«نهارات علول».. الحرافيش يحلمون بحـياة أفضل

لا يجتمع المخرج حسن رجب والفنان مرعي الحليان، إلا ويكون ثالثهما الإبداع، فهما كما شياطين المسرح الذين عرفوا كيف يتلبسون المتفرجين بعرض مسرحي تسلل إلى قلوبهم وسكن عقولهم، إذ طوال ساعتين من العرض الجاد لم يشعر المتفرجون بالملل.

 

هما حالة ابداعية، لن نقول استثنائية كي لا نهضم حق زملائهم المسرحيين، ولكنهم بالفعل حالة استثنائية وعلامة فارقة في الدورة ‬23 لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، إذ من خلال عرض مسرحية «نهارات علول»، رفعا من مستوى المهرجان وصعّبا درجة التنافس بين الأعمال المشاركة في المهرجان، لاسيما أن النقاد والمسرحيين المشاركين في الندوة التطبيقية عجزوا عن ايجاد ثغرات في هذا العمل الذي وصف بالعمل المتكامل من خلال النص الرائع والاخراج المبهر والأداء التمثيلي العالي.

«استقيموا واشخصوا أبصاركم عالياً وارفعوا رؤوسهم علينا ملأ الفراغ فوق رؤوسنا من شدة الانحناء» هي إحدى عبارات «علول» الشخصية الرئيسة في مسرحية «نهارات علول» للمسرح الحديث، والذي أبدع في تجسيد دوره الفنان الشاب جاسم الخراز، فعلول هو شاب يقطن قرية يسكنها «الحرافيش» أو «الصعاليك»، الذين ما أن يبزغ الفجر حتى يقوموا بجمع العبوات الفارغة من الحاويات والشوارع وأزقة المدينة بحثاً عن لقمة العيش، فأدمغتهم برمجت على هذا العمل اليومي دون توقف، وفي الليل ينامون كجثث هامدة أنهكها العمل الشاق.

في المقابل، يرفض علول هذا الواقع ويعتبره ثقلاً حلّ على رؤوس الجميع، فيحاول التمرد، لكنه لا يستطيع في ظل مقاومة صديقه له «الممثل ناصر أحمد» الذي يعتبر تصرفاته ضرباً من الجنون رغم أنه مؤيد لفكرة التمرد، لكن ليس على طريقة «علول» الذي بدأ يصرخ ويعترض وامام الملأ، خصوصاً ما يزيد أوجاعه الحالة التي باتوا عليها من قمع وبطش يمارس ضدهم من قبل القصر وحراسه المسعورين.

احتقان وغضب

أما ما كان يؤجج غضب علول هو حال حبيبته «الممثلة بدور» التي تعمل في مطبخ القصر، وقد تعبت من تمادي حارس القصر «الممثل باسل التميمي» الذي يمنعها من الخروج لرؤية علول، إلا بعد أن تقدم له تنازلات مستفزة. في أحد الأيام وبينما الحرافيش نائمون يلتقي علول بحبيبته، التي تشكو له من التضييق الذي يمارس عليها في القصر، لأن الحارس ينتظرها، غادرت الحبيبة المكان كي لا يصاب علول بأي مكروه، إلا ان الأخير لم يقبل على نفسه أن تسلب منه حبيبته أمام عينيه دون أن يحرك ساكناً، فلحق بالحارس الذي رفع السلاح بوجهه وأرداه قتيلاً.

«رصاصهم لا يقتل ولكن يموت فينا إذا كنا أحياء»، هذا حال علول بعد أن اعتقد الجميع انه مات، لدرجة أن الحرافيش وحبيبته بكوه بشده وأعلنوا للجميع خبر وفاته، إلا أن الرصاصة التي أطلقها الحارس لم تقتله بل استقرت في خاصرته، فرغم أنه نزف كثيراً وتلوثت ملابسه بالدماء، إلا أن الثقب التأم ولم يعد له أثر، وبقيت الرصاصة تجوب في أنحاء جسد علول، فتارة تصيب خاصرته فتدغدغه فيضحك، وتارة اخرى تهيج مشاعر الحب الدفينة في قلبه، وفي أحيان كثيرة تبكيه من شدة الألم، لاسيما إن مرت في صدره او اقتربت من قلبه.

فوجئ سكان القرية بوضع «علول»، إذ بات يعتقد الحرافيش بأن لديه كرامة وهو مبارك، فصاروا يتقربون منه علهم ينالون شيئاً من بركاته، إلا أن علول لم تفارقه هواجس الوضع الذي يعيشه وسكان القرية في ظل ذلك القمع والبطش، لاسيما أن حبيبته التي حلم بالزواج بها وإنجاب الكثير من الأطفال حبيسة في مطبخ القصر، فصار يدعو الحرافيش الى أن يستيقظوا من غفلتهم ويرفعوا رؤوسهم ليملأوا فراغاً تكون بسبب الانحناء والانصياع لجبروت القصر.

عهدة الدولة

إلا أن قصة الرصاصة التي لم تمت علول كانت حكاية القرية، بل وصلت إلى القصر، وطلب اعتقال علول والتحقيق معه ومحاكمته بتهمة اعتدائه على حارس القصر الذي أطلق النار عليه فلم يمت ولم يعد الرصاصة التي هي عهد للدولة، في موقف ساخر يدور في قاعة القضاء لإجراء محاكمة عادلة ونزيهة بحسب قوانين تلك القرية، إذ عين محامي محتال «الممثل مرعي الحليان» ليترافع عن موكله حارس القصر ضد المدعو علول الذي لم يمت ولم يعد الرصاصة، في وجود قاضٍ لديه ميول مثلية «الممثل جمال السميطي» تجاه حارس القصر.

وطوال العرض، لم يتوقف علول عن الحركة الزائدة او الضحك أو البكاء، وفي أحيان كثيرة التألم لدرجة الشعور باقتراب ساعة موته، بسبب تلك الرصاصة التي ضاعفت معاناته، فهي لم تقتله ليرتاح من بطش وقمع الدولة، ولا تخرج من جسده فيرتاح من تقلب الحال والمزاج، لاسيما أنها تصل إلى مناطق في جسده قد تسبب له الكثير من الاحراج.

واعتقد علول أن الفرج قد حان، خصوصاً ان القاضي حكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص، رغم أن صديقه كان شاهداً على واقعة اعتداء حارس القصر عليه، إلا أن شهادته وصفت بأنها زور، ولم يعتد بها. وفي أثناء تنفيذ حكم الاعدام في الساحة العامة وأمام مرأى ومسمع الجميع، لم يمتنع الحرافيش عن حضور جلسة الاعدام، إلا أن القاضي أجبرهم بواسطة رجال الأمن (الممثلان يوسف الكعبي وحميد عبدالله) الذين لا يعرفون الرحمة أو الانسانية فهم يمشون وفي أيديهم أسواط و«كرابيج» تطال كل من يعترض أو حتى يفكر في الاعتراض.

وفي أثناء تنفيذ الحكم طلب علول أمنية بأن يرى حبيبته لآخر مرة، وبعد أن ودّعها، نفذ حكم الاعدام رمياً بالرصاص في علول، فقد اخترقت رصاصتان صدره، ليصبح جثة هامدة في الساحة العامة، الأمر الذي لم يستوعبه الحرافيش الذين رفعوا رؤوسهم لنبذ ذلك الانصياع والذل ومواجهة البطش والقمع، ما دفع برجال الأمن والدولة الى الهروب أمام غليان الحرافيش، الذين دفنوا جثة علول بالعبوات الفارغة التي كانوا يجمعونها دائماً، وما ان غادروا حتى تحركت جثة علول بفعل الرصاصات الثلاث التي اخترقت صدره ولم يمت، بل صارت تتحرك في جسده من جديد.

 

المصدر:

    سوزان العامري – الشارقة

http://www.emaratalyoum.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *