«شهيد التين» كوميديا ساخرة تعالج قضية جادة

صفق جمهور أيام الشارقة المسرحية بحرارة لمسرحية “شهيد التين” لفرقة مسرح دبي الشعبي، التي عرضت، أول من أمس، على مسرح قصر الثقافة، وشكلت

أول العروض المشاركة في المسابقة الرسمية للدورة 23 للمهرجان، لما حمله العرض من جرأة في الإطاحة بقدسية مفهوم الشهادة، الذي تحول في مضمون المسرحية إلى متاجرة، كشفتها شخصية “مبروك”، الشهيد الهلامي لقرية تدعى التين، من خلال قرار الخروج من وهم الجنة، إلى حقيقة شهادة العمل والبناء والحياة. واستمد العرض حيوية الموسيقى في صناعة فرجة مسرحية، إلى جانب استثمار النص لمخزون التراث وملامسة ارهاصات الراهن عبر عالمية الطرح.

 

جرأة

بعد مرحلة اختلافات عديدة حول تركيبة البناء الفني لمسرحية “شهيد التين” بين المخرج محمد سعيد والكاتب عبدالله صالح، كما أوضحا في تعقيباتهما على العمل، أنه اختزل أطروحات فكرية وواجه المتلقي بحساسية الموت ومغالطات استغلال الروح البشرية في سبيل الوصول للسلطة أو المال أو الهيمنة على حساب أبرياء. ويحسب للعمل ملامسته الوضع الراهن للحراك العربي أخيراً، وما شهده من قتل باسم الشهادة.

وتكمن جرأة المسرحية أيضاً في مطالب غير مباشرة بأهمية إعادة النظر في المعتقدات المجتمعية والأسطورية التي عززها الفهم الخاطئ للدين والاعتبارات العامة للولاء والمواطنة. وجاء الطرح رغم ثقله المعنوي خفيفاً عبر استثمار المخرج للحس الفكاهي والكوميديا الساخرة.

هالات

ذهب “مبروك” بالإكراه إلى الحرب، طلباً للشهادة، بتحريض من أبيه، الذي ذاع صيته بين أهالي قرية التين بأبي الشهيد، وأغدقت عليه الهدايا من الوالي ومساعديه، بل أتاه التجار والأهالي معلنين انتماءهم وحبهم، لما أقدم عليه من تقديم ابنه فداء للقرية. وقبل رحيل مبروك إلى الحرب قدم المؤلف أبعاد شخصيته الواعية الرافضة للحرب، وتحديداً حين محاولته إقناع والده بأن الشهادة هي العلم والمعرفة والعمل وليس السعي للموت.

واستمرت خيوط الأحداث بنسج هالات القصة. ويأتي بعدها إلى القرية صحفي من صحيفة تسمى “الإنجازات” وهو إيحاء نوعي للدور الإعلامي في الترويج وتأجيج هذه القضايا. ويبدأ بسؤال والد مبروك: كيف هيأت ابنك للشهادة؟

صراع أسري

شخصية “خربوش” مساعد الوالي المعني بالاهتمام بأهالي الشهداء، الذين يدفعون بأبنائهم للحرب، يهرب مهاجراً القرية بمجرد تلقيه أوامر من الوالي بجعل أبنائه بين صفوف الشهداء. ويتم بعدها تعيين والد مبروك مساعداً للوالي، ويبدأ بدفع الشباب إلى وهم الشهادة، وإجبار الأهالي على دفع الضرائب، وفي أوج تطرف سلطته، يعود مبروك من الحرب، ولكنه لم يمت أو بالأحرى لم يستشهد، مشكلةً عودته صراعاً أسرياً بين الوالدين ومبروك، مصراً عبرها الأب بلزوم رحيل مبروك وموته لتغذية سلطته، وفي المقابل تتمسك الأم ببقائه.

الندوة التطبيقية

في الندوة التطبيقية، التي أعقبت العرض، كانت البطولة للنص وإشكاليات ترف السينوغرافيا، حيث نالت فكرة تطويع مفهوم (الشهادة) بجعلها عنصراً مضاداً للحياة من خلال استغلال البعد الوطني والتمجيد الديني، استحسان أغلب النقاد والمتابعين، وظهر ذلك جلياً في الندوة التي أدارها عبدالله راشد وشارك فيها المخرج محمد سعيد والمؤلف عبدالله صالح.

فلقد أيد النقاد ذهاب البطولة للنص، طارحين إشكاليات الحشو الجغرافي أمام ترف السينوغرافيا، التي اقتصدت من حركة الشخصيات، بينما تحفظ البعض على مدى قدرة التراث على خدمة فكرة العمل الملتصقة بالراهن العربي، معتبرين أنها احتفالية معاصرة وبطولة جماعية تستحق القراءة والتحليل.

عنصر الدهشة على مستوى الفكرة كانت محور مداخلة المسرحي عبدالكريم جواد، الذي اعتبرها موفقة ولامست الحراك المجتمعي العربي، وقال حول ذلك: “سُوقت الشهادة وتحديداً في الآونة الأخيرة للكراهية والحقد، عبر تنافسية أضداد يعتقد كل من يقتل في جبهتهم شهيداً وأن مصيره العلياء”.

من جهته تساءل الممثل عبد الله ملك: “ماذا يريد أي مشاهد من العرض؟” موضحاً أن الإجابة جاءت عبر بساطة تناول الموضوع في المسرحية وخفة الظل وتنوع الأزياء الذي أعطى للمسرحية أحقية المشاهدة العالمية، حيث يستطيع الجمهور قراءتها تبعاً لمعطيات بيئته.

ترف سينوغرافي

ناقشت الناقدة زهرة إبراهيم قناع استخدام معطيات التراث في العروض المسرحية، مشيرة إلى مدى إمكانية (عصرنة) الفكرة بمعطيات الحاضر. ورأت في كثرة الممثلين تناغماً عرقله ترف السينوغرافيا الذي لم يعط مساحة لأجساد الممثلين وطاقتهم الأدائية بالتحرر، بينما أثنت الناقدة نوال إبراهيم على جماليات السينوغرافيا، التي تكمن في حركتها السريعة وانسيابيتها على المسرح، لافتة أن الموسيقى في موقعها الخلفي للمشهد كانت أكثر توظيفاً من المواقع الأخرى في العمل.

خصومة مفيدة

من جانبه، كشف الكاتب عبدالله صالح أن العرض كان نتاج خصومة واختلاف دائمين بينه وبين المخرج محمد سعيد، إلا أنه مرتاح لما توصلا إليه في النهاية، مؤمناً بأن جميع وجهات النظر كانت تصب لصالح العمل، ولفت إلى أن المخرج سعى لحذف ما اعتقد أنه مكرر، معقباً على كثرة الشخصيات في العمل المسرحي بأنها جزء من استثمار فرقة دبي الشعبي للمواهب الجديدة.

وفي سياق التشكيل الإخراجي، لفت المخرج محمد سعيد إلى أن مجمل المشاهد كانت متفرقة في النسخة الأولى للنص، وأنه سعى عبر تجميعها إلى رسم منظومة متسلسلة الأحداث، مؤكداً أنه كان حريصاً على فكرة التنويع في العمل من خلال بنية الموسيقى والأزياء بهدف المعنى الإنساني والعالمي للقصة.

 

نشر

احتفاء بإصدارات مسرحية

أصدرت دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة مجموعة من الكتب المسرحية الجديدة تزامناً مع احتفالية مهرجان “أيام الشارقة المسرحية” في دورته الثالثة والعشرين، ومن بين عناوين الكتب الجديدة: “مسرح الطفل” للدكتور هيثم يحيى الخواجة، “أفكار وتطبيقات مسرحية ـ تعارض التقاليد” للكاتب دكتور محمد سيف، “تاريخ الممثل في المسرح العربي” من إعداد: عصام أبو القاسم، “مهنة التمثيل المسرحي دوافع الاختيار ونتائج الممارسة” من تأليف تارا معلوف، وكتاب “عبدالله المناعي نبض المسرح” من إعداد عبدالفتاح صبري.

 

أجندة

من برنامج اليوم

حفل الشخصية المكرمة ( مرعي الحليان )

الزمن: 5:30 مساء

المكان: قصر الثقافة

مسرحية التريلا

الزمن: 7:00 مساء

المكان: قصر الثقافة

عرض جزء خارج 1

الزمن: 10:30 صباحاً

المكان: فندق الهوليداي إنترناشونال

فيلم إننا محكومون بالأمل: سعدالله ونوس

الزمن: 11 مساء

المكان: فندق الهوليداي إنترناشونال

 

رأي

حاضنة قومية للمسرح

قال المسرحي السوداني د. عبد الله إبراهيم: “مما لا شك فيه أن أيام الشارقة المسرحية تعتبر حاضنة قومية بارزة للمسرح في العالم العربي. وما يميّز هذا المهرجان هو الرعاية الكبيرة التي يوليها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ليس باعتباره حاكماً بل مسرحياً.

كما أنني سعيد أن أرى بأن المهرجان يحتضن الشباب الذين هم طليعة المسرح في المستقبل، كما أنه لا يركز على عرض المسرحيات بل تصاحبه ندوات فكرية، بينما تمكن عبر 23 من عمره من مراكمة التجارب المثمرة».

 

الموسيقى المسرحية

قام العمل على أساسين هما الموسيقى المسرحية والأداء الجمعي، فقد برزت الموسيقى بتداخلات عدة آلات منها العود والسكسفون والإيقاعات بين الشرقية والآسيوية والغربية، وحركة الجموع من الممثلين على الخشبة بأشكال تلاقت مع الموسيقى، التي شكلت في مواقع أخرى تداخلاً أعلى من صوت الممثلين أربك تناغم العرض.

 

المصدر:

    متابعة: شاكر نوري ونوف الموسى تصوير: عبد الحنان مصطفى وغلام كركر

http://www.albayan.ae

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *