المسرح العماني يعيش الحنين إلى الماضي ويتطلع قدما للمستقبل عبر الـ “واتس أب”!

حضور قليل، غياب تام للمختصين، فقرات متقطعة، تحضير قليل، ودعوات حضور لم تسلم من الأخطاء، حدث كل ذلك في يوم واحد، ليعكس الشعور العام بما آلت إليه الأمور حول وعلى وخلال وما وراء المسرح، كل ذلك كان يمكن قراءته ببساطة في حفل الجمعية العمانية للمسرح باليوم العالمي الـ51 لـ “أبو الفنون”، حتى حفلي التذكير بل إن شئتم تأبين الراحلين (سعد القبان وعمر المشيخي) سبق وتم عرضها في مهرجان الخليج المسرحي الذي استضافته صلالة، لكن ما هو جديد احتفال الجمعية بيوم المسرح العالمي ؟..

الجديد هو رسالة ضمنية يمكن الخروج بها بتصريح ناري قاله الفنان طالب البلوشي مفاده إن المسرحيين العمانيين لا يحتاجون من يعمل من أجلهم، ولهذا تم تسليم الراية مبكرا لجيل جديد من الشباب، وهم أربعة شبان جدد قاموا بتمثيل “الاسكتش” الذي أعده البلوشي بنفسه وأخرجه، وهو الفقرة الوحيدة المميزة في الحفل على بساطته، لكن فكرته لافتة، ومن ثم قام الشاب أحمد السيباني بتلاوة كلمة الإيطالي داريو فو، وعليه وبالمحصلة هو حفل شابّ يمهد لجيل شابّ، قد يتسلم عهدة تكملة مواصلة مشوار الجمعية التي بدأت تنافس يوفنتوس الفريق الإيطالي على لقب “السيدة العجوز”، مع أنها في مرحلة الشباب طبقا لتاريخ إنشائها الحديث على الأقل، لكن رئيسها أحمد بن سالم البلوشي الذي كان في الشارقة ولم يعرف بما في الحفل وشاهده مثل الحضور حتى طلب منه المشاركة في تقديم كتاب “الآخر”، نقول إن رئيسها أعلن لـ “الشبيبة” بأنه لن يعاود الترشح من أجل رئاسة الجمعية، وهو ما أكده أيضا أمين سرها طالب البلوشي لأسباب عديدة يلخصانها بعبارة “تركهما لحياة فنية واجتماعية طويلة لجني النقد والخلافات ووجع القلب”، ولهذا فهما يريدان شراء صحتهما وعائلتيهما وما تبقى لهما من حياة فنية واجتماعية، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لمشاركة شبان كانوا بالأمس القريب يطالبون بحصة في دور الجمعية، ويبدو أن نَفَسَهُم قد انقطع قبل استعماله حتى جراء ما عرفوه من وضع بائس فاكتأبوا، ونام المسرح.

لمسات وفاء

رحيل الفنان سعد القبان عن عالمنا بعد صراع مع المعرض وغربته التي أبعدته كثيرا عن مسقط عاشها في مدينة العين، مهّد لحديث حميم وحزين جاء عبر شهادتين قدمهمها مسرحيون عن الراحل سعد القبان بداية، وتاليا شهادات أخرى عن الراحل عمر الشنفري، الحديث استفاض وذكر مناقب عدة أبرزها الشهامة وروح الدعابة وحسن الخُلق في الراحلين والفيلمين التسجيليين أعادانا إلى أيام جميلة، وإضاءات مهمة على فترة كان فيها القبان متلألئا على خشبة المسرح وأمام كاميرات مخرجي الدراما المحلية، خاصة في (جمعة في مهب الريح) و(تبقى الأرض) و(آباء وأبناء) والجزء الأول من (الكنز)، وكذا الشنفري الذي كانت المادة الفيلمية الأرشيفية عنه أقل، وهذا خطأ يتحمله البعد الجغرافي بين مسقط وصلالة غالبا.

كلمة الجمعية

“كل عام وأنتم بألف خير، كل عام والمسرح بألف ألف خير، بأنفاسكم الجادة وعطاءاتكم المحبة”.. تحية وجهها الفنان طالب محمد للحضور في احتفالات الجمعية العمانية للمسرح، التي تشارك بها مسرحيو العالم عيدهم الـ 51، على مسرح الكلية التقنية العليا، في احتفائية مسرحية فنية رائعة، رعاها عضو مجلس الشورى عن ولاية بوشر سعادة م. سالم بن محمد بن خليفة البوسعيدي.

المسرح هو الحياة، إنه لمن دواعي سرورنا أن نحتفل باسم الجمعية العمانية للمسرح في هذا اليوم، بعيد المسرح والمسرحيين الـ 51.. في القريب العاجل وفي خليجنا العربي، بل وفي وطننا العربي كله، قدم المسرح العديد من الصور، من خلال المهرجانات على مستوى مسرح الطفل والشباب والهواة والمحترفين، حملت في طياتها رسالات إنسانية إلى العالم، صورتها السلام، فالسلام الرسالة السامية التي ينشدها العالم، رغم هذا الجو من التوترات التي يمقتها الكثير منا، مع أنها في تقييمي تصنع الحراك والحياة منذ بدء البشرية على وجه الأرض، وهذه حكمة الخالق العالم بكل شيء.

المسرح هو الحياة، والحياة هي المسرح، فمن خلال هذه النافذة نشاهد أنفسنا، ومن خلال هذا الفعل نقيّم أنفسنا، ومن خلال هذه الصورة نرسم غدنا، فقد كان المسرح ومازال لغة الشعوب، وحتى الحالات الإنسانية، فالمسرح بدا صامتا ثم صرخ، فعاد يتبلور في مدارس مختلفة وتسميات مخترعة، ليبقى على مر الزمان لا يتغير اسمه، وبقي مسرحا مع كل تلك العناوين.

في المسرح ونحن نحتفل بهذا اليوم بعيد المسرح والمسرحيين، نرفع صوتنا، نطلب للمسرح الوجود والاستمرار بعطاءات المشتغلين عليه، مع تعاقب الأجيال وتراكم العطاءات.

في هذا اليوم دعونا نشكر كل من وضع لبنة للمسرح في عُمان، لاستمراره منذ المدارس إلى المحاولات البسيطة، إلى الاشتغال على تقدمه إلى تبنيه رسميا، فاستمراره حتى اليوم.

باسمنا جميعا كمسرحيين، وباسم الجمعية العمانية للمسرح، نقول للمسرح والمسرحيين في هذا اليوم، كل عام وأنتم بخير؛ لأنكم أنتم الخير في العطاء لهذا المسرح”.


رسالة عالمية

معروف أن رسالة المسرح باتت سُنّة يتناقلها في كل عام شخصية عالمية شهيرة، وهي كانت هذه المرة المسرحي الإيطالي داريو فو، وترجمها للعربية كاتب سوداني وجاء فيها كما تلاها الموهوب أحمد السيباني:

“منذ زمن سالف بعيد، حلت قوة التعصب عدم تحملها لممثلي الكوميديا الهزلية بطردهم إلى خارج البلاد. واليوم يواجه الممثلون وجماعات المسرح الصعوبات في العثور على المسارح العامة ودور العرض وحتى المشاهدين، كل ذلك بسبب الانهيار الاقتصادي؛ لذلك لم يعد الحكام مهتمين بأمر السيطرة على أولئك الذين يعبرون عن أنفسهم بالسخرية والتهكم، طالما لم يعد هناك من مكان للممثلين، بل ولا يوجد جمهور لمخاطبته.

على النقيض، ففي أثناء عصر النهضة، وفي إيطاليا، كان على أولئك الذين في الحكم أن يبذلوا جهدا مهما لكي يحملوا ممثلي الهزليات ليبعدوا بعيدا عن جمهور كبير استمتع بعروضهم كثيرا.

لقد بات معروفا أن النزوح الجماعي الواسع للاعبي الكوميديا المرتجلة حدث في قرن الإصلاح الذي أمر بتفكيك كل خشبات المسارح خصوصا في روما حيث اتهم الممثلون بإهانة المدينة المقدسة. لقد أمر البابا الثاني عشر في العام 1697م، تحت ضغط الطلبات الملحة من الفئة الأكثر محافظة من البرجوازية ومن الدعاة الرئيسيين لرجال الكنيسة، بهدم مسرح توردينونا الذي، طبقا لفلاسفة الأخلاق، قد نظم العدد الأعظم من العروض غير اللائقة.

في عصر الإصلاح ألزم الكاردينال كارلو بروميو، الذي كان نشطا في شمال إيطاليا، نفسه بإصلاح “أطفال ميلانو”، إذ فَرّق بوضوح بين الفن باعتباره الشكل الأعلى للتربية الروحية، وبين المسرح باعتباره مظهرا للتجديف والهباء. وفي رسالة موجهة إلى معاونيه، التي اقتبس منها الخلاصة، يعبر عما يدور في نفسه كما يلي:

“في اهتمامنا باستئصال النبتة الضارة الشريرة، بذلنا أقصى ما يمكن لحرق النصوص التي تحتوي خطابات سيئة السمعة لمحوها من ذاكرة الرجال، وفي الوقت نفسه لمحاكمة أولئك الذين أباحوا طباعة مثل هذه النصوص أيضا. من الواضح، على أية حال، إنه بينما كنا نحن نياما، كان الشيطان قد عمل بالخداع من جديد؛ فكيف يكون اختراق الروح أكثر بكثير مما يمكن أن ترى العيون، ومما يكون قد تمت قراءته من مثل تلك الكتب ؟! كيف يمكن أن يكون التدمير لعقول المراهقين والبنات الشابات بواسطة الكلمة المنطوقة والإيماءة الملائمة أكثر بكثير من كلمة ميتة مطبوعة في كتب ؟! لذلك، فإنه من الضروري تخليص مدننا من صناع المسرح، كما نفعل بالأرواح غير المرغوبة.

وعليه، فالحل الوحيد للأزمة يكمن في الأمل بتنفيذ إقصاء واسع منظم ضدنا، وخصوصًا ضد الشباب من الذين يرغبون في تعلم فن المسرح: شتات جديد للكوميديان، لصناع المسرح، الذين يستخلصون من مثل هذا العبء الثقيل منافع مستحيلة التصور بلا شك لأجل تمثيل وتشخيص جديد.

اسكتش “واتس أب”

استخدم طالب البلوشي التقنيات الحديثة لطرح تساؤل متجدد ومحدث إن شئتم، ويتعلق حول ظروف المسرح سابقا وحديثا، حيث كان الإشعاع في السبعينيات والثمانينيات وكانت الجوائز ثم الانحدار والغياب، وقدم “الاستكتش” شابان موهوبان ومثلهما من جمعية الصم والبكم. كما تم تدشين كتاب (الآخر في المسرح العماني) بحضور مؤلّفَيه د. كاملة بنت الوليد الهنائية، د. سعيد بن محمد السيابي، وهو الإصدار الأول للجمعية العمانية للمسرح

 

مسقط – رأفت ساره

http://www.shabiba.com

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *