«ندب السموم» مرفوض و«خلطة» لم تكتمل

المسرح لا يمكن أن ينفصل عن الواقع لكل دولة، إذ من المفترض أن يناقش قضايا مجتمعية ليكون صادقاً مع نفسه ومحترماً لجمهوره، لاسيما أن المسرحي الناجح هو ذلك الذي ينزل إلى الشارع ويرصد كل ما يهدد أمن وسلامة المنطقة، إضافة إلى القضايا التي تعجز الفنون الأخرى، بل في احيان كثيرة وسائل الإعلام، عن تداولها وإن تناولتها بشيء من الاستحياء.

ولأن مهرجان أيام الشارقة المسرحية جزء من هذا المجتمع الذي لا يتجزأ، تضمت معظم الأعمال التي عرضت تأويلات وتعبيرات لقضايا سياسية واجتماعية شعبية، منها الاغتراب، والإسلاميين، والحكومات الفاسدة، والدكتاتورية، والشعوب الساخطة، وغيرها الكثير من التأويلات التي يفسرها كل حسب تكوينه ومعتقداته وثقافته، وإن كانت معظم الاسقاطات في العمل واضحة المقصد.

ولأن المجتمع الإماراتي مثل بقية المجتمعات التي لديها قضايا تستحق ان يتم طرحها وتناولها في المسرح، جاءت العروض المسرحية التي قدمت، أول من أمس، لتسلط الضوء على قضيتين غاية في الأهمية على الصعيد المحلي والإقليمي، منها قضية التركيبية السكانية التي لا تعانيها الإمارات فقط، إنما معظم الدول النفطية، التي تحتوي على ثقافات متنوعة اسهمت في عملية التبادل الثقافي، واختلطت تلك الثقافات بثقافة المجتمع المحلي، كذلك قضية التنظيم السري التي لاتزال تتصدر عناوين الصحف لاسيما مع احباط محاولاتها التخريبية التي تصدت لها قوة الاتحاد ومتانته.

غير ان ما يؤخذ على تلك الأعمال عدم تناول القضايا بصورة مباشرة دون اللجوء إلى الترميز والايحاءات والتلميح لتلك القضايا عبر الاستعاضة عن مفردات القضية نفسها، وخلق قضية جديدة تحمل الدلالات ذاتها، وعلى المتفرج فك تلك الرموز والغوص أبعد مما شاهده بين سطور مشاهد تلك المسرحيات، خصوصاً أن مثل تلك القضايا السلبية يجب أن نكون صارمين غير مجاملين في طرحها، لما قد يكون لها تأثير سلبي في المجتمع الإماراتي.

التركيبة السكانية

«مسرحية خلطة ورطة»، من تأليف الكاتب المسرحي إسماعيل عبدالله، وفكرة وإخراج المبدع محمد العامري، الذي لم يظهر ذلك الجانب الإبداعي البصري لديه، إنما اكتفى بعمل غير مكتمل العناصر لأسباب احتفظ بها العامري، ولم يخض في تفاصيلها، «رغم أنه يتألم من الداخل»، إنما وعد بأن يشتغل على تلك النواقص واستكمال العمل اذا ما اختير ليكون ضمن عروض الموسم المسرحي.

فكرة العمل المقدم من فرقة مسرح أم القيوين الوطني، لم تكن واضحة أبعادها السياسية والاجتماعية للمتفرج، سواء المحلي أو العربي، إنما انحصرت في صراع بين فرقة مطبخ شعبي انقسمت إلى مجموعات، فالأولى تمثل الطبخ الشعبي والتقليدي المحلي، وأخرى تمثل الطبخ المعاصر والحديث، وفرقة أخرى لا تمثل شيئاً، إنما هي ضد الجميع لأسباب متعلقة بمبدأ الحلال والحرام، إلا ان تلك الخلطة في الأساس تمثل المجتمع المحلي الذي يتعرض لكثير من الثقافات الفكرية والعقائدية والاجتماعية التي تهدد بشكل كبير ثقافتنا المحلية، وهذا ما يعكس صورة مبسطة عن واقع المجتمع الإماراتي الذي بات يضم الكثير من الجنسيات والديانات والعقليات والثقافات التي تمزج كلها لتشكل هذا الخليط الذي قد يصبح ورطة مستقبلاً.

البداية من النهاية

نقطة البداية في العمل هي عندما نسي الطباخون الوصفة التقليدية لصنع أشهر الأكلات الشعبية، (المجبوس)، التي لا تحتاج إلا لمجموعة من البهارات والتوابل لصنعها، وذلك بعد انغماسهم في الحداثة وتطوير تلك الأكلات الشعبية التي تلاقي رواجاً عالمياً لاسيما أن المجتمع يتجدد ولم يعد المواطنون هم من يتردد على المطاعم فقط غنما بات يصرف العرب والاجانب مئات بل آلاف الدراهم في سبيل الحصول على أكلات شعبية، لكن بروح متطورة ترضي رغباتهم.

والغريب أن لجنة التحكيم المكونة من مجموعة من تجار البلد (الممثل محمد اسماعيل والممثل موسى البقيشي والممثل ذيب داود)، جاءت لتجريب الخلطة بعد أن سمعت عن مطبخ سعيد وسعد الشهير، المر الذي جعلهم يوقعون عقوداً مسبقة من شركة ستنظم حدثاً عالمياً وتود التعاقد مع المطبخ الشهير، إلا أن محاولات سعيد وسعد جميعها باءت بالفشل، ولم يتمكنا من ارضاء لجنة التحكيم، وذلك لأنهما لم يتذكرا الخلطة الأصلية للطبخة في ظل وجود وصفات معاصرة ادخلوها إلى الخلطة الأساسية، ما أفقدهم القدرة على استعادة تلك الخلطة.

وفي تلك الأثناء يتذكر سعد وسعيد كيف أنهما حولا مطبخهما الشعبي التقليدي إلى مطعم عصري تماشياً مع متطلبات الحداثة والتطور الحاصل في المنطقة المحيطة بالمطبخ، التي صارت تضم أبراجاً وناطحات سحاب ولم يعد يقطنها الإماراتيون فحسب، بل مختلف الجنسيات، فضلاً عن ذلك ظهور الجيل الجديد من الشباب (أبناء سعد وسعيد)، الذين يطالبونهم بالتغيير والتخلي عن كل ما هو تقليدي، وتغييب الهوية الأساسية للأطباق التقليدية واستحداث وصفات وخلطات متطورة، فيظهر الصراع بين الأجيال والثقافات، فأبناء سعد عقولهم أقرب للدول الغربية فيحاولون فرض قائمة طعام جديدة بأسماء عصرية منها ما يحمل أسماء لاعبين ومطربين في اسقاطات واضحة على مسألة التغريب الفكري الذي يعيشه معظم الشباب في الوقت الحالي، أما ابن سعيد (الممثل سالم العيان)، فينتمي إلى فئة الشباب الذين غرر بهم باسم الدين فصار يعبث في الدين ويدخله في وصفاته التي يحرم بها ما يشاء ويحلل ما يشاء بحجة التدين.

تتصاعد الأحداث، ويتحول المطبخ الشعبي إلى مطعم عصري رغم اعتراض سعيد، الذي لم يعد الطباخ سعيد، بل أصبح يلقب بالشيف سعيد، وهنا اسقاط آخر لغياب الهوية واختلاطها بالثقافات الأخرى، كما ان القدور المعدنية الشهيرة في المطابخ الشعبية تحولت إلى قدور ملونة بأشكال حديثة تتناسب مع حالة التغريب التي يعيشونها، لكن بوصول لجنة التحكيم تستمر محاولات البحث عن الخلطة لضبط الوصفة لدرجة ان ينزل الممثلون عن الخشبة ويتجولوا بين الجمهور بحثاً عن الخلطة التي أوقعتهم في ورطة واحتراق الطبخة.

رفض غير مبرر

«سيبقى البيت متوحد»، هي العبارة الشهيرة التي قالها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في قضية ضبط التنظيم السري الذي حاول المساس بأمن الدولة في الفترة الماضية، من هذه العبارة استوحى المؤلف الشاب محمد الشلبي نص مسرحية «ندب السموم»، التي كانت من إخراج عارف سلطان.

وعلى الرغم من عمق الفكرة وحساسيتها في الوقت الراهن، إلا ان العمل المسرحي «لجمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح» تم استبعاده من مسابقة مهرجان أيام الشارقة المسرحية، إذ أبدى مخرج العمل استياءه من هذا الرفض غير المبرر، وقال سلطان لـ«الإمارات اليوم»، إن «النص بحسب اعتقادي هو سبب الرفض لما يتناوله من طرح لقضية حساسة، وإسقاط على الأحداث التي حصلت عندما تم ضبط التنظيم السري الذي حاول المساس بوحدة الدولة».

وتابع سلطان أن «النص كان مشاركاً، إذ لم يتم التأخر عن تسليمه، وتمت الموافقة الأولية على أن يتم تعديل النص واعادة تقديمه من جديد، على ان يقدم التعديل في النص للجنة مشاهدة واختيار العروض التي كانت منبهرة بالأداء وقد اعطت ملاحظاتها لتحسين العرض وضبط ايقاعه، لكننا فوجئنا بقرار رفض المشاركة، وأن العرض سيقدم ضمن العروض خارج المسابقة».

وأكد سلطان أن «الفرقة صدمت بقرار الرفض من قبل اللجنة، ولكن ليس مهماً كثيراً ان نكون في المسابقة، والأهم أننا عرضنا وقدمنا مجموعة متميزة من الشباب الذين بذلوا جهداً كبيراً، كان يجب أن يقيّموا عليه من قبل لجنة التحكيم، فضلاً عن أن ايقاع العمل لم يكن مضبوطاً، وهناك تعديلات كان يفترض أن نجريها، إلا ان قرار اللجنة حال دون ذلك».

قضية حساسة

فيما عزا المؤلف الشاب محمد الشلبي لـ«الإمارات اليوم»، عدم دخول العمل ضمن العروض المشاركة في المسابقة لصغر سنه، إذ لم يتحاوز الـ‬20 عاماً وربما قلة خبرته وتجربته في كتابة النصوص المسرحية حالت دون قبول النص، إذ وعد بأن يكون حبر قلمه أوضح في المرات المقبلة ليستوعبه الكثير ويفهم اسقاطات ومبررات هذا النص ويفك غموضه، وإن كان هناك وضوح في أكثر من جانب.

ولفت إلى أن النص الذي كتبه في غضون شهر ونصف الشهر، لا يحمل أي نوع من المجازفة رغم حساسية الموقف والقضية إلا ان هذا التنظيم حاول تهديد امن الدولة ويستحق ان يحارب.

وقدم العمل فكرة التنظيم السري، من خلال مجموعة من الكلاب التي تحاول أن تتعدى على من يسودها ويقودها (الممثل أحمد اسماعيل)، الذي عاش في كنف هؤلاء السادة وعلى يد القائد (الممثل عادل سبيت)، وتربى بين أبنائه (الممثلة رانيا العلي، والممثل عبدالحميد البلوشي)، إلا ان الأخير تمرد عليهم.

في مشاهد كثيره يظهر الصراع الداخلي بين هذا الخائن الذي يظهر الحب لسادته وهو في قرارة نفسه يحقد عليهم، فيدرب مجموعة من «الكلاب» لمحاربة قادته عبر تسللهم كالسموم في بدن البنيان الصلب، وبتكرار المحاولات تنكشف حقيقة الخائن ويسقط قناعه، ليظهر كل ذلك الحقد غير المبرر على من منحوه الثقة والحب، وبادلهم الكره والتمرد.

 

المصدر:

    سوزان العامري – الشارقة

http://www.emaratalyoum.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *