ســؤال الهوية فـي.. (فياكرا وباسبورت)

هي محنة الناقد وحيرتهِ في إيجاد توصيفات نقدية ، يُمكن لها أن تُلاحق أو تُقارب المُنجز المسرحي وأنساق خطابهِ الفكري الذي يُراد إيصالهِ بالارتكان إلى

 

 

 

“الاستسهال” الذي يُغلف نسق عملية الإنتاج المسرحي حينما نجد أن المُعطى مُشوش فكرياً وجمالياً يُراد لهُ التأسيس لحركة مسرحية جديدة مُستقبلية، على اعتبار أن ما يُنتج الآن من أعمال مسرحية كعروض مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي، العراقية منها على وجه التحديد هو مسرح عراقي قادم وبقوة، وفقاً للمُعطيات الأولية التي تؤشر حجم التحشيد الذي رافق إنتاجها من أجل “تجذير” هذا النمط من العروض وفرضهِا على واقعنا المسرحي كي يُقال لنا في ما بعد، هذا هو المسرح العراقي الجديد ، وها هُم المسرحيون الشباب ، وإليكم البديل !! إن ما أفرزتهُ العروض المسرحية العراقية المُشاركة في مهرجان بغداد وتحديداً “فياكرا / باسبورت / فقدان” المُنتجة باسم الفرقة الوطنية للتمثيل ، يُلزِمْ المُشتغلين في الحقل النقدي (الذين تكاسلّ معظمهم عن القيام بمسؤولياتهِ كنُقاد مسرحيين مُكتفين بالعنونة التي يحملونها فقط)، بالتوقف أكثر من مرة إزاء عروض لا تصلح للمُشاهدة إلا لمرة واحدة فقط بسبب الإشكالية الفكرية والجمالية التي وضعتنا فيها تلك العروض، ولكونها قد عُبأت بالكامل لصالح أبعاد فكرية تتخذ من “المحكي” نسقاً حاكماً لها بجميع ملفوظاتهِ المُستقاة من الشارع التي وضعت على الخشبة “طازجة” .    
“فياكرا” عرض مُشوش
تأليف وإخراج “صلاح منسي” تمثيل: عباس فاضل، أحمد صلاح، فكرت سالم، علاء الشرقاوي، أمير أبو الهيل، غسان إسماعيل، ياس خضير، فلاح إبراهيم، مهند هادي. استنجد مؤلف ومُخرج العرض، بأربعة شخصيات عالمية (جيفارا/ ابن لادن/ غاندي/ هتلر) لا يربطها أي رابط فكري أو زماني أو جُغرافي، عبرَ الزج بها داخل بُنية الهم العراقي بوصفها الشاهد والمشهود على ما حصل ويحصل في الوطن، ولأن هذهِ الشخصيات قد أحدثت تأثيراً كبيراً في حركة التأريخ العالمي المُعاصر، فقد “تعكزَ” الكاتب/ المُخرج على مدى التأثير المُحتمل لدى المُتلقي وهو يُشاهد تلك الشخصيات تتحدث العامية وتخلق نوعاً من جلد الذات من قبل هذا المُتلقي الذي أخذ يُصفق طوال العرض بمُناسبة وبدون مُناسبة، فهذهِ الشخصيات أخذت تسب وتشتم وفق الطريقة العراقية، وتُحاور وتُناقش مُشكلة وطن اسمهُ العراق، بعد أن عمد (منسي) إلى تسطيحها وسط “إفلاس” فكري وجمالي من قبلهِ جعله يستحضرها بطريقة خلخلت أنساق العرض الذي بدا مُشوشاً فكرياً وجمالياً وحتى تقنية “مسرح داخل مسرح” لم تُسعف العرض الذي لم يستطع أن يُقنع حتى المُشاركين فيهِ حينما اتخذ من لافتة (هذا وطن لا ينتصب.. ربما لن ينتصب.. قد نُساعدهُ على الوقوف أو قد نفشل.. الأهم أننا حاولنا) فرضية لمُجمل أنساقهِ، بدلالة أن المؤدي فلاح إبراهيم  أصبح هوَ صانع العرض وسط انفلات أدائي فج من قبلهِ وهو يُحاول استعراض “مهاراتهِ” القاصرة أدائياً مع محاولتهِ الفجة في تجيير العرض لصالحهِ بالكامل، مُقابل أداء عالي ومُنضبط من قبل باقي المؤدين الشباب، كما إن العرض برمتهِ لم يستطع تحقيق إنشائية يُمكن الارتكان إليها في صناعة سينوكرافيا مشهدية توازي وتَدعم الحدث الدرامي باستثناء مشهد (الخريطة) حينما شَكلَ محور العرض بحيثُ أستطاع المُؤدون تقديمه بشكل لافت . ( فياكرا ) فيهِ الكثير من بقايا عُروض سابقة تُشكّلْ موجة جديدة في المسرح العراقي وهو عرض مسرحي للنسيان .
ضياع الـ” باسبورت “
تأليف حيدر جمعة فكرة وإخراج علاء قحطان، تمثيل: حيدر عبد ثامر، قصي شفيق، ذو الفقار خضر، هشام جواد، آمنة خالد، مينا فارس، حيدر جمعة، مازن محمد مُصطفى. مجموعة من المُغادرين لأرض الوطن لأسباب شتى، يُسلطون جام غضبهم و “سبهم” لهذا الـ”وطن”، فتعدت الأسباب والهدف/ الهروب، واحد. وبالتالي استطاع مُنتج فكرة العرض ومُخرجهِ قحطان، أن يُقدم خطابه بنسق غلبت عليهِ المُباشرة مُتكئاً على ملفوظ حواري (محكي) ذات تراكيب لغوية بسيطة لم تحتدم كثيراً مع المُعطى الفلسفي للعرض، وبالتالي كان لزاماً على قحطان أن يرتفع بلغة العرض ليوازي بها  خطابه الذي أراد إيصاله ، هُنا نُشكل عليهِ حشو العرض بالسرديات المُطولة على لسان كُل شخصية من الشخصيات التي أخذت تسرد لنا دوافع الهروب من الوطن الذي أصبح جحيماً لا يُطاق دون الاستدلال على ماهية تلك الدوافع وبالتالي أخذت مُجمل تلكَ الشخصيات تسير ضمن خط درامي واحد، لم يأخذ شكلاً مُتصاعداً وفقاً لأحداث العرض المُفترضة والتي “قعدتها” جمالياً في ما بعد، الاستفاقة المُتقنة من قبل المُخرج في الكشف عن فتحة العالم السُفلي حينما “باغتنا” في إظهارها بشكل صادم لكنهُ لم يستطع تطويعها لصالح عرضهِ بل أبقاها مُعلقة دون توظيف يُذكر، كما إن العرض اصطفَ مع الموجة الجديدة التي تُريد إيجاد موطأ قدم لها في خارطة المسرح العراقي دون السعي حثيثاً من قبل منتجي هذهِ النوعية من العروض نحو تدجيج ذواتهم بكُل ما هو معرفي وجمالي يُمكن التعويل عليهِ مُستقبلاً من قِبلهم في إنتاج عروض مسرحية تؤسس لمسرح عراقي ننشدهُ جميعاً فلا يُمكن بأي حال من الأحوال القول إن هذا العرض ومُجايليهِ ينتمي الى ( مسرح الغضب ) على اعتبار أن ماهية خطابهِ تؤكد الاحتجاج على كُل ما يجري في الحياة اليومية بسبب تراكمات الحُروب ومآسيها . أجاد مؤدو العرض: حيدر/ قصي/ ياسر/ ذو الفقار/ هشام، في تقديم شخصياتهم وكانوا في أحسن حالاتهم الأدائية، كما أجادَ بشار عِصام في صناعة سينواكرافيا العرض، رُغم عدم تطويعها بالكامل من قبل المُخرج لصالح العرض الذي ضاعَ وسط سعي (مجموعة من الحالمين بوطن يُلملم أحلامهم) بحسب بوستر العرض.

 

بشار عليوي

http://www.almadapaper.net

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *