«زيت وورق».. صراع المثقف بين الوعي والسلطة

يعد علي جمال من المبدعين الشباب الذين يستحقون وقفة بحث وقراءة للجهود التي يبذلها في الحركة المسرحية المحلية، وظهر ذلك جلياً عبر أمسية مسرحية

 

“زيت وورق” التابعة لمسرح حتا، والتي عرضت، أول من أمس، على خشبة مسرح معهد الشارقة للفنون المسرحية، ضمن الدورة ال 23 لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، متصدراً فيها جمال التأليف والإخراج، بتساؤلات عن الزيت وخطورة قربه من الورق: من يحترق منهما أولاً في عالم السلطة؟ ليأتي الوجه الآخر من المثقف، ويتحول في قمة قدسية الوعي إلى قاتل للسلطة الخائنة القامعة في نظره، عبر ضوء (الفنر) الذي تولى إضاءة المكان بأبعاد السينوغرافيا المليئة بأوراق الطبيعة وأوراق كتاب المثقف والثقافة، توسدت فيها شجرة الأرض الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.

انتقال صحي

لماذا يستحق علي جمال الاهتمام النوعي من قبل المؤسسات المعنية في عالم المسرح والفن؟ الإجابة تكمن فيما يحمله هذا الممارس المسرحي من حساسية كبيرة في التعاطي مع المادة المسرحية، بدءا من الاشتغال على النص واختيار مفارقاته وصولاً إلى جغرافية المسرح وفضاءاته، حيث تكمن تحديات النص في المسرح المحلي دائماً في مراحل الانتقال بين الحبكة والعقدة والنهاية والإجابة على سؤال: ما الذي يريد المخرج والمؤلف إيصاله للمتلقي؟ بينما تكتفي بعض العروض بعرض عائم دونما الالتزام بهذا التسلسل، لكن عرض “زيت وورق” حقق بعضاً من هذا الانتقال الصحي، بكل سمات البساطة في طرح الفكرة المليئة بعنفوان الوعي والجهل وتضاد الخير مع الخير في شخصية المثقف، والشر مع الخير في الشخصية الثانية التي مثلت معنى الصداقة في احتوائها للمثقف، والسلطة في عداوتها له.

إشارات

الزيت والورق والفنر والحبال.. إشارات تداخلت مع الشخصيتين على الخشبة، مشكلةً صراعاً نوعياً، وبعداً إنسانياً مغايراً، استثمرها المثقف وهو في قمة وعيه للبحث عن الضياء والنور، وكشفت من جهة أخرى قمة طغيانه وسلطته عندما رأى أن أحلامه تتهشم أمامه. وبقي (الفنر) في العرض بين لهيب قادر على حرق المعرفة، وشعلة تنير الطريق نحو الحياة.

وبرز الاهتمام الواضح باللغة والاشتغال المتقن على النص، كما أوضح علي أنه نتاج نصوص سياسية واجتماعية أخرى سعى إلى بلورتها، مازجاً فيها مجموعة من مفاهيم التجريد والفلسفة، التي تخدم البناء الدرامي للأحداث. ونجد في نص العرض أن الشاعرية والأداء، مثلا فحوى قصة قصيرة في التكوين الزمني للمسرحية.

فزاعة الموت

المعاناة هي السبيل إلى الإبداع، هكذا بين علي في الحديث عن تجربته، ويبرز هذا الملمح في استخدام الحبال في العرض وتحولها إلى قيود ووسيلة للقتل. وجاءت شخصية الفزاعة مشهداً جمالياً شاركت الشخصيتين في التفاعل معه في جو مليء بالدلالات، رأى فيها المتلقي اندفاع الشخصية المثقفة الفضولية للكشف عن تلك الفزاعة، وخوف الشخصية الثانية التي مثلت السلطة، ممثلةً فزاعة، ذلك الهاجس لحياة الأشخاص وتاريخهم ودلالاتهم ورغباتهم التي قد تفضي للموت في نهاية المطاف.

الندوة التطبيقية

قراءة السينوغرافيا كانت محط اهتمام النقاد والمتخصصين في الندوة التطبيقية،التي أعقبت العرض، بدايةً من الورق الخريفي المبعثر على خشبة المسرح، الذي شكل في تصورهم علاقة حوار جدلي مع الطبيعة. وتوقف أغلب النقاد عند فكرة استخدام الكاميرات لتصوير العرض، مبينين انزعاجهم من ذلك كون العمل اعتمد في حالات عديدة على ما يسمى بالصمت المسرحي، مقترحين حضور المصورين للبروفات العامة قبل العرض لأخذ صور مسبقة حلاً قد يساهم في التخفيف من تشويش أفسد جماليات أداء الممثلين. ومن جهته أكد المسرحي غانم السليطي أن العرض احترمه كثيراً كمشاهد، واحتواه بلمسات راقية، مبيناً أن اختلاف الشخصيتين بين المثقف والسلطة، انعكس بشكل واضح على أداء الممثلين فيه من الشاعرية وتناغم في الإيقاع.

لحظة إبداعية

واعتبر المسرحي فارس ريموني أن جمال العرض يكمن في بساطته وارتفاع لمعاييرالتخيل فيه، واشتغال على الفضاء المسرحي. ولفت بعض المتخصصين إلى أهمية التلاقي بين الصراعات الداخلية للعرض، والأداء الخارجي بشكل أكبر، كونها بدت في العرض ليست بذلك الاحتواء، معتبرين مسرحية “زيت وورق” من اللحظات الإبداعية في المهرجان بإسقاطاتها الفكرية والفلسفية ونهايتها المفاجئة لصورة المثقف الذي يحتاج إلى تأمل.

«المشهد الأخير من المأساة» معالجة درامية لتجاوزات النافذين

 

جاءت مسرحية “المشهد الأخير من المأساة ” من إعداد واخراج نور غانم والمأخوذة عن نص عالمي لصموئيل بيكيت، عرضاً مصاحباً لمسرحية “زيت وورق”، ويعد العمل المسرحي بمثابة مشاركة تفاعلية خارج مسابقة مهرجان أيام الشارقة المسرحية 23، وهي نتاج الدورة الأولى لمهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة في كلباء. وناقش النص أبعاد السلطة وتجاوزاتها بين مشهد جميع بين ممثلتين كانتا تستعدان لبروفات مسرحية غاب عنها المخرج الفعلي للعمل، لتخترع إحدى الممثلتين لعبة تتصدر فيها دور المخرج.

تفاصيل اللعبة

تبدأ جماليات فكرة النص بالظهور إلى الخشبة، في تفاصيل اللعبة، حيث يشتد الحوار وتتخذ الممثلة نور غانم من دور المخرج منصة لابتكار مشاهدها الخاصة، وتسلطها على شكل الحوار وحركة الممثلة الثانية التي تبدي في وسط هذا كله انزعاجها من هذا الجنون والجنوح الذي تحول فيه مجرد لعبة إلى مصدر فزع وخوف.

وتقيد الممثلة الأولى يدي ورجلي الممثلة الثانية إضافة إلى تعصيم العينين بدواعي يطلبها الإخراج، ليدخل المخرج الحقيقي ويعصم عيني الممثلة الأولى ويمارس عليهما فعل القمع.

حق أدبي

بالمقارنة بين العرضين في مهرجان أيام الشارقة المسرحية ومهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة، فقد عمدت مخرجة العمل إلى تطويره في عدة مستويات، الأول مستوى تناول الصوت الخارجي للمخرج أثناء العرض، الذي لم يكن موجوداً في العرض الأول، إضافة إلى دخول وتفاعل المخرج الحقيقي للعرض على خشبة المسرح، الذي تم الاكتفاء في عرضهم السابق بدخوله في نهاية العرض دونما تدخل ملحوظ. لفت النقاد في الندوة التطبيقية للمسرحية، بأن اللياقة الجميلة التي بذلتهما الممثلتين في العرض كانت واضحة للمتلقي. وتضمنت الندوة مناقشات بين المتسائلين عن أسباب اختيار هذا النص، مطالبين بأهمية توثيق مخرجة العمل لأسماء مؤلف ومترجم النص في الكتيب التعريفي للعرض كجزء من الحق الأدبي لهما.

 

المصدر:

  • متابعة: شاكر نوري ونوف الموسى
  • http://www.albayan.ae

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *