إشارات لمناسبة يوم المسرح العراقي وافتتاح فعاليّات بغداد عاصمة للثقافة العربيّة

 

1. الاحتفال بيوم المسرح العالمي

ما قيمة الاحتفال بيوم المسرح العالمي، عراقياً، ونحن مازلنا نطالب، ومنذ عشر سنوات، بإعمار واحد من أبرز مسارح العاصمة، وهو مسرح الرشيد، من دون أن نجد أذناً صاغية؟ وما قيمة هذا الاحتفال، ومسرح بغداد، مقر واحدة من أعرق الفرق المسرحية العراقية، وأعني فرقة المسرح الفني الحديث، مغلق بالطابوق، بل وتحول إلى «مزبلة» كما توضح صور حديثة؟

رمزية الاحتفال بهذا اليوم لا ينبغي لها أن تمنعنا عن رؤية المأساة التي وصل لها فن المسرح في العراق لأسباب كثيرة.

كان التقليد يقضي، في العقود السابقة، بإقامة فعاليات مسرحية تكلل بإعلان جوائز المركز العراقي للمسرح، والتي كان المسرحيون العراقيون يعدّونها أكبر جوائز الموسم المسرحي، وأبلغها قيمة رمزية. ومن الممكن أن يعاد إحياء مثل هذا التقليد، وذلك ضمن مهرجان استعادي لأبرز العروض العراقية، وليست عروض الفرقة القومية للتمثيل فقط، بل العروض القادمة من مختلف أنحاء العراق. مهرجان استعادي لعشرة أيام، وباستثمار المتوفر من صالات العرض في بغداد، ثم اسناد مهمة التحكيم بين تلك العروض للجنة من النقاد والمتخصصين، تخرج هذه اللجنة بانطباعات، ولا أقول قرارات، حول أبرز ملامح الموسم المسرحي.

مثل هذا المهرجان الاستعادي ضروري للغاية، فهو فضلا عن تنشيطه للحركة المسرحية، يضعنا في صورة أبرز نماذجها، كما انه يمثل مناسبة للقاء المسرحيين وطموحهم بنيل جائزة العام. على أن يتوج هذا المهرجان بإصدار يوثق فعالياته كلها.

المشكلات التي تعاني منها الحركة المسرحية اليوم كثيرة، أبرزها ندرة القاعات. وإنني إذ أشدد في كل مناسبة يتاح لي الحديث فيها عن هذه المشكلة، فذلك لأنني أدرك بأن وجود قاعات مسرحية متنوعة، من حيث: الجغرافيا، المعمار، التقنيات، الحجم والشكل، يؤدي بالضرورة إلى خلق تجارب جديدة في فن المسرح.

المشكلات الأخرى، وأبرزها العودة إلى «مسرح المناسبات»، وهذه المرة المناسبات الدينية، من الممكن تجاوزها بالتراكم.

أعتقد أن ما يقوم به منتدى المسرح، على سبيل المثال، يمكن أن يؤسس عليه. فهذه الدائرة البسيطة بإمكاناتها، حققت على مدى الأعوام الماضية نجاحات باهرة سواء أكانت تلك النجاحات مخصوصة بالمسرح، أم في احتضان فعاليات ثقافية مجاورة مثل الرسم والشعر والموسيقى وما إليه. دعم منتدى المسرح اليوم هو دعم للمسرح العراقي، كما أعتقد.

أخيراً: أوجه التحية الصادقة للعائلة المسرحية في العراق. متمنياً للجميع الموفقية في اتمام مشاريعهم الفكرية على طريق مسرح تنويري.. ومتحضر.

2. مسرح بغداد لا يستجيب لندائه أحد!

منذ بداية الخمسينيات، وحتى أواخر التسعينيات، ظل مسرح بغداد يقاوم. يقاوم السياسات العراقية سواء أكانت رجعية أم ثورية أم ديكتاتورية أم متطرفة، ويقاوم المظاهر الظلامية التي تجتاج المجتمع بين حين وآخر، أو لنقل كلما اشتد الخراب من حول الناس فلجأت إلى الخرافة.. ويقاوم تدني المسرح في البلاد، والذي هو جزء من تدن ثقافي لم يوفر مفصلاً إلا واخترقه..

ومسرح بغداد، المكان، ارتبط بواحدة من أعرق الفرق المسرحية العراقية: فرقة المسرح الفني الحديث. والتي تأسست في العام 1952، ومؤسسوها هم: إبراهيم جلال – رئيساً، يوسف العاني – سكرتيراً، عبد الرحمن بهجت – محاسباً ويعقوب الأمين – عضواً.

وينقل د. فاضل خليل، وهو بالمناسبة أحد أبرز أبناء الفرقة، عن كراس أصدرته بمناسبة يوبيلها الفضي 1952 – 1977 أن فرقة الفن الحديث سعت لتأكيد جملة من الأهداف، فهي: «حاولت الفرقة تقديم المسرحية العراقية وتطويرها» و»كانت السباقة في تقديم المؤلف المسرحي الجديد وتشجيعه» و»الالتزام بالجانب الاجتماعي والسياسي» و»تقديم بعض المخرجين من أعضائها الممثلين» و»منح الفرص للممثلين بالاشتراك في أعمالها» وأخيراً «تعميق الوعي الجماهيري بالثقافة المسرحية وقيمها الفكرية والجمالية»…

مثل هذه الأهداف، النبيلة بالضرورة، هي التي حفرت اسم فرقة الفن الحديث، ومسرحه، في الذاكرة الجمعية العراقية، والعربية. وهو الأمر الذي يشير له خليل بالقول أن مسرحيات الفرقة «نقلت لغة المسرح نصاً وأسلوب عرض (من) التقليدية البسيطة، من مجرد العرض show ، (إلى): رحاب المسرح الملتزم، الرافض لكل ما هو سائد، وهو ما جعلها قريبة من الناس بأنواعهم، كما أن لها فضل الخروج بالمسرح العراقي إلى الخارج، وبهذا كانت أول فرقة مسرحية خرجت بالمسرح إلى خارج العراق بمشاركات مسرحية رسمية وغير رسمية، كما قدمت سلسلة من التجارب وفق نظام تكاملي واكتفاء ذاتي، فلم تستعن بالطاقات من خارجها إلا ما ندر وعند الضرورات القصوى، وأخيراً أثرت بإيجابية على أجيال من المسرحيين ممن توارثوا نهجها وتقاليدها في تراتبية منهجية وتربوية جيلاً بعد جيل وفي كل التخصصات».

مثل هذا التفصيل ضروري للوصول إلى حال مسرح بغداد اليوم. وقد تكون الصورة المرفقة كافية، بل معبرة بأكثر بكثير من أي وصف.

المبنى الخارجي وقد بني عليه جدار من الطابوق.. ثم تكومت النفايات على باب المسرح بعد أن كانت الزهور تمر من هنا لتقدم إلى يوسف العاني وابراهيم جلال وخليل شوقي وسامي عبد الحميد وجعفر السعدي وناهدة الرماح وزينب وقاسم محمد وفاضل خليل ومقداد عبد الرضا…

كان مسرح بغداد شاهداً على مدنية بغداد. يستذكر الفنان يوسف العاني بكثير من الفخر العوائل البغدادية التي تقصد مسرحهم، ولا يكتفي بذلك بل يشير إلى عشرات العوائل التي تقصد المسرح من مختلف المدن العراقية في الستينيات مثلاً.. كان المسرح يضج بالحركة.. والعاني، يقول لي دائماً، أن أبرز ما قدمته الفرقة ومسرحها هو الشباب المسرحي، وبالفعل، فلقد تدرب هنا، في هذا المكان تحديداً أجيال من المسرحيين العراقيين. من دون أن ننسى التجارب الكبيرة والمؤثرة في مسيرة المسرح العراقي، والتي انطلقت من مسرح بغداد تحديداً. مسرحيات غيرت مسار هذا الفن في العراق والمنطقة، وعبرت بشكل جديد عن هموم وتطلعات النخب المتنورة فيه.

القصة الأبرز في الموضوع، عدا عن اهمال الجهات الرسمية، وخاصة المعنية بالثقافة، لهذا الصرح التاريخي، هو أن مالك المبنى يطالب الفرقة بأن تدفع له الايجارات المتراكمة لبناية المسرح، والفرقة مفلسة من هذه الناحية. كتب الفنانون يوسف العاني وسامي عبد الحميد وفاضل خليل عدداً كبيراً من المناشدات والرسائل لمختلف الجهات من أجل دفع ما للرجل من حق، ولكن لا أحد يستجيب.. فما كان من صاحب البناية إلا بناء حائط على بوابتها، والسبب في ذلك أن المسرح تحول بعد العام 2003 إلى «بؤرة للمتسولين والباحثين عن متعة رخيصة بين النفايات».

هل يعقل أن البلاد خلت من يد رحيمة وعقل سليم يرى في مسرح بغداد منبراً للتنوير؟ هل يعقل أن أثرياء هذه البلاد، من محدثي النعمة وغيرهم، يبخلون بمبلغ يقدر في حسابات اليوم، بما لا يذكر، لكي ينتشلوا هذا المسرح مما هو فيه من رثاثة وخراب؟ هل يعقل أن أهل الثقافة والفنون في العراق عاجزون اليوم إلى هذه الدرجة وهم يرون صروح ثقافتهم الوطنية تتهاوى واحداً بعد الآخر؟

الأمر المفزع: أن لا المناشدات والخطابات الرسمية أتت أكلها، ولا الشكاوى التي ضجت بها مختلف وسائل الإعلام العراقية المرئية والمسموعة والمقروءة وجدت صداها، ولا العويل والنحيب الذي أبداه مثقفون وفنانون حول هذا الصرح جلب لهم الانتباه؟ فما العمل؟

في تقديري المتواضع هو أن أفضل الحلول في أن يتولى الفنانون أنفسهم مسألة إعادة الحياة لمسرح بغداد، إلا أن هذا الحل هو حل رومانسي إذا ما علمنا أن الفنان العراقي بالكاد يتدبر أمر معيشته، ناهيك عن نرجسية بعضهم وغرور بعضهم الآخر وانشغال بعضهم الثالث.. وهكذا.. نعود إلى أصل الحكاية: البلاد بلا مسرح بغداد، يعني أن مساحة مضيئة للنور عليها أن تحتجب!

3. شهادة مخرج مسرحي:

هنا شهادة مخرج مسرحي عراقي نشرها قبل أيام عبر صفحته في الفيسبوك، ولا أعتقد أنها بحاجة إلى تحليل!

«لن نتخلى عن دعمنا لبغداد عاصمة الثقافة فهو استحقاق عراقى بجدارة….. لكن هذه الوزارة الفاشلة بكل المعايير والتي وقفت دائماً الى جانب الانتهازيين والفاسدين وبددت المليارات والملايين شمالاً ويميناً على مشاريع تقول مقدماتها انها فاشلة…. هذه الوزارة أوقفت عروضنا التى كان يجب أن نلتقي خلالها بجمهورنا من جديد ضمن أيام المسرح العالمى يوم 27 المقبل… والتى تم لها الاستعداد المبكر والصعب، أوقفت عروضنا بلا مسؤؤلية أخلاقية أو ثقافية بدعوى انها لا تمتلك المبلغ المخصص لهذه العروض العشرة تقريباً وهو 70 مليون دينار عراقى…. ناهيك عن اهمالها عشرات المثقفين المهمين عن حضور الافتتاح وهى قضية اعتبارية فهذه بغدادهم وهم أولى من جيش الانتهازيين الذين يحمونهم ويوفرون لهم الفنادق الفخمة….. لا تشرفنى دعوة هذه الوزارة الفاشلة ولكننا خسرنا فرصة اللقاء الطيب بجمهورنا من جديد عبر عروضنا التى أنتجناها بالعرق والكفاح.

 

عبد الخالق كيطان*

http://www.newsabah.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *