«إنانا» تقدم ملحمة جوليا دومنا على مسرح كتارا

تابع جمهور مسرح الدراما في كتارا عرض «جوليا دومنا» لفرقة «إنانا» للمسرح الراقص والذي تم الشروع في تقديمه منذ يوم الخميس الماضي ويختتم اليوم بعرض رابع وأخير.

وأكد الدكتور خالد السليطي، المدير العام للمؤسسة العامة للحيّ الثقافي كتارا، أثناء حضوره لهذا العرض رفقة مجموعة من كبار المسؤولين والمثقفين في المؤسسة، حرص الحي الثقافي على تنويع فعالياته للاستجابة لكل الأذواق، وهو اليوم من خلال عرض جوليا دومنا لفرقة إنانا للمسرح الراقص يثبت مرة أخرى أنّه ينتقي دوما لزوّاره ولمحبي الفنّ والثقافة الأعمال الأكثر رقيا وإبداعا. مشيرا إلى أن هذا العرض، قدم في العديد من المهرجانات العربية والعالمية وهو على درجة كبيرة من الاحتراف، مشددا في الآن ذاته على عدم التردد في الاستثمار في كل ما هو ثقافي وفكري نظرا لما له من تأثيرات إيجابية على المجتمع بأسره.
وقال الدكتور السليطي: «نحن نؤمن إيمانا قويا أنّ الثقافة ليست ترفا في هذه الحياة بل ضرورة ملّحة لذلك يجب الاهتمام بتقديم الأعمال الثرية التي من شأنها أن ترتقي بالفكر والذوق العام. وفي هذا الإطار يتنّزل عرض جوليا دومنا الذي يتعدى الحدود الزمانية بوصفه يقدم قصة تاريخية قديمة ليبسط أمام المتفرج قراءات جديدة لها علاقة بما يحدث في واقعنا اليوم».
فبطقوس تعبدية تمارسها جوليا دومنا، ابنة الكاهن الأعظم يوليوس باسيان لمعبد الإله إلاجبل في حمص، تقربا لإله الشمس، لا تغيب عنها إيحاءات الحرب ودقّ الطبول، تبدأ المسرحية، ليمهد مخرج العمل للفرقة وللجمهور على حدّ سواء ويهيئهم ليمتزجوا في تفاصيل حكاية تروي قصة الحب التي دارت بين الأميرة العربية والروماني سيبتيموس ذي الأصول الفينيقية الذي صار لاحقا إمبراطورا على روما ذ يلتقيان أثناء استعراض جيش الشرق الأوسط في مدينة حمص، حيث يقعان في الحب. من ثَمَّ تتوالى الأحداث وتقام الأفراح احتفالاً بزواجهما، لينطلقا على وجه السرعة إلى روما في مهمة لإنقاذها من جيوش الجِرمَن، وينتصر سيبتيموس في المعركة إلا أنه يفقد حياته نتيجة لمكر مكرينوس الذي يُعد مؤامرة بالتعاون مع فلول الجرمن المهزومين، وبهذا يملأ الحزن قلب الأميرة وتعود إلى أهلها إثر مقتل زوجها.
وكان واضحا منذ بداية العرض الإيحاء بفكرة المؤامرة، وبالخصوص عند مشهد دخول سبتيموس إلى المسرح؛ إذ بدت التحية المترنحة التي قدمها مكرينوس لسبتيموس، وما يشبه المطاردة الصغيرة بينهما، مقدمة للمؤامرة القادمة التي تأكدت محوريتها في العمل عبر تعليقات الرواية.
كما لم يفت العرض المسرحي أن يلقي الضوء على اهتمام جوليا بالآداب والفلسفة من خلال عقد حلقات للأدباء والفلاسفة في قصرها في إشارة واضحة إلى ما كان عليه الرومان من انحطاط فكري وأخلاقي ومدى التغيير الذي حققته جوليا دومنا وزوجها الإمبراطور سيبتيموس؛ إذ ازدهرت المدينة في فترة حكمهما لتعرف عصرها الذهبي.
أما من حيث الصورة الفنية والإخراج، فتنوعت اللوحات الراقصة وفق ثنائية الحركة والمعنى ومزيج الدراما والرقص التعبيري لنسجل انسجاما واضحا بين الحركات الرشيقة والموسيقى المصاحبة والأصوات المنبعثة من الراقصين لتكشف عن تسارع الأحداث واقترابها من العقدة القصصية بمقتل سيبتيموس، فضلا عن المداخلات الروائية التي كانت تتواتر بين المشهد والآخر لتزيد في حبكة القصة بشكل درامي متصاعد وهو ما جعل المتفرج يشعر أنّه قد تحللّ من قيود الزمان والمكان لينطلق مع جهاد مفلح وفرقته إلى حيث تقوده جوليا دومنا بعيدا عن تأثيرات القصّ التقليدية وما يمكن أن تسببه من ملل أو رتابة.
وما زاد العرض تميّزا وحيوية هو تماهي الأداء التعبيري مع النغمات الإيقاعية وفق ضبط إبداعي واحد ليزيد من اتساع الخلفيات التعبيرية للمشاهد وشحنها بالخيال والعاطفة.
وبصوت شاعر الثورة والوطن محمود درويش، اختتم العمل، وهو يقرأ قصيدته الشهيرة أيها المارون بين الكلمات العابرة، لتزيد من متعة العرض وسحره من ناحية ومن اتساع مساحات القراءة والمعنى علّ المتفرج يتوفق في التماس ذاك الخيط الرفيع الذي لا يكاد يرى في الأزمة بين الماضي والحاضر.
يشار إلى أنّ فرقة إنانا السورية، التي تأسست في التسعينيات على يد جهاد مفلح، تعتبر من أشهر الفرق العربية في مجال المسرح الراقص إذ قدمت عددا ً كبيرا من اللوحات الراقصة المقتبسة من التاريخ والحضارة والفلكلور السوري والعربي برؤية درامية معاصرة تمزج بين الواقع والخيال. وقد لقيت هذه الفرقه نجاحا وشهرة عربية جعلتها من أولى الفرق المشاركة في العديد من المهرجانات الثقافيه العربية و الدولية.

 

http://www.alarab.qa

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *