رحل الزغرتاوي الطيب «يعقوب الشدراوي» عن 79 عاماً منها 45 عام مسرح

معظم المسرحيين الشباب عبروا في مدرسته، لذا كان يصر كلما دعوه على جديد لهم أن يلبي الدعوة، رغم هزال جسمه، وعدم قدرته على الحركة، والمشي المريح، خصوصاً صعود السلالم.


لم يغيّر يوماً من لكنته الزغرتاوية التي عاشت معه 79 عاماً، لازمته في لبنان، وسافرت معه إلى موسكو ثم عادت مجدداً إلى بيروت من دون أن تفقد سحرها وخصوصيتها.
يعقوب الشدراوي، المخرج الكبير والرجل الطيب والرائع توفي عن 79 عاماً، إرتاح أخيراً من أوجاعه، والعلاجات التي لا تتوقف والعمليات والعقارات وكل ما يزعج في يوميات الإنسان، وكان يصبر، لكنه أخيراً لا بد من نهاية لكل هذا، فمنذ عدة سنوات والشدراوي يعاني بشدة، ويكظم وجعه وغيظه وضيق ذات اليد، لكنه كان أبياً ككل أهل المناطق الريفية في الحياة.
عانى على مدى 21 عاماً من المرض، وقلة العمل، والأوضاع السائدة، وكان يصبر ويبلغ المحيطين به بأن الفرج قريب، ولا بد للأيام أن تعوضنا ما فاتنا وتقدم لنا ما نشتهيه ونتمناه، وكنا كلما سألناه عن همته يرد ببساطة: الهمة مش موجودة فيه هالشبح بس. نعم كان عوده دقيقاً جداً. النحول كان سمة غالبة على جسده الذي لم يعد بعد ذلك يتحمل شيئاً.
ونتذكر أننا التقيناه عام 92 وهو يجري بروفات مسرحيته مع صديقه الراحل قبله بأشهر فقط أسامة العارف: يا إسكندرية بحرك عجايب، وكان إبتعد عن الخشبة كثيراً، وسألناه لماذا هذا الفاصل الزمني الطويل أستاذ يعقوب فرد: «عم نشتغل بطلوع الروح، من لا شيء عم نعمل شي. رح نموت ومش رح نقدر نشتغل مثل ما بدنا ووقت اللي بدنا».
الزغرتاوي الدمث، كان يحب الناس، الشعب، يتقرب من الجميع، ويريد من أي بشري أن يرأف بأخيه البشري، وضحك مرة وهو يقول: بيي كان معو حق ما يخليني إشتغل مسرح يا عمي الأهل أدرى بمصلحة أولادهم، لأنه كان يعرف لوين رح يوصلني المسرح، نعم نجحت وسعدت باللي اشتغلتو لكنو ما شبعني.
منذ البداية إعتمد على المراوغة لتعلم المسرح، وارتبط به، وبالفكر الشيوعي (كان إلى جانب الحزب وليس فيه) حيث درس في معهد الفن المسرحي في موسكو، وقدم بعد عودته إلى لبنان أولى مسرحياته: الثأر في لبنان، عام 59 راصداً قضية مصرع والده عن طريق الخطأ برصاص حي في طرابلس في ذكرى أحداث الـ 58، وكان نفذ أعمالاً مسرحية متميزة في البداية: بحب العدو، لولا المحامي، مارد صور.
حكاية فاسكو، للبناني جورج شحادة كانت مشروع تخرجه، وله سلسلة من المسرحيات اللافتة: المارسيلياز العربي، جبران والقاعدة، سبعون الأمير الأحمر، أعرب ما يلي، مذكرات مجنون (71) الطرطور (83) وموسم الهجرة إلى الشمال، سمك السلور، أبو علي الأسمراني، المهرج.
عمل 45 عاماً في المسرح بين عام التخرج 68 وعام الرحيل 2013، كما أنه مثل في العديد من الأعمال: تمارا، والبؤساء، وكرم قبل عامين في مسرح المدينة ضمن تظاهرة (50 يوماً 50 سنة)، وكان يبدو في غاية الكهولة والنحول وعرفناه خفيض الصوت، يضحك رغم أوجاعه وهزال جسمه، لكنه لم ينعزل ولا مرة، فكل الدعوات التي كنت تصله كان يلبيها، لم يخجل بشيء يوماً، ولم يختلف مع أحد، كان دمثاً يقول ما معه بأسلوب راقٍ وسرعان ما يبني صداقة.
غادرنا الزغرتاوي الطيب.
غادرنا المبدع، الذي تمتع مسرحياً واقنعنا، وتعذب جسدياً من أمراضه وأحوال البلد التي منعت المسرح من الحركة الحرة.
م. ح

http://www.aliwaa.com

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *