ناقد عراقي يحلل بنية الدراما والتأويل في نصوص كاتب مسرحي إماراتي

ضمن سلسلة الدراسات المسرحية التي تتبنى إصدارها دائرة الثقافة والاعلام بالشارقة، صدر حديثا كتاب “اسئلة الرمل.. بنية الدراما والتأويل والوعي في نصوص اسماعيل عبدالله المسرحية”.. في 300 صفحة من القطع المتوسط، للباحث والكاتب المسرحي العراقي أحمد الماجد، منطلقا بالوفاء والعرفان للمسرح الاماراتي مهديا جهده في إنجاز هذا الكتاب لدائرة الثقافة والاعلام بالشارقة التي كان لها قدم السبق في التعريف به ككاتب مسرحي من خلال جائزة الشارقة للابداع المسرح العربي في العام 2000 حينما حصل على المركز الاول في جائزة التأليف المسرحي عن نص مسرحية “انتبه قد يحدث لك هذا”.

وكذلك يهدي المؤلف جهده إلى جمعية المسرحيين في الامارات التي كان لها الفضل في التعريف عنه ككاتب مسرحي في الوسط المسرحي الاماراتي، وكذلك للهيئة العربية للمسرح التي أسهمت في صناعة الكاتب عربيا.

ثم يعرج المؤلف في مقدمته الخاصة بهذا الكتاب إلى الاسلوب الذي اتبعه ذاكرا: “حاولت من خلال هذا الكتاب، ألاّ يكون مجرد تأريخ أو توصيف أو تجميع لنصوص كاتب مسرحي فحسب، بل عملت جاهداً على أن يكون مرجعا لأهل المسرح، وفق طروحات تناولتُ من خلالها دراسة تحليلية وتفكيكية للمنهج الذي يتبعه الكاتب اسماعيل عبدالله في سبر نصوصه المسرحية، إذ أننا بصدد الدخول إلى عالم إنساني بحت اختاره اسماعيل ليكون عالمه الذي تبناه في مجمل خطابه المسرحي، والذي أراه مجددا في بنية الدراما والجمال والوعي في النص المسرحي الإماراتي”.

وفي التمهيد الذي جاء في هذا الكتاب يسرد أحمد الماجد سيرة ذاتية وتاريخية عن الكاتب اسماعيل عبدالله، من اجل تعريف القارئ بشخصيته الحياتية والمسرحية، متطرقا إلى جوانب كثيرة من حياته منذ النشأة في مدينة خورفكان بإمارة الشارقة وحتى يومنا هذا. ومن ثم يطرح المؤلف نظرة عامة عن النص المسرحي الاماراتي والنص المسرحي العالمي، من أجل معرفة مكانة الكاتب اسماعيل عبدالله بين أقرانه أو من سبقه أو من جاء بعده، بعدها يتناول المؤلف المتون الحكائية لنصوص اسماعيل عبدالله المسرحية.

ثم يبدأ الماجد الفصل الاول للكتاب والذي جاء تحت عنوان “المادة الخام والحكاية الدرامية عند اسماعيل عبدالله” ذاكرا أن كبرى المشكلات التي تواجه الكاتب المسرحي مسألة استكشاف المادة الخام أو الحكاية الدرامية أو الفكرة التي يستطيع أن يشكل منها عقدته ويطور شخصياته ويكتب حواره، فالقدرة على استكشافها تستلزم ان يكون لدى الكاتب المسرحي ذخيرة من المعرفة بالناس وسلوكهم وملاحظة قوية لكل ما حوله، ثم خيال حي وتفكير قوي، وعمله الأهم أن يزاوج بين تجارب شخصياته المسرحية وتجارب جمهوره، وان يربط بين هذه وتلك برابطة السمات الشاملة العامة التي يخضع لها كلا الطرفين. هذا بالضبط ما يقوم به الكاتب إسماعيل عبدالله حين يبدأ في الشروع في كتابة نص مسرحي، أو ربما تكون المادة الحكائية إحدى الصفات التي امتاز بها حينما دقَّق كثيرا وأمعن في الحكايات التي عمل على تحويلها إلى مادة مسرحية تعيش أول ما تعيش فوق الخشبة.

وفي الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان “الاشتغال على الوحدات الثلاث” مشيرا إلى أن بناء الوحدات الثلاث (المكان، الزمان، الموضوع) عند اسماعيل عبدالله تعتمد أول ما تعتمد على المضمون الذي يحمله النص، وما يريد إيصاله إلى المتلقي، وهي تتغير وفقا لتلك المعطيات، بوصفها ركنا من أركان النص المسرحي، والوعاء الذي يحوي الشخصيات، ويدير الصراع وشكل الحوار واللغة وجميع عناصر العرض المسرحي، ولأنها من تحدد ماهية النص وشكله ومستوياته وتعدده، وكذلك هي الجزء الذي يتميز بالملموسية ويثير سؤالا لا في ذهن ومواقف الأبطال فحسب، بل في كيفية رؤية النص الذي يؤسس لمنظوره التأويلي في ضوء المعطيات ذاتها.

وجاء الفصل الثالث مخصصا للشخصية “بناء الشخصية في نصوص اسماعيل عبدالله المسرحية” حيث أعطى المؤلف مساحة كبيرة من كتابه في هذا الفصل، مؤكدا على أن الشخصية في نصوص اسماعيل عبدالله لها مكانتها الخاصة ومقامها الرفيع، بل إنها تجلس على عرش النص، وباقي الأركان ما هم إلا حاشية وخدم يعملون وفق ما تراه ويأتمرون بأمرها، بل يتلونون بلونها ويغضبون لغضبها ويسعدون لسعدها وكذلك يموتون بسببها أو بتدخل منها. فاسماعيل يؤسس الشخصية ومن ثم تأتي العقدة وباقي أركان النص المسرحي، وهو بهذا يقف إلى جانب القائلين بأن الشخصية أولا ومن ثم تأتي العقدة.

وحمل الفصل الرابع “لغة اسماعيل عبدالله المسرحية”، حيث يؤكد الماجد على الخصوصية التي يمتاز بها اسماعيل عبدالله في سبر اللغة الشاعرية والشعرية، مؤكدا أن عبدالله يجمع عدة لغات متنوعة ويسبرها في قالب واحد لتتشكل منها لغته المسرحية الخاصة، فهو يضع الشعرية والشاعرية والفرجة التي تستدعي الأشكال الشعبية وكذلك الصمت وتأويلاته، والذي يؤدي إلى رسم لغة شعبية محلية لها خصوصيتها ولها ميزاتها التي صنعت لهذا الكاتب مسارا مختلفا وخاصا يمتاز به عن بقية أقرانه من كتّاب المسرح. كذلك يذهب المؤلف في هذا الفصل إلى الاساليب البلاغية في لغة اسماعيل عبدالله، ذاكرا ان البلاغة جاءت قبل اللغة لأنها تتصل بالكلام، وأول تحديد جذري لها أنها تنطلق من بنية عميقة كائنة في جوهر الفكر الذي يؤمن اسماعيل به، قد لا تفصح موضوعاته وعنوانات قصصه ومسرحياته وقصائده عنها بقدر ما تحمل الأساليب البلاغية بُعدا لا مرئيا عميقا آتيا إلى كلماته وصوره من اهتماماته الفكرية القديمة، فهي بمثابة توجهات الكاتب وأرضيته التي يستند عليها، وتتصل عمليا بطريقة تنظيم أفكاره والرؤية الجمالية التي ستظهر لاحقا في نتاجه.

وفي الفصل الخامس يعرج الماجد نحو “معمار النص المسرحي عند اسماعيل عبدالله” فيشير المؤلف إلى أن تدخل اسماعيل عبدالله – الدراماتورج – بإضافة رؤى إخراجية من خلال تصورات للحدث فوق الخشبة، جاء نتيجة تضاؤل فاعلية اللغة اللفظية اذا ما قورنت بالطاقة التأثيرية للمفردات البصرية بطابعها التشكيلي ضمن منظومة العرض المسرحي، لأهمية النص بوصفه مرتكزا نظريا للمقاربة الإخراجية التطبيقية. ولما كان النص المكتوب يعتمد نظاما واحداً خلال اللغة فإن ذات المؤلف تنتهي تداوليتها على هذا المستوى لتحقيق تداولية بصرية في العرض، فتنبه اسماعيل لهذا الأمر، عبر لجوئه إلى التحديث في معمار النص المسرحي، ومشاركته للمخرج تداعياته البصرية من أجل إعادة الدور الريادي للنص، ومنح المؤلف مكانته القديمة على رأس الهرم في العرض المسرحي.

وفي الخاتمة يؤكد الماجد على ان اسماعيل عبدالله مرّ بمرحلتين: الأولى وهي مرحلة البدايات وارتدت ثوب الواقعية، والثانية وهي مرحلة النضج الكتابي وأخذت طابع الرمزية، عدا بعض النصوص القليلة التي اتخذت أشكالا أخرى، في مسيرة من إبداع توازي بما تتبناه من طروحات وقضايا اجتماعية وإنسانية ما يقدم الآن على خشبات المسرح العربي والعالمي.

 

http://www.middle-east-online.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *