مأمون الخطيب: المسرح يحتاج إلينا جميعاً فنانين وجمهوراً

ينتمي الفنان مأمون الخطيب إلى جيل مسرحي وجد نفسه وجهاً لوجه في شبه قطيعة مع جيل الستينيات سواءً من الجمهور الذي انصرف تدريجياً عن خشبات العرض أو حتى من الرواد المؤسسين للمسرح القومي فالفترة التي عاد فيها الخطيب إلى

 

وطنه من جامعة الثقافة البيلاروسية عام 1994 بعد حصوله على دبلوم في الإخراج المسرحي من هناك شهدت صعود الدراما التلفزيونية في سورية، تزامناً مع فورة الفضائيات العربية لاسيما النفطية منها مما ترك آثاره جلية على المحترف المسرحي السوري، وجعل من مهمة إعادة الجمهور إلى صالات العرض مهمة شاقة يقول الخطيب: “المسرح يحتاج إلينا جميعاً جمهوراً وفنانين بالنسبة لي فإن مديرية المسارح كانت منبري الذي قدمت عبره ثمانية عروض منذ عودتي إلى دمشق”.

في عصر “السينما في بيتك” و”مواسم العروض الرمضانية” من مسلسلات وبرامج ترفيهية على مدار الساعة، كانت التحديات تكبر عاماً بعد عام أمام تعاظم شعبية التلفزيون وأجوره الخيالية وضعف الأجور التي يتلقاها المسرحيون لقاء العروض التي ينتجونها لصالح مديرية المسارح والموسيقا المؤسسة التي عين الخطيب

فيها بصفة مخرج مسرحي منجزاً ثمانية عروض لصالح المسرح القومي في وزارة الثقافة كان أبرزها عام 1999 في مسرحية “بئر القديسين” عن نص جون ميلنغتون سينغ العرض الذي راهن فيه هذا الفنان على خصوصية فن الخشبة وقدرته على اجتراح مساحة أمل وتفكير جماعي قادر على إبقاء الفضاء منتعشاً بزواره.

يقول الخطيب: “المسرح ينتعش في حالة واحدة عندما يكون هناك قرار بمشاركة القطاع الخاص بدعم العروض المسرحية لقاء إعفاء الشركات من جزء من الضرائب المفروضة عليها كما هو الحال في تونس البلد الذي شهد محترفات مسرحية لفاضل الجعايبي وعز الدين قنون وتوفيق الجبالي ورجاء بن عمار..هذا لم يكن لولا أن هناك من كان لديه الشجاعة لتحفيز عمل هؤلاء.. صحيح أن الدولة تقدم الكثير لكن بالمقابل على القطاع الخاص أن يسهم في دعم فن الخشبة لرفع أجور فناني المسرح كما هو الحال في الدراما التلفزيونية التي تلقت دعماً غير محدود في هذا المجال”.

قدم الخطيب جهداً استثنائياً في مجال التدريس موظفاً خبراته الأكاديمية في قسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، ليترأس قسم التمثيل هناك ما بين عامي 2011 و2012 جنباً إلى جنب مع إدارته للعديد من المهرجانات الدولية والعربية والمحلية كمهرجان الشباب المسرحي في الحسكة عام 2007 ومهرجان بصرى الدولي ومهرجان إدلب الخضراء ويوم المسرح العالمي 2007 ومهرجان ربيع مسرح الطفل عام 2010 .

عرض “الأقوى” عام 2001 للسويدي أوغست سترندبرغ هو الثاني في ذخيرة الخطيب فبشراكة لافتة مع كل من الفنانتين لينا حوارنة وسوزان الصالح حقق هذا المخرج حضوراً لافتاً للمسرح الطبيعي مسجلاً رؤيته الخاصة عن مسرح الحلم مسرح الإنسان هذا توجه الخطيب بثلاثية مسرحية على مساحة أكثر من عرض، مقدماً عمله “خواطر” عام 2002 كمشروع ارتجال جماعي وعمله “تلاميذ الخوف” عام 2008 عن نص لإيفون وولف، ومسرحية “ليلة القتلة” عن نص خوسيه تربيانا هذه الثلاثية التي أرادها صاحب “عنزة عنوزية” مرادفاً صارخاً للخوف الجماعي الذي يتربص بالكائن الإنساني الغميضة لأبناء يتمردون على واقعهم من خلال لعبة للوصول إلى حياة يريدونها باختيارهم، كما تمليها عليهم قناعاتهم وخياراتهم.. تمرد على الضغوط النفسية والاجتماعية من خلال لعبة حلم غير مضمونة النتائج.

اللعب هو الحقيقة الوحيدة الساحرة للخروج من واقع لا يحتمل، كما يقول الخطيب اللعب على الخشبة يعادل تلك المخيلة الطفولية للفن بارئاً من أدران الأيديولوجية، وسطوتها، من هنا حقق الخطيب مسرحيته “كلهم أبنائي” عن نص الأمريكي آرثر ميللر ومن إعداد الدكتور رياض عصمت ربما كتتمة لمشروع يراه هذا الفنان تشريحاً هادئاً لحتمية التراجيديا المسرحية، التراجيديا التي تدافع عن حقها المعنوي في نقد العالم وتطهيره من خطاياه فالوطن على حق كما يقول الخطيب في كلمته على بروشور “كلهم ابنائي” جملة ستباغت الكثيرين إذا ما قرأها الجمهور في عرض “تلاميذ الخوف” حين الجميع يعتقد أنه على حق، يصبح الجمهور أمام صراع بين حق وحق آخر.

معادلة فنية صاغها الخطيب وفق انسجام عناصر اللعبة المسرحية مشتغلاً مع ممثليه على تفنيد التراجيديا عبر ملامستها في أشد صورها جلاءً ووضوحاً، فالمسرح عليه أن يقدم المتعة مع كل هذه الشجاعة في الطرح، والوقوف على ناصية الشارع السوري من خلال فضح تجار الحروب والفساد، ما جعل من عروض الخطيب مؤشراً حاسماً لدور الفن في الدلالة على مواطن العطب والبشاعة العمومية.

ينمذج مأمون الخطيب عروضه ضمن مشروع وطني حمل على عاتقه شخصية الأعمال المسرحية التي دأب المسرح القومي على تقديمها منذ تأسيسه عام 1960 بدمشق على أيدي خيرة الكتاب والمخرجين المسرحيين في سورية إلا أن الرجل الذي ولد عام 1969 في قرية الملاجة الواقعة على كتف جبال بحر طرطوس لم يخضع المسرح لشروط الرقابة الذاتية، فالمسرح لديه خط أول للمواجهة كما يقول وللوقوف على مزاج مجتمعات بأكملها.. إنه اللعب الحر والبريء والمنارة التي تستقي منها الشعوب المتحضرة قدرتها على بناء المدينة.

ولذلك قدم الخطيب عمله “زنوبيا” عام 2005 عن نص الإسباني “كالديرون دي لا باركا” مراهناً على نصوص التاريخ بصفتها ماضيا حضاريا لوطن سوري شهد فترة فائقة التطور من جهة بناء المدينة السورية، فتدمر في مسرحية زنوبيا هي المثال الأمضى عن مدينة احتفلت بفن النحت وعلم الجمال والوقوف في وجه الغزاة، ومحاولة محو الشخصية الوطنية، إنها زنوبيا المرأة السورية التي ازدهرت الفنون في عهدها على مسرح حجري بحجم مدينة أرادها الخطيب دلالةً لمعنى الانتماء وعمقه في شخصية الإنسان السوري.

 

http://www.discover-syria.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *