المهرجان الوطني للمسرح المحترف مهرجان يتكرس ونجاح بَيـن

 

 

المهرجان الوطني للمسرح المحترفمهرجان يتكرس ونجاح بَيـن

 

 

أقيم في الجزائر من الفترة  24/5/2013 ولغاية 2/6/2013 المهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته الثامنه، وقد تزامن هذا الحدث مع ذكرى مهمةفي تاريخ الجزائر هي ذكرى مرور خمسون سنة على إستقلال الجزائر بعد نضال قاس ومرير قدمت خلاله الجزائر دم مليون شهيد مهراً لهذا التحرير والاستقلال  من نير الاستعمار الفرنسي. وأيضاً تزامن مع ذكرى مرور خمسون سنة على تأسيس المسرح الجزائري ، وبهاتين الذكرى اكتسب المهرجان الوطني للمسرح المحترف أهميته الكبيرة على خارطة المشهد الثقافي الجزائري والعربي ولقد قدم في هذا العرض مايزيد عن 17 عرض مسرحي لمختلف المسارح الجهوية التابعة لوزارة الثقافة في عموم الجزائر والتي تحظى بدعم وتشجيع الحكومة الجزائرية خلال المهرجان وخلال المواسم المسرحية في الجزائر ولقد تركزت القيم الفكرية والفنية لهذه العروض على التأكيد  لقيم النضال والتضحية والفداء التي قدمها الجزائريون لكي تتحرر الجزائر من قبضة الاستعمار الفرنسي. لذا كانت العروض المقدمة تتفاوت في المستوى الجمالي والفني ما بين عروض تعبوية مباشرة تعتمد الشعاراتية وما بين عروض مسرحية هادفة تناقش وبجرأة ووفاء المواقف البطولية لمن ضحى وجاهد من أجل الجزائر واُغفل و اُبعد إلى  زوايا النسيان والعوز. كانت هناك عروض مسرحية جزائرية تستلهم نضال النسوة الجزائريات المجاهدات اللواتي قدمن مثالاً في الصمود والبطولة والشجاعة في التضحية من أجل تحرير الجزائر ولم يكن هذا النضال حكراً على مثقفي الجزائر وجيشه الوطني جيش التحرير الجزائري بل كان فنانو الجزائر في المقدمة مع المجاهدين. إنه تذكير بتاريخ الاوطان التي ترفض الخضوع لقمع وسطوة المحتل وتسعى لتكون حرة صانعة لمصيرها، كاتبة لدستورها، وهو موقف فكري وأخلاقي وإجتماعي ما أحوجنا إليه اليوم ونحن نرى الوطن العربي يتداعى ويتمزق ويتجزأ في إرادته ووحدته تحت غطاء الربيع العربي والذي تحول من ربيع عربي ضد رموز القمع والدكتاتورية إلى كابوس عربي يفتح الابواب مشرعة للتخلف والتمزق والعنف وينثر بذور الفردية والتسلط، فكأنه إستعباد جديد وإحتلال جديد يتضخم ويتعملق ويستأسد من أحلام الشعوب المغلوبة على أمرها ومن عشقها للحرية والحياة الكريمة ولاندري ماذا يخبئ لنا هذا الربيع المستنسخ  والهجين في القابل من الايام. وكما إحتفى المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالمسرح، فقد إحتفى بالشعر والرواية وخصص لهما على مدى يومين ملتقيات وقراءات في قاعة الحاج عمر في مبنى المسرح الوطني، وكان الملتقى العلمي حاضراً هو الآخر وعلى مدى ثلاثة أيام وقد كُرس لمناقشة مفهوم الإقتباس والاعداد في المسرح والتأثيرات الفلسفية الحديثة في بنية النص المسرحي بحضور أساتذة ومنظرين عرب إضافة إلى  المسرحيين الجزائرين. تزامن هذا الملتقى مع قيام ورش دامت على مدى ستة أيــام من عمر المهرجان تناولت التأليف المسرحي والصوت والالقاء وورشة التمثيل إضافة إلى ورشة الاخراج المسرحي، والملفت في هذه الورش التي قادها أساتذة أكفاء وأصحاب إختصاص في هذا المجال ونذكر منهم الفنان الكبير محمود أبو العباس الذي قاد ورشة التمثيل والتي ضمت ثمانية وعشرين طالباً وطالبة، والفنان كريم رشيد الذي قاد ورشة التأليف المسرحي والفنان سعيد نصر سليم الذي قاد ورشة الصوت والالقاء والدكتورة عواطف نعيم التي قادت ورشة الاخراج المسرحي والتي ضمت اربعة وعشرين طالباً وطالبة والملفت في هذه الورشة أنها فسحت المجال لطلبة من المسارح الجهوية في داخل المحافظات الجزائرية للمجئ إلى الجزائر والانضمام إلى هذه الورش متكفلة إدارة المهرجان بكامل الضيافة والاقامة لطيلة أيام المهرجان ، وقد تم تقديم شهادات التخرج لهم في إحتفال داخل فضاء مبنى المسرح الوطني بحضور جماهيري غفير، شارك في المهرجان الوطني للمسرح المحترف فنانون عرب وفنانون أجانب بعروض مسرحية من سوريا ومن مصر ومن فرنسا والولايات المتحدة الامريكية ومالي وكانت هذه العروض ُتقدم على هامش المهرجان، إذ ان المهرجان تنافسي مخصص للعروض المحلية الجزائرية وقد كانت لجنة التحكيم مكونة من عدد من الاسماء الجزائرية والعربية المهمة وترأست اللجنة د. جميلة مصطفى من الجزائر. وضمت اللجنة في عضويتها الفنان العراقي د. جواد الاسدي والفنانين حسن تليلاني وجمال حرير وأنور محمد وحبيب دحلي. قدمت مصر لفرقة الغد العرض المسرحي (ليل الجنوب) وهو من اخراج د. ناصر عبد المنعم ويستمد متنه الحكائي الذي صاغه المؤلف شذلي فرح من الحكايات الشعبية المصرية التي تعيش في وجدان المجتمع المصري وتطرح هموم المرأة المصرية ولاسيما في الجنوب حيث هيمنة المجتمع الذكوري وهيمنة العادات والتقاليد البالية التي تجعل من المرأة تابعاً ومنفذاً لرغبات وسلطة الذكر على حساب الانثى واحلامها. أما سوريا فقد قدمت العرض المسرحي (الثرثة الاخيرة للماغوط) للمخرج فائق عرق سوس وقد كرس العرض لمناقشة الواقع السوري المدمى مابين قوتين المسحوق بينهما هو الشعب السوري والمواطن الكادح البسيط الذي يحلم بالامن والسلا م، وقدم المسرح التونسي العرض المسرحي التفاف للمخرج  وليد دغسني ،كما كرم المهرجان في دورته الثامنه نخبة من رواد ونجوم المسرح العربي ممن أثروا الحركة المسرحية في بلدانهم وفي أرجاء الوطن العربي بأعمال متميزة ومشاركات فاعلة جعلت بصمتهم وفعلهم الثقافي واضحاً ومؤثراً على خارطة المشهد الثقافي والفني العربي على مستوى التأليف والاخراج والتمثيل والنقد والبحث والتنظير للظاهرة المسرحية بكل تجلياتها. ومن هذه الاسماء د. عواطف نعيم من العراق والسيدة/ سوسن بدر من مصر والسيدة/ دليلة مفتاحي من تونس ويونس قرباني و لوراري حميد ومصطفى عباد وحسان بن زواري وأحمد قادري وبن يوسف حطاب من الجزائر.

المهرجانات العربية هي احدى الوسائل المتاحة للتبادل الثقافي والفني المعرفي وهي أيضاً الطريقة التي يتم من خلالها التعرف والاطلاع على الجديد المبتكر في الظاهرة المسرحية من خلال الملتقيات العلمية والبحثية والعروض المسرحية المشاركة والورش المسرحية المقامة، كما انها عالم لخلق علاقات تعاونية مشتركة في مجال العمل الفني والثقافي ،ولطالما اسهمت هذه المهرجانات ولا سيما المهرجانات القائمة على اسس علمية وموضوعية تستند الى الخبرات والدراسات للخروج برؤى متنوعة ومتجددة قادرة على استقطاب الطاقات الحقيقية والمؤثرة بعيداً عن المجاملة والاخوانية وتبادل المنافع الذاتية في تفعيل وتنمية المشهد التقافي والفني.المهرجانات وسيلة للتطوير والنهوض والاطلاع ورفد المساحة الفنية والثقافية بالجديد والمغاير، ولعل مهرجان الجزائر واحداً من هذه المهرجانات التي تصب في هذا الاتجاه، بعد أن توقف مهرجان القاهرة التجريبي والذي نأمل بعودته بحلة جديدة على أيدي المثقفين المصريين لما له من أهمية في تقديم الظاهرة المسرحية بمنظور معرفي وبحثي يبحر في المجهول وينأى عن الرتيب العادي. و كذلك توقف مهرجان قرطاج في تونس والذي كان هو الآخر رئة معافاة للتجارب المسرحية التي تجمع الكلاسيكي بالحداثوي بفهم واع لاهمية البحث والاجتهاد والقراءة المبتكرة. ونأمل ان يكتب لبغداد أن تعيد مهرجانها العربي للمسرح وأن ينطلق من  مهنية علمية وموضوعية ثقافية وفنية وأن تناط إدارة هذا المهرجان بأشخاص مختصين وعارفين وأسماء مزكاة في سلامة  ادائها وأخلاقية مبادئها بعيداً عن المحاباة والمنفعة الذاتية والاداء الروتيني الكلائشي المقيت، فقد آن لبغداد أن تكون حاضرة وفاعلة تكسب أمنها وسلامها من بين قيم الخير والنبل والوطنية وليس اهم من المسرح مدرسة للتعليم والمعرفة وجمع لحمة المجتمع  وحفظ أصالة الاوطان والانطلاق من خصوصية حضارتها وعمق تراثها وأصالة نسيجها الاجتماعي الجامع لكل الالوان والاطياف. هي بغداد حاضرة الدنيا، هي بغداد كالاستاذ في العباد. وقد كان على القائمين على فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية أن يفكروا جدياً ببعث مهرجان بغداد العربي  للمسرح لأنه أول مهرجان عربي يُقام في بغداد في العام 1985 ويجعل من بغداد وهي التي تستحق  أن تكون مطمحاً ومنبراً للقاصي والداني لكي يشارك وينجز ويجدد في ظاهرة ثقافية وفنية كبيرة أسمها المسرح، وتبقى المهرجانات وسيلة للتواصل والتعارف والترويج للطاقات الابداعية المؤثرة في المسرح العربي، وإذا كانت السياسة قد فرقتنا فأن (أبو الفنون ) جميعاً المسرح قادر على لم شتاتنا وجمعنا على خشبته ومع رموزه العتيدة التي جعلت التاريخ يعيد نفسه ويؤكد أن كل الثوابت متغيرة إلا ثوابت الحياة والموت وبينهما جسر الابداع الذي يخلد  الاسماء ويجعل القامات الكبيرة إمتدادا للنفس التواقة للإنجاز والتفرد المضيء.

د. عواطف نعيم كاتبة ومخرجه مسرحية

 

المصدر : خاص للموقع من د. عواطف نعيم

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *