المسرح والسياسة

منذ عام 1966 أقيم في مدينة شيراز الإيرانية مهرجان مسرحي عد واحداً من المهرجانات المسرحية الرئيسة في العالم. وتميز برنامج المهرجان في احتوائه على عروض

 

مسرحيات جديدة أنتجت خصيصاً لذلك المهرجان وكان من بين تلك العروض (جبل وممر الكاردينيا) للأميركي (روبرت ويلسون) و(اورخاست) للانكليزي (بيتر بروك) وكانت مسرحية (سفينة المغفلين) للياباني (شوجي تيراياما) أكثر الأعمال تميزاً في مهرجان عام 1976، وقدم العرض الياباني في فضاء مفتوح هو ساحة سراي موشير القديم، والعمل مقتبس من أعمال تيراياما الأخرى وهو سلسلة من الصور غير المترابطة وشخصيات ترتدي أزياء غريبة وتضع على وجهها ماكياجاً غربياً أيضا، وهناك وضعت في مركز منطقة التمثيل قوقعة كبيرة ظلت ثابتة طوال العرض اتخذت مركزاً لإجراءات محاكمة وبمرافقة الموسيقى والمؤثرات الصوتية المضخمة أدى الممثلون الذين يرتدون ملابس سوداء يمثلون الحرس، حركات عنيفة. وفي صورة أخرى يجلس خمسة أشخاص عراة لا يتحركون أمام منضدة كبيرة وأمامهم خمسة أشخاص آخرين عراة ايضاً يقفون على استعداد ويقوم شخص آخر بتوزيع قطع من السمك والدجاج على الحاضرين ويتناول احدهم الطعام بينما يقوم احد الواقفين بالصراخ والالتواء ويتوقف عن هذه الحركة عندما يتوقف الآخر عن تناول الطعام، وصورة أخرى لامرأة تحاول أن تغني ويمنعها آخر عن الغناء بوضع يده على فمها وتدفع يده بعيداً عن فمها وتستمر في الغناء، ويدخل شخص آخر يمارس طقوساً معينة حول جسم المرأة وتستمر هي بالغناء ويظهر رجل يطلق من بين يديه حمامة بيضاء والمرأة تستمر بالغناء، وهكذا تستمر مثل تلك الصور غير المترابطة ولكن بالتأكيد لها دلالات معينة تحتاج من المتفرج إلى أن يتأملها.
الإيرانيون قدموا في مهرجان عام 1976 مشاهد مما يسميه الغربيون (التعزية) وهي طقوس وشعائر عاشوراء ومعركة الطف واستشهاد الإمام الحسين وأصحابه (عليه السلام) وقد وضعها الناقد الأميركي (مايكل كيربي) المحرر في مجلة (دراما ريفيو) على أنها أوبرا دينية – شعبية وكان الشاه قد منع إقامتها لسنوات ولكنه أجازها أيام المهرجان ولفت انتباه المشاركين في المهرجان من الأجانب ذلك التأثير العاطفي الشديد الذي أحدثه ذلك العرض الطقسي وما رافقه من تراتيل وأهازيج وعويل ولطم على الصدور والرؤوس، وقدم العرض في مأوى للخيول في إحدى القرى الجبلية قريباً من شيراز.
شاركت في المهرجان فرق عديدة من يوغو سلامها واندونيسيا وباكستان واليابان والهند وبلجيكا واسبانيا وبولندا. واعتبر البعض ممن حضر المهرجان انه ملتقى لثقافات الأمم المختلفة، ومع هذا فقد قاطع البعض الآخر المهرجان احتجاجاً على قيام السلطات بوقته بتعذيب السجناء والسياسيين لانتزاع الاعتراف منهم وهكذا فقد كان للسياسيين تأثير في ارتياد المسرح، ودافع بعض النقاد عن المهرجان كونه ابتعد عن السياسة حيث لم يكن هناك من دليل او إشارة على ان إدارة المهرجان تتبع مساراً سياسياً حزبياً معيناً ولم يكن هناك دليل على أن الفنانين الإيرانيين المشاركين في المهرجان يبغون أهدافاً سياسية واضحة، ونتساءل اليوم عن مصير ذلك المهرجان الحافل بالعروض المسرحية المتجددة والذي أعطى ذلك البلد الشرقي أهمية فنية خاصة فعلاً على مشاركة الفرق المختلفة في عروض المهرجان كان الكثير من محبي المسرح ودارسيه ونقاده يحضرون المهرجان بتلهف بالغ وليتنا هنا في بغداد نقيم مهرجاناً عالمياً كمهرجان شيراز ونقدم فيه نحن العراقيون من موروثنا الفني ما يثير الزوراء والسياح والضيوف من المسرحيين وغيرهم، ونقدم في مثل هذا المهرجان نحن ايضاً مسرحيات عن معركة الطف ومسرحيات عن ملحمة كلكامش وعن حكايات ألف ليلة وليلة، نعم نستطيع ذلك إذا ما اقتنع المسؤولون بالفكرة وإذا ما خصصوا الميزانية الكافية لسد نفقات المهرجان.

 

سامي عبد الحميد

http://www.almadapaper.net

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *