«المسرح المدرسي».. مـــواهب مميزة وأداء لافت

الأرض والصداقة والغرور، مفاهيم عميقة لا يدرك معانيها ولا يعرف قيمتها إلا من تعلمها واكتسبها في صغره، من هنا تكررت تلك الكلمات في مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي، كونه يربي ويعلم ويكوّن ويغرس في الطالب حب الوطن وقيمة الصداقة ويحذره من الغرور.

 

 

ولعل المسرح المدرسي يعد أحد الأنشطة المهمة التي تسهم في تنمية حاجات الطالب الأساسية، التي تتوازى مع حاجته إلى التعليم واللعب والمعرفة وتحقيق الذات، ما يؤدي إلى تكوين شخصية هذا الطفل، إذ إن المسرح يعد فناً جامعاً يتيح للتلميذ مساحة كبرى للتعبير عن نفسه وقدراته واكتشاف معلومات وقيم تضاف إلى تلك التي يغرسها البيت والمدرسة، من أجل بناء طفل سليم، ولبنة قادرة على الاستمرار في العطاء، وقادرة على التميز وتحدي كلالصعوبات، فالمسرح يعد مدرسة تربي وتعلم وتطور.

وربما لا يهتم الكثيرون بالمسرح المدرسي سواء المسرحيون أو النقاد، إلا أنه ذو أهمية كبيرة في تحقيق منظومة التكامل في الحراك المسرحي، على اعتبار أنه رافد أساسي لمسرح الطفل الذي يغذي مسرح الشباب والكبار، وبالتالي لا يجب الاستخفاف بالمسرح المدرسي، فلعل الأخير يعد من أخطر المسارح على الإطلاق، وذلك لأنه يستهدف شريحة كبيرة من الأطفال والذين يمرون بمرحلة التكوين المعرفي، وبالتالي هم يتعلمون من المسرح القيم والأخلاق.

مواهب مميزة

أساطير عربية

من الأساطير العربية قدمت مدرسة الحور للتعليم الأساسي مسرحية «عاقبة الغرور»، التي تدور أحداثها في الغابة بين النار والسمكة والنهر والفراشة، إذ تقتحم النار الغابة رغم انها في فصل الربيع، الأمر الذي أثار فزع الفراشات التي كانت تنظر إلى النار الضاحكة بذعر شديد وهي تقترب من الشجرة محاولة احراقها، حتى تجد نفسها أمام سمكة ترقص في النهر فرحة فتستشيط غضباً لأنها تريد أن تكون الوحيدة التي تفرح وترقص فيما الجميع يجب أن يخشاها، لكن السمكة الصغيرة تحدت النار لأنها سعيدة وفرحة في النهر، ولأن النار مصابة بالغرور، قررت أن تقضي على السمكة التي رفضت الخروج من النهر لمواجهتها بالتالي لم يكن أمام النار إلا ان تنزل النهر رغم محاولات النهر ردعها عن ذلك إلا أن غرورها قتلها.

 

مهرجان المسرح المدرسي كشف عن قدرات استثنائية لطالبات شاركن في عروض اليوم الثالث للمهرجان، ضمن مسرحيات العجوز والكوخ وذنب الحصان وعاقبة الغرور، إذ برزت الطالبة أمينة هاشم في دور العجوز والطالبة ريم الجاري في دور الملكة الأم من مدرسة البردي للتعليم الأساسي (الحلقة الثانية)، وحتى لا نهضم حق بقية الطالبات اللاتي شاركن في المسرحيات فيمكن القول إن معظم الطالبات تمكنّ من تقديم أداء تمثيلي جيد، بل إن بعضهن تفوق في تقمص الشخصية على خشبة المسرح، الأمر الذي أنجح العمل ورفع من مستواه.

وتميزت العروض باستخدام لغة عربية جيدة غالباً ما تغيب عن مسرح الهواة وحتى المحترفين الذين يميلون إلى العامية خوفاً من الوقوع في اشكالية التدقيق اللغوي، غير أن هؤلاء الأطفال تميزوا بالنطق السليم والاهتمام بمخارج الحروف واعطاء كل جملة حقها لدرجة تصل إلى اعادة الجملة مرتين ليتمكنّ من نطقها بصورة صحيحة، ما يدل على حرصهن على اللغة وسلامتها.

وتناولت المسرحيات في مجملها قيماً وأخلاقاً إنسانية، منها حب الأرض، كما ظهر في مسرحية «العجوز والكوخ» من تأليف الطالب محمد صابر وإخراج عبير أحمد، التي تناولت قصة العجوز التي تعيش في كوخها القديم بجانب قصر الملكة، ففي أحد الأيام كانت الأميرة الصغيرة تلعب مع وصيفتها أمام كوخ العجوز وبعد أن سقطت لعبتها على العجوز صرخت بها وطلبت منها ألا تعود مجدداً، ولكن الوصيفة أكدت لها أنها لا يجوز أن تتطاول على الطفلة الصغيرة لأنها الأميرة فلم تبالِ كثيراً بكلامها وعاودت تهديدها.

في تلك الأثناء شكت الأميرة لأمها الملكة ما فعلته العجوز، بل طلبت منها أن تطردها خارج كوخها، ظنت الملكة أن المال يصنع المعجزات وسيكون الحل الأمثل لطرد العجوز من خلال شراء كوخها بـ‬10 أضعاف قيمته، لكنها فوجئت برفض الأخيرة الانصياع لأوامرها وتمسكها بكوخها الذي تعتبره كنزاً يضم ذكريات الماضي وأمنيات المستقبل وكل ما تملك في الحياة، فالأرض هي كرامتها، ووطنها الذي لا يمكنها أن تفرط فيه بمال الدنيا، هنا تعترف الملكة بقوة منطق العجوز وحجتها، وتسمح لها بالبقاء في كوخها الذي هو رمز للوطن الذي لا يجب التخلي عنه.

قصص الحيوانات

معانٍ كثيرة ورسائل مباشرة قدمتها مسرحية «ذَنَب الحصان» من تأليف أحمد اسماعيل وأداء طالبات مدرسة الطلاع للتعليم الأساسي، منها مفهوم الصداقة التي باتت غائبة لدى كثير من البشر لتحل محلها صداقات قائمة على المصالح والمنافع، وهذا ما حصل للحصان الذي تخلى عن صداقة استمرت لسنوات جمعته بالديك والحمار ليبني صداقة جديدة مع الثعلب المكار والذئب الخائن. تدور القصة في غابة الحيوانات التي كانت تعيش بسلام رغم تهديدات الثعلب والذئب لهم، ومحاولاتهم القضاء عليها لتتمكن من توفير الطعام، ولأن الجميع صار يعرف هذا الثنائي الشرير، ويأخذ الحيطة والحذر منهما، فكرا في خطة جديدة يمكن من خلالها القضاء على تلك الحيوانات المسالمة، فلم يجدوا أفضل من طرق باب الصداقة المزيفة، ولأن الحصان طيب القلب فقد وقع ضحية لكذبهما وصدق عهد الصداقة الذي قطعاه بألا تخون ولا تعتدي على أصدقائها، لكن كعادة الثنائي المكار، نقضا عهد الصداقة لأنهما جائعان ولم يجدا سوى صديقهما الحصان لينقضا عليه رغم محاولاته تذكيرهما بالصداقة والعهود، إلا انهما لم يباليا كثيراً بالصداقة، حتى تدخل الحمار والديك وتمكنا من انقاذ صديقهما الحصان من الثعلب والذئب.

 

المصدر:

    سوزان العامري – الشارقة

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *