«خلطة ورطة» .. احتراق «الجدر» على نار الانفتاح

برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تختتم اليوم فعاليات الدورة «23» لأيام الشارقة المسرحية، وذلك في تمام الساعة السابعة مساء بقصر الثقافة بالشارقة.

طبخة لم تكتمل

وكان جمهور أيام الشارقة المسرحية قد تفاجأ، أول من أمس، بعد مشاهدته لعرض “خلطة ورطة” لمسرح أم القيوين، بإسقاطات فنية ودرامية، رأى بعض المتابعين أنها غير متقنة تماماً من المخرج محمد العامري الذي عرف بإبداعه طوال سنوات مضت، مبرراً ذلك بأن طبخته المسرحية لم تكتمل، مثيراً تساؤلات حول جدوى التبرير بعد أن فقد العمل، برأي البعض، السمة الجمالية وتطور البناء الدرامي، وهل ما حدث يرجعنا إلى مفهوم الاستسهال من قبل الفرق المسرحية في التعاون الجاد والمتكامل القائم على الإبداع الجماعي، وأن المخرج لا يتحمل وحده مغبة الخوض في الاشتغال على توفر كافة الإمكانات والأدوات الفنية.

ولكن بالمفهوم العام، يمكن القول إن تفاحة الإبداع قد سقطت هذه المرة من سلة العامري، رغم الشراكة النوعية بينه وبين الكاتب المسرحي إسماعيل عبد الله.

وصفة جديدة

قراءة البعد الثقافي والاجتماعي لعرض “خلطة ورطة” يعد ضرورة، خاصةً أنه تطرق للبوح بإشكاليات الانفتاح والتركيبة السكانية، وتأثيرها في النسيج المجتمعي، وتبدأ الفكرة بمطبخ يملكه أخوان، أصر أحدهما على الالتزام بالطبخة الشعبية الأصيلة، أما الثاني، ففضل إعداد وصفات جديدة ممزوجة ببهارات ومقادير مختلفة، تحقق لهما المزيد من الانفتاح على زبائن متعددين، وبالتالي، تحقيق المزيد من الربح والشهرة.

ويتصاعد الحوار بين الأخوين مسبباً خلافات توشك أن تفصل بينهما، ولكنهما يتفقان أخيراً على استكمال رحلة الطبخ مع الوصفات الجديدة.

سقوط العرض

فكرة محمد العامري، المعروف بإعداده للسينوغرافيا ورسم تفاصيلها بدقة، خلاقة، لكن في حيز التطبيق، كما يرى بعض المتابعين للعرض، ظهرت هفوات على مستوى الإيقاع العام للعرض، الذي اعتمد على الحوارات بين الممثلين، عوضاً عن الصورة البصرية التي اشتهر العامري بها، إلى جانب إمكانات الممثلين الذين شاركوا في العرض، أبرزهم إبراهيم سالم وسعيد سالم، إلا أن حالة تطور الحدث والشخصيات، لم تكن بارزة على السطح، بينما امتلأ الجو العام بالضجيج وإلإيحاءات الثانوية.

أبعاد السينوغرافيا

مشاهدة قِدر كبير، المعروف محلياً بـ “الجدر”، في وسط خشبة العرض، صورة جمالية، عززها مستوى الإضاءة السفلية، في ظل سينوغرافيا انتصرت على واقع العرض.

الصنعة الإخراجية

المبالغة الموضوعية في المضمون، ويقصد بالمبالغة، أن العرض في حبكته الدرامية قدم وجهتي نظر مختلفتين تماماً، بعيداً عن أي حل في المنتصف، بمعنى أن كلا من الأخوين حمل بعداً متطرفاً، بين الانفتاح الكامل أو الانغلاق الضيق، دون توضيح قطب ثالث يتبنى فكرة التعايش والشراكة مع الآخر من دون الإخلال بقواعد نسيج المجتمع وقيمه ومبادئه، بينما ظهرت من خلال الحبكة الدرامية أسئلة جدلية حول ماهية حضور تلك الفئة المعنية بالتفاعل مع الآخر، والمحافظة من جهة أخرى على تاريخها وثقافتها، وفسر ذلك ضياع ورقة الوصفة الصحيحة للحياة في ظل مفهوم خاطئ حول المواطنة، لينتهي العرض باحتراق الطبخة في القدر الكبير، صانعاً بها العامري عبر موسيقا تراثية وأخرى مستمدة من موسيقا الراب المعاصرة.

مبررات

الكل انتظر في الندوة التطبيقية لمسرحية “خلطة ورطة”، مبررات المخرج محمد العامري حول ما وصفه بعض المتابعين بأخطاء فنية، بينما اكتفى العامري، بكلمة “ظروف”، مبيناً أن طبخة العمل لم تكتمل فنياً ، متمنياً أنه في حالة اختياره للموسم المسرحي، سيعمل على تعديل مقومات العمل التقنية على مستوى النص والسينوغرافيا، معتبراً أن عمله على مسرحية “أنت لست كارا”، التابعة لمسرح الشارقة الوطني، والمشاركة في المسابقة هذا العام، ليست تعويضاً عما حصل في مسرحية “خلطة ورطة”، بل تجسيد لنص تبنى فكرته منذ زمن.

حفل الاختتام

ويتضمن حفل الاختتام كلمة لسعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، باسم الدائرة واللجنة العليا للأيام المسرحية، وسيتم تعميم كلمة اليوم العالمي للمسرح التي كتبها المبدع المسرحي «داريو فو»، وقراءة لتقرير لجنة التحكيم التي يرأسها د. جان داوود (لبنان)، وتوزيع جوائز المهرجان.

تجدر الإشارة إلى أن أيام الشارقة المسرحية لهذا العام بدأت يوم 17 مارس الحالي، واستمرت على مدى الأيام الماضية، حيث شاركت فيها 14 فرقة مسرحية محلية، إضافة لفرقة عربية (لبنان)، كونها الفائزة بمسابقة أفضل عرض مسرحي عربي لعام 2012 (مسرحية الدكتاتور)، في مهرجان الدوحة الذي نظمته الهيئة العربية للمسرح، ومن العروض المشاركة، تقدمت 10 عروض للمسابقة في «الأيام» التي صاحبها ملتقى فكري، إضافة لندوات تطبيقية تلت العروض، ومعرض كتاب مسرحي،

ومعرض تصوير ضوئي، ومعرض فنون تشكيلية، ولقاء لمديري المهرجانات المسرحية العربية، وورشة لأوائل المسرحيين في البلدان العربية، إضافة إلى برامج ثقافية ومنتديات تم فيها تقديم إبداعات شعرية لمسرحيين، وجلسة ذكريات لمسرحيين، كما شهدت الأيام تكريم شخصتين مسرحيتين: الفنان عبد الحسين عبد الرضا (الكويت)، والفنان مرعي الحليان (دولة الإمارات العربية المتحدة). ويتزامن الاحتفال مع مناسبة اليوم العالمي للمسرح الذي يحتفل به العالم.

 

فريق عمل «ندب السموم»: نستحق الدخول في المسابقة

بحث أعضاء فريق مسرحية “ندب السموم” لمسرح كلباء، ماهية أسباب عدم دخول المسرحية إلى مسابقة مهرجان أيام الشارقة المسرحية، بالرغم من أهمية المطروح في النص، لافتين إلى أنهم سعوا لفهم جدليات خروجهم من المسابقة، مؤمنين بأنهم لا يستحقون ذلك، وأن الجهود التي بذلت من قبل العاملين في المسرحية من ممثلين شباب، يستحق قراءة دقيقة من اللجنة المنظمة ولجان التقييم.

مجهود

وقال مخرج العمل عارف سلطان: “قدمنا نصاً مبدئياً للعمل، وأرفقناه بعدها بنص نهائي بعد التعديل، وفي البداية، رحبت لجنة المشاهدة بالعمل، وقدمت لنا بعض النصائح حوله، ولكن بعدها تم رفض دخول العمل في المسابقة، رغم وضوح فكرة النص المبني على الوحدة والجماعة، والتصدي لأي أفكار أو مغريات تهز مبدأ الوحدة. وفعلياً، أريد هنا التأكيد على أهمية متابعة تلك اللجان المتخصصة لمجهود الشباب المشاركين والتدقيق في ما سيقدمونه، لأنهم يمثلون خامة نوعية تستحق التشجيع، وأن يكون التقييم غير مرتبط بدخول أو خروج المسرحية من المسابقة”.

حضور للشباب

يتميز العرض بحضور متميز لشباب يافعين، امتلكوا لياقة عالية في التفاعل مع الخشبة، وأوضح المخرج عارف سلطان أنه تم تدريبهم على مدى 4 إلى 5 أشهر لتقديم هذا العرض، وبالرجوع إلى ممارستهم المسرحية، فإن الشباب اليافعين يقدمون لوحات مسرحية قصيرة في الاحتفاليات بأيام التراث وغيرها، كما لهم حضور دائم في مهرجان المسرح المدرسي في الشارقة. وبالنظر لمستوى مسرحية “ندب السموم”، فإنها قدمت نماذج لمواهب تحتاج إلى المزيد من الاشتغال والتبني، وتعود كتابة النص إلى الشاب محمد الشلبي البالغ من العمر 19 سنة، الذي بين أنها تجربته الأولى في الكتابة، ويسعى إلى تقديم الأفضل في السنوات القادمة.

مخلوف بوكروح: الصناعة الإعلامية ساهمت في عزلة المسرح

اكد المسرحي الجزائري د. مخلوف بوكروح، ان الصناعة الإعلامية ساهمت في عزلة المسرح المتخصصين في المسرح الجزائري، وذلك على هامش مشاركته في الملتقى الفكري المصاحب لأيام الشارقة المسرحية في دورته الحالية. حيث حاورته “البيان” حول أهم ما يشغل بال المسرحيين العرب في الوقت الحاضر وعلى الخصوص انحسار المسرح أمام تقنيات وسائط الاتصال الحديثة

هل يمكن الحديث عن مسرح في ظل تزايد تقنيات وسائل الاتصال؟

لا بد للاجابة على هذا السؤال أن تبدأ من فحص طبيعة المسرح كفن وظاهرة اجتماعية. الدراما أو ما نطلق عليه “الحدث المحكي” يعمل على إعادة تمثيل الحوادث الماضية سواء الحقيقية منها أو الخيالية. ويمكن القول أن المسرح يستمد بقاءه من أنه عبارة عن فن أبدي يُعاد إنتاجه وتجديده إلى ما لا نهاية.

مسرح وطني

ما مدى حيوية المسرح الجزائي حالياً؟

المسرح الجزائري وطني وشعبي يخاطب الأغلبية الساحقة من السكان لأن موضوعاته مستقاة من تفاصيل الحياة اليومية، كما أنه ارتبط بنضالات الشعب الجزائري ومن هنا تنبع خصوصيته.

لكن ألا تخشى على هذا المسرح من هيمنة الاعلام؟

من المؤكد أن المسرح قد ازيح إلى الهامش بفعل التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال الجماهيرية بحيث أصبحنا نعيش في بيئة مشبعة بالاعلام لكنها خالية من المعنى.

هل هذا هو السبب الرئيسي في تراجع المسرح في الحياة العامة؟

التواصل بين المواطنين مهدد بالتلاشي نتيجة التطور الذي عرفته الحياة العصرية التي نعيشها، بل أن الصناعة الاعلامية ساهمت في عزلة المسرح. لكن على المسرح أن يستعيد عافيته من خلال لعب دور في ترسيخ مبدأ التواصل الاجتماعي، فهي مهمته منذ أقدم القرون. فالمسرح كما هو معروف ليس فضاء للترفيه بل مكان للتبادل الاجتماعي الحميمي.

ولكن ألا يمكن التعايش بين المسرح والوسائط الاعلامية ؟

المسرح فن له حضوره. وخاصة ضد التسطيح ويساهم في خلق الوعي عند الجمهور، من خلال الحوار.

أمسية «المسرح أبوالشعر»

شهدت «الايام» اول من أمس امسية بعنوان «المسرح أبو الشعر» شارك فيها السينمائي قيس الزبيدي والمسرحيان ماهر صليبي وغنام غنام، التي تمثلت جمالياتها في دورها النوعي في صناعة مشاهد متقاربة بين المثقفين، حيث بدأ التواصل بين الحضور بوصلات شعرية قدمها المسرحيون الرشيد عيسى وغنام غنام وسامية بكري، وجميعها شكلت بانوراما امتزجت معها دندنة العود العربي في مقهى بقرب كورنيش الشارقة، حيث تشارك ضيوف المهرجان خلال الأمسية الأكلات والمشروبات الشعبية،والشعر.

كان قيس الزبيدي يتغنى بأشعار السياب إلى جانبه صليبي الذي بان عليه استمتاعه بصوت العود، راسمين حالة من التلاقي الروحي لجماليات الموسيقى العربية وأثرها.وفي تداخلات الرشيد عيسى، استمعنا لقصائد شعراء من السودان أبدعوا في الشعر العامي والفصيح ومنهم الشاعر اسماعيل حسن، إلى جانب تطرق الرشيد إلى المدرسة الشعرية التي يطلق عليها “سودان العروبة”. أما المسرحي غنام غنام فقد استمد من قصائد محمود درويش عناوين أخرى للحياة.

 

سيرة

حاصل على الدكتوراه في علوم الاعلام والاتصال، وأستاذ في جامعة الجزائر. نشر مجموعة من الكتب منها ملامح المسرح الجزائري، والمسرح الجزائري 30 سنة من مهام وأعباء، الصحافة والمسرح، نزاهة المشتاق وغصة العشاق في مدينة طرياق في العراق لابراهيم دانينوس، تحقيق وتقديم، والمسرح والجمهور والتلقي والمشاهدة في المسرح.

رأي

عطاءات مسرحية وثقافية

أوضح المسرحي السعودي فهد الحارثي أن مهرجان “أيام الشارقة المسرحية” يشكل محطة تفاعل نوعي للعاملين في المسرح العربي، ويعتبر الحدث في الوقت الراهن من أفضل المهرجانات العربية من حيث التكثيف للبرامج المتنوعة والورشات المتخصصة واللقاءات باتجاه التطوير والتنمية للفن المسرحي، مبيناً أن عطاءات الشارقة لم تتوقف عند حد تبني الخشبة والفعل الاجتماعي للمسرح، بل امتدت لاعتبارها عاصمة وراعية للثقافة، التي يصعب على الكثير من البلدان بلورتها إلى تطبيق عملي بهذا الزخم من الدعم المادي والمعنوي.

مهرجان أيام الشارقة المسرحية نموذج رائد يحتاج إلى قراءة ومتابعة دائمتين، من قبل المثقفين تحديداً لترسيخ دعائم دوره الاجتماعي عربياً وعالمياً، ومن خلال المتابعة المتأنية لمخرجات المهرجان، سنتوصل إلى نتيجة مفادها أن هناك تجربة تراكمية ومتواصلة بدت تجني ثمار هذا الجهد في المجتمع الإماراتي.

 

ملتقى

4 تجارب عربية

شكل ملتقى «المسرح العربي الجديد» الذي جمع بين أربع تجارب مسرحية عربية لمسرحيين عرب هم أمل بنيوس وآمنة ربيع وماهر الصليبي وجمال ياقوت، والذي استمد من إشكاليات أزمة المسرح العربي وكيفية صناعة مسرح حديث ومتجدد يرتقي نحو آفاق مستقبلية نوعية، محوراً للحديث والتلاقي حول العصر الذهبي للمسرح الخليجي والعربي في حقبة التسعينات وما قبلها، ومدى قدرة المسرح العربي الجديد على طرح قضايانا على اختلاف أقطارها وخصوصية بلدانها التاريخية والاجتماعية.

 

المصدر:

    متابعة: شاكر نوري ونوف الموسى تصوير: عبد الحنان مصطفى وغلام كركر

http://www.albayan.ae/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *