كاظم النصار: جردة حساب مع الانتظار العراقي

كاظم النصار مخرج متمرّس في جعل راهن البلاد مادّة لعرض يبتعد عن المباشرة، وينأى عن فخّ نقل خطاب الشارع من دون معالجات فنيّة. يقال ذلك عن النصّار بعد تجارب ناجحة في «حياة مدجنة» (1993)، «جزرة وسطيّة» (1996) وصولاً إلى «نساء في الحرب» (2005)، و«خارج التغطية» (2009).

 

 

عرضه «مطر صيف» الذي قُدّم أخيراً في بغداد وعمان وأربيل، وكتبه علي عبد النبي الزيدي، يحيلنا عنوانه إلى مقطع من قصيدة شعبية معروفة عراقيّاً هي «حجيك مطر صيف ما بلل اليمشون» (كلامك مطر صيف لم يبلل من يمشي)، فالثوابت التي كانت قائمة بين زوجين عراقيين عن أحلام الحياة السعيدة، ضاعت في مهب سنوات المأساة التي هشّمت ما هشّمته من روابط اجتماعيّة وانسانيّة، ليحلّ محلها الغياب والانتظار الأبدي. ولأنّ العمل يشتغل على فكرة «الانتظار» التي جُسّدت كثيراً على خشبة المسرح، أخذنا المخرج إلى منطقة «التذكير بالخيبات العراقيّة». بطلا العرض (هناء محمد وفاضل عبّاس)، من العائدين إلى بغداد بعد رحلة اغتراب تلت الاحتلال الأميركي عام 2003. اختيارهما لم يكن اعتباطاً، لقد جاء لتحقيق تفاعل تجاه أفكار «الانتظار» و«الهجرة» التي احتواها العرض. «جثّة تحتفل بعيد ميلادها يسلمها قطار إلى قطار»، من عبارات الفقد التي ترددها الزوجة مع افتتاح العرض على أصوات الطائرات العسكريّة، فهي تنتظر شريكها الغائب (فاضل عباس). نحن أمام سينوغرافيا مصممة بشكل يختصر ثلاثة عقود من العذابات العراقيّة، حيث بقايا هياكل عظمية معلّقة، عُرضت عليها ملابس وقبعة رجل، وحقيبة سفر، غير التي تدخل وتخرج مع الأزواج المستنسخين، ووسائد بيضاء كأنّها تحيل إلى الموتى الذي أزهقت أرواحهم في ما مضى. وفي عمق المشهد مرآة غرفة نوم تتوسطها قنينة عطر سيتضح لاحقاً انّ رائحتها دالة على ذكرى قديمة بين الزوجين، تتحرّى عبرها عن شريكها الحقيقي بين رجال مستنسخين يدخلون بالتناوب.
الرائحة ستكون لاحقاً إحدى أهمّ لازمتين يستخدمهما المخرج على مدار العرض (ساعة تقريباً)، مع لازمة أخرى هي أغنية المطربة العراقيّة المغتربة سيتا هاكوبيان (صغيرة كنت وانت صغيرون). البطلة تسأل أوّل الأزواج «المستنسخين»: «هذا عطرنا شنو نسيته»، «أغنيتنا نسيتها؟»، لتتلاحق اشارات الانكسار في التراجيديا العراقيّة بقولها «عندما تشمّ هذا العطر تجدني أمامك» في حين يكون لباسها الأسود دالاً على حزن طيف من نساء البلاد.
الاستنساخ في الحياة لا يتوقف مثل الانتظار. منذ بدء العرض، تعيد الزوجة تكرار أسئلة تتحرّك في فضاء الغياب والفقدان، لكن باشتغال يمزج بين الفصحى واللهجة العراقيّة. تطالب بايقاف الزمن كي لا يستمرّ الفقدان في عرض ترمز فيه المرأة إلى وطن ينتظر الخلاص من استنساخ السلطات العراقية المتعاقبة وفشلها مقابل انتظار الناس لأنموذج حكم ناجح وعادل.

 

حسام السرايhttp://www.al-akhbar.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *