعى إلى طرد زوج ابنتها من البيت، ومحاولة إظهاره كخائن، كي تتخلّى عنه ابنتها.

مستويات مختلفة

وعن المهرجان تقول المشرفة الأكاديمية على العروض، منى كنيعو: «نراسل الجامعات الدولية في المنطقة، كي ترسل إلينا ما لديها من عروض جاهزة. ولم يستقطب المهرجان، هذا العام، فرقاً كثيرة، فقد اعتذرت فرق عدّة عن عدم المشاركة، لكون كلفة السفر مترتبة على المشاركين». ولم يضع القائمون على المهرجان، مراكزَ أو جوائزَ، تختتم المشاركة فيه، لذلك تراوحت غالبية العروض، بين الضعف والركاكة التمثيلية. وتبدي كنيعو ملاحظات حول اختلاف مستوى التمثيل والإخراج والتأليف النصي، بين عرض مسرحي وآخر، قائلة: «أهم نقطة في المهرجان، هي أن يشاهد الشباب المشاركون، بعضهم أعمال بعض، كما أن هناك حواراً تفصيلياً حول الأعمال، التي هي نتاج ورشات جماعية مع الطلاب. وحتى تركيب قطع الديكور يتم بعمل جماعي».

اعتمدت نصوص العروض، في غالبيتها، على اقتباسات من مسرحيات عالمية، كما في عروض المسرحيات التالية: «صندوق الجريمة» لرايد كونراد، «روميو وجولييت» لوليم شكسبير، و «علبة صغيرة من التفاهة» لستيفن بين، و «إعادة فويتسك» لجريمي غايبل، وأخرجت سارة الموسوي عرضاً لبنانياً للمؤلف أحمد عزت الألفين، هو عرض «الرائعون»، الذي مثّلته فرقة الجامعة اللبنانية الأميركية (قسم فنون العصر). ويتحدث العرض عن شخصية العالم كاسبر هاوزر الغرائبي، إذ يخوض الرجل العالم والعابث لعبة اختبارية، مع أربعة أشخاص يولدون معزولين عن العالم الخارجي. ويراقب كاسبر تعامل هذه العينات مع العالم المفترض من حولها، لكن الحب الذي ينشأ بين هؤلاء، يحطّم نظرية كاسبر العازلة لهم عن محيطهم الطبيعي.

وباللغة التركية، قدمت جامعة «يديتيبي» للفنون الجميلة (قسم المسرح)، مسرحية «واحد للطريق» (35 دقيقة) من تأليف هارولد بنتر، وترجمة عزيز تشالشلارد، وإخراج متن بالاي. وشاركت جامعة تونس (المعهد العالي للفنون المسرحية)، بعرض «الحضيض» (50 دقيقة)، من تأليف مكسيم غوركي، وإخراج خالد اللملومي. أمّا أكاديمية الفنون المصرية فشاركت بمـسرحية «الـدب» (60 دقيقة) من تأليف أنطون تشـيخوف، وإخراج أحمد مرعي، بينما شاركت كلية الآداب (جامعة المنصورة) المصرية، بعرض «الملك يلهو» (70 دقيقة)، من تأليف فيكتور هوغو، وإخراج خالد عبدالسلام.

وعانى العرض ركاكة، على صعيد التمثيل، ولا سيما في نطق الجُمَل الفصيحة، وتعثّر الممثلون في جُلِّ المشاهد، التي تعتمد شخصية مساعد الملك المشوّه جسدياً، وترهّلت المشاهد التراجيدية، وأُفرغت من محتواها مع سخرية مجموعة الممثلين وضحكهم وتهريجهم (وهم المُشكِّلون للمجتمع الإنساني حول الملك). وأخفق فريق العمل في إظهار محتوى مسرحيّ يليق بنص تشيخوف، الذي اعتمد فيه على العبث والتراجيديا، في آنٍ واحد، وكان العرض عبارة عن مساحة لتهكّمات طويلة من الممثلين، لا تُضحِك الجمهور في معظم الأحيان.

 

رنا زيد

http://alhayat.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *