المسرح أقوى من السيف في الشرق الأوسط

اعتلى راقصون لبنانيون ومصريون وفلسطينيون ونمساويون مؤخراً خشبة المسرح معاً في بيروت، في عرض يرمي إلى كسر الحواجز بين الثقافات والجنسيات. في عمل حمل عنوان “كل نَفَس أخير”، وهو رقصة ألفها جينز بييريغارد، من شركة مانكوبي الدنماركية للرقص، يعرض الراقصون قصة الربيع العربي من خلال عيون فردية، مما يثير شعوراً اكتشِف حديثاً من الحرية. وهو يثير كذلك، من خلال عرض الأسلوب الذي تغير من خلاله العالم العربي، الأسلوب الذي بدأ هذا العالم يعيد به تعريف نفسه وتغيير رؤية الغرب له.


وتعتبر الفنون الأدائية، بما فيها الرقص، والموسيقى والمسرح، فنوناً جماعية بطبيعتها. وبغض النظر عما إذا كانت تقدَّم في مسرح أو ساحة قرية، فإنها تجمع الناس معاً. وهي لا تربط الفنانين وأفراد الجمهور معاً فحسب، وإنما تستطيع كذلك المساعدة على بناء التفاهم. واليوم، ومن كابول إلى بيروت، يستخدم المخرجون والفنانون هذه الأشكال الفنية بأساليب جديدة، لجَسر الفجوات داخل الدول، وكذلك بين المسلمين والمجتمعات الغربية.
وعلى سبيل المثال، تستخدم إحدى أبرز فرق الرقص في الشرق الأوسط، وهي مسرح كركلا للرقص، خليطاً من الباليه والرقص الشرقي وأشكالاً مختلفة من الرقص الفلكلوري لإيجاد شعور بأرضية مشتركة بين الشرق الأوسط والغرب. ويوفر الجمع بين أساليب الرقص المختلفة بهذا الأسلوب عرضاً يمكن للجماهير التعرف عليه والتفاعل معه في كلتا المنطقتين.
ولأن الرقص شكل من أشكال الفن، وموجود في جميع الثقافات، يستطيع العديد من الناس فهمه والإحساس به. وبالمثل، يستطيع الكبار والصغار أن يجدوا أساليب للانخراط فيه. وقد اكتسبت أنواع الرقص المعاصرة، مثل الهيب هوب، والموسيقى المعاصرة مثل الراب، شعبية بين الشباب، خاصة بين الفلسطينيين، حيث نجحت فرق موسيقى الراب والهيب هوب العربية، مثل فرقة “دام” (DAM) في المجال تحت الأرض.
ويوفّر المسرح كذلك وسيلة لبناء التفاهم. ويعمل بعض المخرجين والفرق اليوم عبر هذه الخطوط، داخل الدول وبينها. ويُعرَف عن ناجي صوراتي، وهو ممثل ومخرج لبناني، أنه يدمج الحوار بالعربية والإنجليزية والفرنسية في مسرحية واحدة بهدف عكس تنوع اللغات في لبنان. وهو يؤمن بأن المسرح يستطيع كذلك أن يتسامى فوق الخلافات بين المسلمين والمجتمعات الغربية، مشيراً إلى مثال فرقة أفغانية تعرِض في أوروبا. ويقول صوراتي: “بدأت المسرحية ببساطة يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) من العام 2001 وانتهت في اليوم الحاضر، حيث تستطيع رؤية تجربة ما بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عبر عيون أفغانية”. وقد شجّعت المسرحية جمهوراً غربياً على رؤية حدث معين -هو الحادي عشر من أيلول- عبر عدسة جديدة ومن زاوية جديدة، وهو أمر ربما لا يكون ممكناً إلا عبر الدراما، حيث يعطي المشاهد نظرة سريعة على واقع غير واقعه.
وفي داخل أفغانستان نفسها أيضاً، يتسامى المسرح كذلك على الحدود. وقد أصبح المسرح هناك في الواقع في تصاعد مستمر، رغم المعارضة من جانب بعض الجماعات الأصولية. وهو شكل شعبي من أشكال الترويج، خاصة في القرى، وشكل فني غير مكلف يستطيع الوصول إلى كافة الطبقات في أفغانستان، حيث لا يحتاج الجمهور لأن يكون قادراً على القراءة لفهم المسرحية ورسالتها. ويقول ماجد غياسي، مدير شركة مسرح كابول التي تمولها الحكومة، إن “الرسالة التي يتم إيصالها عبر الدراما أو الكوميديا يتم استيعابها بسهولة أكبر من تلك التي يجري إرسالها عبر وسائط آخر مثل محاضرة”.
في عالم اليوم الذي يبدو في أحيان كثيرة غاصاً بالخلافات، لا بد أن نكون في حاجة إلى بذلك المزيد من الجهود لخق الروابط وبناء التفاهمات. وتنطوي قاعة المسرح، أو ساحة القرية، على احتمالات هائلة للمساعدة في تحقيق ذلك.

 

ناتاشا شوفاني* – (كومون غراوند)

بيروت

http://www.alghad.com/


 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *