كتاب “الآخر في المسرح العماني ” يحاول تتبع صورة “الآخر” الواردة في نصوص مقسمة لعدة مباحث علمية

يسعى الكِتابُ إِلَى مد جسور اَلتَوَاصل مع الآخر من خلال الاقتراب من إِنتاجه للمادة المصدرية من النصوصِ العالميّة والعربِيِة والخليجيِة قراءات في واَقع النصوص المسرحية المكتوبة، والعروضِ التي قدمت على خشبات المسرح العماني

قدم مجلس إدارة الجمعية العمانية للمسرح لكتاب “الآخر في المسرح العماني” لـ د.سعيد السيابي و د.كاملة الهنائية بالقول إن موضوع المسرح موضوع محوري، واختيار (الآخر) من مهمات معرفة حجم المسرح في أي مكان. 

وإذا كان المسرح انعكاسا من الآخر في تقييمه وتغيره واستمراره؛ فإن (الآخر) هو مقياس الفعل المسرحي؛ (والنص) هو العمق الذي يرصد مدى تدرج ارتقاء المشاهد، وتذوقه للفعل المسرحي الذي يبني عناصره؛ من خلال السؤال الذي يتبادر كثيرا عند المترصد لحركة المسرح في أي مكان. 

وهذا الكتاب خير شاهد لما قدّم خلال مسيرة المسرح في عماننا الحبيبة، وما يقرأه الكتاب ليس تأريخا؛ وإنما قراءة بنيوية حول المدارس والأساليب والتنوع الذي قدّمه المسرح من خلال المشتغلين عليه في كل عناصره؛ التي تبدأ من الفكرة حتى إغلاق ستارة النهاية.

وقد حرصت الجمعية العمانية للمسرح ضمن نشاط إدارتها التي استمرت في الفترة (2011-2013) أن تقدّم – مع ما قدّمته من حراك ومشاركات في الفعاليات والورش – نتاجا حقيقيا يستفيد منه المتابع والمهتم والدارس في تاريخ وعطاء المسرح العماني. 

كما تؤكد الجمعية مساهمة الآخر في المشاركة في هذا العطاء الذي تؤمن أنه يتدفق من خلال المشتغلين على المسرح من كتّاب ومؤلفين ومهتمين؛ يتحفون بعطائهم الأدبي خشبة المسرح في تجلياته وتقنياته؛ لإثراء المكتبة العمانية بأدب المسرح. 

وتتشرف الجمعية أن يكون هذا الكتاب باكورة إنتاجها الأدبي، ويسرها أن تتقدم بخالص الشكر إلى الدكتورة كاملة بنت الوليد الهنائية والدكتور سعيد بن محمد السيابي؛ لما قدّماه من جهد كبير في تأليف هذا الكتاب القيم، الذي سوف سيكون إضافة جديدة في مكتبة المسرح العماني.

محتوى الكتاب
أما ما يمكن قوله عن محتوى الكتاب الذي يقع في” 253 “صفحة وصدر عن بيت الغشام للنشر والترجمة فقد لخصه د.سعيد السيابي بالتالي: “إطار الموضوع مبني على قراءات في واقع النصوص المسرحية المكتوبة، والعروض التي قدمت على خشبات المسرح العمانيّ، إذ شكّل الآخر تحديا لأزّمة قناعات المؤلفين والمخرجين؛ نتيجة تؤيدها كثرة الشواهد الدّالة على درجات حضوره، رغم صعوبة تقصي كل ما كتبه المؤلفون العمانيون عن الآخر؛ لغياب الكثّير من النصوص والعروض المسرحية العمانية عن التوثيق والأرشفة من قبل المؤسسات والفرق الأهلية؛ وحتى المشّتغلين في هذه النصوص والعروض أيّضا. 

وهناك العديد من الأسئلة التي تطرح حول العلاقة بالآخر الغربيّ والعربيّ والخليجيّ، سيّما التباين الصّارخ بيّن التحضّر الغربي والتخلف العربي؛ فغالبا ما تصاحب بعّض السّلوكيات والشخّصيات التي يقوم بها الآخر على شكل بنية فانتازية.

لذا كان محتوى هذا الكتاب إبحار في الكثير من المنّجز المسرحي الذيّ انطلق على أرض سلطنة عمان، وساهم في تقديمه وكتابته مجموعة من المبدعين، إذ المسرح العماني كغيّره من المسارح العربية والخليجية؛ استفاد من وجود الآخر، وإنتاجه، وتفاعل معه، وشكل مع الآخر إضاءات مشرقة في تاريخه الفنّيّ. وثمة عناوين لفصول هذا الكتاب خصصت حسب ما توفّر من مادة علمية بيّن ثنايا النصوص.

كان التمهيد في بداية هذا الكتاب تحت عنوان (الآخر: المصطلح والمفهوم)؛ لفهم الدعامة التي يقوم عليّها وجود الآخر القديم قدم وجود الإنّسان على هذه الأرضّ، والتنوع والتمايز بيّن الآخر من خلال تتبع المعاجم والقواميس والتعريفات التي تناولت الآخر بالدراسة والتّحليل.

وجاء الفصل الأول تحت عنوان (الآخر مؤلفا في المسرح العمانيّ)، وفيه رصدت مجموع المسرحيات المؤلفة من الآخر؛ والتي قدمت على المسرح العمانيّ، فقسّم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث تناولت الآخر الغربيّ، والآخر العربي، والآخر الخليجيّ؛ من خلال رصّد حجّم ونوع وأهم الأسماء من المؤلفين؛ الذين قدّمهم المسرح العمانيّ خلال تاريخه الممتد من السبعينات حتى عام 2012. 

وحمل الفصل الثانيّ عنوان (الإعداد من الآخر في المسرح العمانيّ)، وفيه رصدنا الإعداد من الآخر في المسرح العماني. وطرحت العديد من الأسئلة حول: لماذا يلجأ المسرحيون في أعمالهم المسرحية للإعداد سيما المخرجين منهم؟. وقسّم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث رئيسة، هي: الإعداد عن نص مسرحي طبق الأصل، الإعداد عن أكّثر من نص مسرحي، وأخيرا الإعداد عن فكّرة نص. وقدّمت فيه نماذج عن كل عنصر على حده، إضافة إلى عرض مجموعة من النصوص التي تنتمي إلى كل مبحث.

الفصل الثالث كان بعنوان (صورة الآخر في المسرح العمانيّ)؛ وفيه تتبعنا صورة الآخر الواردة في بنية النصوص المسرحية من خلال تقسيمها للعديد من المباحث؛ كصورة الآخر المستعمر، وصورة الآخر الخبير، والمستثمر، وصورة الآخر كزوجة، وأبناء أجانب، وأصدقاء، وصورة الآخر كعمال أجانب، وخصّص مبحث لصورة الآخر كمربية أطفال وعاملة منزل؛ لتكرارها وحضورها في كثير من النصوص المسرحية العمانية.

ختاما؛ يسعى هذا الكتاب إلى مد جسور التواصل مع الآخر من خلال الاقتراب من إنتاجه للمادة المصدرية من النصوص العالميّة والعربية والخليجية؛ التي قدّمت وانتجت في المسرح العمانيّ، ومن خلال شرح صورته بحيادية من خلال تحليل النصوص المسرحية العمانية المكتوبة عن الآخر، وفهم طبيعة هذه الصورة، والاشتغال على تقييمها من خلال النماذج النصّية.

يقول الكاتب الكبير توفيق الحكيم في كتابه (قالبنا المسرحي): “إنّ الفنّ يبدأ من النقل وينتهي إلى الأصالة”، وها نحن نتجه نحو دراسة الآخر الغربيّ والعربي والخليجي، وهم اليوم بالنسبة لنا كتّابا أصيلين أثّروا على مسرحنا بفكرهم وجهدهم الذي قدّموه للإنسانية، واستفدنا منه كمسرحيين عمانيين في إنتاج أعمال من مختلف الاتجاهات والمدارس الفنية؛ لما في ذلك من تعزيز لتقديم مسرح راق بهزله وجدّه؛ لذلك فمن الأهمية للكاتب المسرحي العماني الاستفادة من جميع المصادر وتوظيفها في أعمال مسرحية تربط المتفرج بتاريخه وتراثه؛

إضافة إلى أنها قد تكون انعكاسا لحاضره الذي يعيشه؛ لأنّ فيها الكثير من القيم والمبادئ التي تذكر المرء بتاريخه وتراثه وتواصله القديم والحديث مع الآخر، إلى جانب ما يحمله إنتاج الآخر من أفكار ومبادئ وقيم لها ارتباط بالواقع، والقضايا المعاصرة التي يتفاعل معها المتفرج والجمهور العمانيّ.

إن ملامح بدايات وجود الآخر في المسرح العماني هو ما تم توثيقه حول تاريخ المدارس السعيدية الثلاثة، إذ ارتبطت البدايات الأولى للنشاط المسرحي في سلطنة عمان بالمؤسسة التعليمية، فقد ظهر المسرح لأول مرة في المدارس السعيدية الثلاث (المدرسة السعيدية في مسقط ــ المدرسة السعيدية في مطرح ــ المدرسة السعيدية في صلالة) التي كانت موجودة في السلطنة قبل عام 1970، 

وكانت هذه المدارس تقدم تمثيليات قصيرة بالعربية الفصحى أو باللغة الإنجليزية، وطبيعة هذه الأعمال الدرامية تعليمية في المقام الأول، إضافة إلى المسرحيات التاريخية؛ قدمت أيضا مسرحيات من المنهج المدرسي، التي كان الهدف منها نقد بعض السلوكيات، والعيوب الأخلاقية في قالب كوميدي بهدف الوعظ والإرشاد؛ لكن ظلت هذه العروض حبيسة جدران هذه المدارس ولم يتسنّ للكثيرين مشاهدتها.

ومن بين أشكال حضور الآخر في المسرح العماني ما يلي: الآخر مؤلفا والإعداد من الآخر وصورة الآخر كالمستعمر أو المحتل، الخبير والمستثمر، الزوجة الاجنبية وأبنائها، عاملة المنزل، عمال اجانب، سائح وضيف في البرامج التلفزيونية، والمرأة الاجنبية المتسولة. 

ففي فترة السبعينيات إلى لحظة إنجاز هذا الكتاب في العام 2013م ظهرت شخصيات كثيرة، وصور أخرى للآخر مع تطور المجتمع، ونموه المتسارع، وانفتاحه على وسائل الاتصال الحديثة؛ التي قرّبت الصورة أكثر، ومنحت فرصة للاطلاع على تجارب عالمية كثيرة في مجال الكتابة المسرحية.

إن كل ما ذكرناه سابقا من أشكال التأثير والتأثر بالآخر في المسرح العربي والعالمي؛ جاء من حرص الباحثين على إبراز المحاولات والجهود في مجال المسرح؛ لتقديم تجارب مسرحية مستقبلية نتمنى أن تظهر بشكل أوسع على المسرح العماني، هذه التجارب التي إذا أعدت جيدا فإنها ستجد الجمهور المسرحي القادر على التفاعل معها دائما. 

ويطالب الباحثان بأهمية الاستفادة من التجارب المسرحية العربية والعالمية، إذ إنه في الوقت نفسه يطالبان بأهمية المحافظة في إظهار صورة الإنسان والمجتمع العماني وتاريخه وتراثه في المسرحيات، وأن يمزج ما بين المحافظة على الهوية والأصالة العمانية في تلك المسرحيات والعروض؛ وما بين الاستفادة من تجارب الآخر المسرحية في كل جانب من جوانب المسرح المختلفة؛ وتطبيق الاتجاهات المسرحية الحديثة والتي بدورها ستعزز رفع المستوى الثقافي والفكري لجماهيره.

 

مسقط – ش

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *