مهرجان مسرح المضطهدين “كسر صمت” الفلسطينيين

بدأت عروض مهرجان مسرح المضطهدين الفلسطيني في دورته الرابعة في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة تحت شعار ”إكسر صمتك وشارك بقصصك”.

وكان المخرج البرازيلي أوغستو بوال قد أسس لهذا النوع من المسرح التفاعلي في عام 1971 في محاولة منه لإشراك الجمهور في العروض المسرحية وخلق حالة من التفاعل المباشر ما بين الجمهور والمسرح بحثا عن حلول للمشاكل المطروحة في الأعمال المسرحية.

وإعتبر البرازيلي بوال، منذ تأسيسه لمسرح المضطهدين، أن المسرح نوع من أنواع المعرفة وأداة لتغيير المجتمع وبناء المستقبل عوضا عن انتظاره.

ويعمل مسرح عشتار الفلسطيني منذ عام 1997 على تطبيق نهج البرازيلي بوال من خلال دورات المهرجان المتعاقبة.

وعرضت تسع مسرحيات خلال أيام مهرجان مسرح المضطهدين في دورته الحالية، حيث أراد الممثلون من خلالها دعوة الجمهور من مختلف الفئات المهمشة والمضطهدة للحوار وكسر دائرة الصمت للمشاركة في رحلة البحث عن حلول لمشاكلهم في المجتمع، ويبدو أن الممثلين حققوا ذلك.

حضرنا واحدة من هذه العروض المسرحية، والتي حملت عنوان ”روز تكسر صمتها” وهي مسرحية مشتركة فلسطينية نرويجية تدور مشاهدها حول قصة البطلة ”روز” التي تعاني من الإضطهاد الأسري من أب ثمل طوال الوقت وأخوة يعاملونها بقسوة وأم يائسة من واقع أسري مفكك.

دارت أحداث المسرحية على خشبة مسرح عشتار في مدينة رام الله، وبحسب سيناريو المسرحية فإن البطلة روز”والتي نقلت نتيجة واقعها العائلي السيء إلى مصحة نفسية للعلاج، قررت أن تكسر صمتها أمام فريق تلفزيوني ينتج فيلما وثائقيا عنها من خلال تصوير بعض تجاربها القاسية مع عائلتها ليعرضه أمام الجمهور.

ومع انتهاء عرض المشهد الأول، سرعان أن تبادل الممثلون والجمهور الفلسطيني الأدوار، فشخصية ”الجوكر في المسرحية ” والتي تتولى إدارة الحوار بين الممثلين والجمهور، فتحت المجال للحوار المباشر مع الجمهور الحاضر و الذي كان من طلاب المدارس الفلسطينية، وهنا قررت الطالبة الفلسطينية هتاف ريماوي ابنة الستة عشر عاماً الصعود إلى خشبة المسرح لتمثيل دور ”روز المضطهدة” وأعادت تمثيل بعض مشاهد المسرحية و تعاملت مع شخصية ”الوالد الثمل” بأسلوب مختلف تميز بامتصاص غضبه، كما لعبت دور الوسيط اللبق بين الأم اليائسة وبقية أفراد العائلة.

وشعرت الفلسطينية هتاف الريماوي بعد عودتها إلى مقعدها بين الحضور أنها تعلمت كثيراً من هذه التجربة المسرحية وقالت لبي بي سي :”صعدت إلى المسرح بطريقة عفوية ولم أكن أعتقد بأنني أستطيع التثميل في يوم من الأيام، لكن المسرحية طرحت مشكلة واقعية للغاية وأتخيل أنني لو واجهت هذه المشكلة في حياتي اليومية سأتصرف بذات الطريقة”.

وأكد الحاضرون لمسرحية ”روز تكسر صمتها” أن الحاجز الوهمي بين الممثلين والجمهور تبدد بالفعل وأصبح المسرح منبراً تفاعليًا لعدد من المشاكل المجتمعية وكسر صمت الجمهور حولها.

سفاح القربى

شهد مسرح عشتار في مدينة رام الله كذلك على عرض مسرحية فلسطينية تميز موضوعها بجرأته لا سيما وأنها طرحت قضية ”سفاح القربى واغتصاب المحارم” في المجتمع الفلسطيني، ورغم تواضع إمكانيات المسرح واستخدام الممثلين لقطع أثاث بسيطة وزعت في زواياه إلا أن المسرحية كانت مليئة بالأحداث والمشاهد الواقعية والتي لامست مشاعر الحاضرين وتسببت في انفعال البعض وبكاءه حزناً على بعض المشاهد والتي دارت في ثلاثة أماكن، الأول منزل عائلة بطلة المسرحية ”مريم” والتي كانت ضحية أخيها ”حسن” الذي أعتدى عليها واكتشفت لاحقا أنها حامل في ثاني مكان في المسرحية وهو المستشفى الفلسطيني، فيما دارت بعض مشاهد المسرحية في كراج لتصليح السيارات حيث يعمل الممثل ”حسن” المعتدي على البطلة مريم.

وقد دفعت شدة التفاعل مع قصة المسرحية بالفلسطينية لبنى الأشقر لترك مقعدها بين الحضور والصعود لإعادة تمثيل المشهد المسرحي، تحديدا عندما قررت أم مريم، حماية ابنتها ومنع التعرض لها من بقية أفراد العائلة، بعكس ما فعلت الأم في مشاهد المسرحية والتي استسلمت الى قرار الأب والشقيق المعتدي بوجوب قتل ”مريم”.

وقالت الفلسطينية لبنى الأشقر لبي بي سي بعد إنتهاء العرض المسرحي ”شعرت برغبة جامحة في إيقاف هذا الظلم حتى ولو من خلال مشاركتي في مشهد مسرحي، أعتقد أن دور الأم في المجتمع مهم جداً تحديداً للتعامل مع مثل هذه القضايا الصعبة والمعقدة، إذا كانت الأم واعية ومتعلمة ومتمكنة بما فيه الكفاية بالتأكيد ستستطيع التعامل مع مختلف أنواع المشاكل”.

وأشارت مخرجة مسرحية ”حتى في بيتي” الفلسطينية إيمان عون أن هدف هذا العمل المسرحي التركيز على قسوة تجربة ”إغتصاب المحارم وسفاح القربى” ورغم السكوت عن هذه المشكلة إلا أنها تنتشر في المجتمع الفلسطيني كبقية المجتمعات العربية والأجنبية.

وقالت إيمان عون لبي بي سي ”من خلال مسرح المضطهدين وجهنا سؤال للجمهور الحاضر، إذا واجهتم نفس الموقف في حياتكم اليومية أو في حياة من هم حولكم، كيف ستتعاملون مع هذه المشاكل ؟ ما هو دوركم في حلها ؟ لكل واحد في المجتمع دوره الفعال والتغيير المطلوب لا يحدث من خلال قوانين هي ليست إلا حبراً على الورق أو داخل أروقة الحكومة، التغيير يبدأ من داخل كل فرد في المجتمع”.

وأعرب الفريق الفني لمسرحية ”حتى في بيتي” عن أسفه لما شهدته الأراضي الفلسطينية منذ مطلع العام الجاري بمقتل أربعة سيدات على خلفية ما يعرف ”بجرائم الشرف” وأكدوا أن التخلص من هذه القضية لا يتطلب فقط سن القوانين وتشريعها بل هو بحاجة كذلك إلى زيادة وعي وثقافة المجتمع الفلسطيني بكيفية التعامل معها وحلها بعيداً عن أساليب القتل والعنف.

التغيير في المجتمع

تناولت مسرحيات مهرجان مسرح المضطهدين في دورته الرابعة عددا من المشاكل المجتمعية والسياسية التي باتت تؤرق المواطن الفلسطيني، فبالإضافة إلى قضايا العنف والتحرش الجنسي وسفاح القربى، طرحت مسرحيات المهرجان قضايا الصحة العقلية والزواج المبكر والعنف في المدارس وحاولت من خلال الأسلوب التفاعلي ما بين الممثلين والجمهور من المجموعات المهمشة في المجتمع وطلبة الجامعات والمدارس الفلسطينية، إيجاد الحلول وخلق حوار ديمقراطي لإحداث التغيير الايجابي في المجتمع.

وقال إدوارد معلم مدير مهرجان مسرح المضطهدين ومسرح عشتار الفلسطيني لبي بي سي ”نعمل في مجال مسرح المضطهدين منذ عام سبعة وتسعين ونحن على يقين أن المجتمع الفلسطيني بحاجة إلى جهود جبارة وعروض يومية من هذا النوع من المسرح كي نشعر بالتغيير الفعلي، والذي لن نشعر به مباشرة فالتغيير يأتي بجهد تراكمي ويحتاج إلى وقت، لكننا لاحظنا أن الجمهور بدأ يتغير بالفعل ويتقبل أكثر المواضيع المطروحة على خشبة المسرح”.

وتستمر عروض المسرحيات التسعة المشاركة في مهرجان مسرح المضطهدين حتى الحادي عشر من شهر مايو / أيار المقبل في مختلف مخيمات ومدن اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

إيمان عريقات

بي بي سي – رام الله

http://www.bbc.co.uk

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *