(عين) «الرقمنة» لاعب احتياط في المسرح العربي

انعكس التطور التكنولوجي الذي نشهده حالياً على تعاملاتنا وحياتنا اليومية، وفي الوقت الذي وجدت فيه التكنولوجيا طريقها نحو السينما محدثة ثورة في أفلامها كافة وأصبح كثير منها يعتمد على مؤثرات بصرية وسمعية رقمية، وولجت فيه للفن التشكيلي، مخلفة فيه أنواعاً جديدة تدعى بـ «الفن التكعيبي» و«الفن الرقمي» وغيرها، يبدو أن المسرح العربي ظل كما هو، فلا خشبته تغيرت..

ولا حتى أفكاره، ليقتصر استخدامه للرقمنة على مستوى السينوغرافيا فقط وبعض الاستخدامات الأخرى المتعلقة بالإضاءة والصوت، ما يشرع أمامنا سؤالاً حول قدرة المسرح العربي على تطويع «الرقمنه» بكل أشكالها وإدراجها تحت عباءته وتسخيرها على الخشبة، وكذلك جدوى وجود المسرح في حياتنا اليومية التي باتت مغلفة بـ «الرقمنه»، لتأتي آراء المشتغلين بالمسرح متباينة حيال ذلك.

اتفاق عام بين العارفين بالشأن المسرحي، على أن لا غنى عن أبي الفنون، بغض النظر عن الحقبة الزمنية التي نعيشها، فضرورته تكمن في «تشريحه» للقضايا المجتمعية، وطرحها ومناقشتها، كما يسود اتفاق بينهم على أن المسرح العالمي نجح في تسخير «الرقمنة» في عروضه، واستفاد منها، وولد عروضاً خاصة تستوحي أفكارها من العالم الرقمي نفسه، وهو ما افتقرت إليه التجارب العربية.

 

2993089780

 

حيال هذه القضية، بدا المسرحي الأردني غنام غنام متفائلاً، حيث يعتبر أن «المسرح هو الأكثر استفادة من كل التحديثات التي شهدها ولايزال تاريخ البشرية»، قائلاً: «المسرح استعمل كافة التقنيات واستوعبها تحت عباءته، وأصبحت الرقمنه أحد أهم مكونات السينوغرافيا على الخشبة، فضلاً عن كونها إحدى مقومات الدعاية الخاصة بعروضه..

وبالتالي فلا خوف عليه مقابل الرقمنه»، مشيراً إلى أن «التكنولوجيا لم تغير المسرح ولن تتمكن من ذلك». غنام أكد أن المسرح لا يفقد جدواه كونه يظل متصلاً بقضايا المجتمع. وبين أن «مسألة استخدام التكنولوجيا بأي عرض، تظل خياراً فنياً»، مشيراً إلى أن الجمهور موجود في قاعة المسرح بإرادته.

وقال: «هذا يثبت أن للمسرح تأثيراً على الجمهور، الذي لا يفقد متعة الفرجة حتى خلال استخدامه لكافة وسائل التقنية الحديثة».

 

2462822858

استراتيجية

من جهته، اعتبر الباحث والناقد الجزائري عبد الناصر خلاف، أن «المجتمع عموماً يعيش اليوم حالة تحول كبرى لا يمكن تجاوزها، تمثلت في حالة الانفصال التي أحدثتها التقنية الرقمية بين أفراده»، قائلاً: «على مستوى المسرح هناك بعض التحولات..

وأعتقد أنه استطاع الاستفادة من الفضاءات الرقمية، عبر توظيفها داخل عروضه». طارحاً في الوقت نفسه، سؤالاً عن مدى قدرة المسرح على مواجهة هيمنة الرقمنة التي وصفها بـ «الصارخة».

تأثير خاص

تاريخياً شهد المسرح مراحل صعود وهبوط طبقاً للعوامل والواقع المجتمعي، إلا أنه ظل طوال الوقت حاضراً بقربه من هموم الإنسان وقضاياه. وفي ذلك يؤكد الأردني د. يحيى البشتاوي رئيس قسم الفنون المسرحية في الجامعة الأردنية، بأن «فن المسرح يبقى فناً ذا تأثير خاص على الجماهير». وقال: «مهما تطورت التكنولوجيا يبقى للمسرح بريقه الخاص المرتبط بطبيعة العلاقة التي تربطه بالمتلقي.

وفي ضوء ذلك تبرز قيمة فن المسرح الآن بالتأسيس لوعي حقيقي لدى الإنسان العربي، ففن المسرح لم ينفصل عن مواجهة العنف والتطرف، ومحاولات تثبيت قيم الفضيلة والمساواة. لانفتاح على الآخر بوعي ونضج لتحقيق التقدم وبناء مجتمع إنساني يقوم على الأخلاق والقيم السامية».

مشيراً إلى أن المسرح أحد أشكال التعبير والتواصل الثقافي بين البشر، قائلاً: «لذلك برزت الحاجة إلى ضرورة أن يأخذ المسرح دوره على الساحة العربية بهدف تأكيد الهوية القومية الإنسانية التي تميز العرب عن سواهم».

 

3124275670

 

قبة واحدة

المخرج المسرحي الفلسطيني ايهاب زاهدة، فضل التعبير عن رأيه في ذلك، بقوله «المسرح منبر يجمع تحت قبته الإنسان». وأضاف: «في الوقت الحالي، أصبحنا بحاجة لما يجمعنا في عصر أصبحت العزلة سماته، وأعتقد أن ذلك متوفر في المسرح لكونه مختلفاً وقادراً على جمع كل الفئات والأطياف والألوان تحت قبة واحدة».

وواصل: «مهما حدث من تطور فالمسرح يظل مختلفاً كونه يعتمد على الإنسان بالدرجة الأساس بتفاعل مباشر غير مسطح ودون وسائط بين المتلقي والمقدم له».

مشيراً في الوقت نفسه، إلى أن المسرح استطاع أن يوظف التقنيات الجديدة لصالحه، من خلال إبداع أشكال جديدة في السينوغرافيا. وقال: «المسرح العربي استفاد من هذه الطفرة، لذا لا أرى أن الرقمنة أفقدت المسرح بريقه»، معرباً عن تفاؤله بالمسرح العربي عموماً.

أصداء

لاتزال أصداء عرض «الحاسة السابعة» التايواني والذي صممته فرقة «أناراتشي دانس ثياتر» وعرض في 2014 خلال مهرجان المسرح العربي في الشارقة، ترن في آذان كثير من الذين تابعوه، لما أحدثه من «صدمة» للجميع، لبراعته في توظيف كافة وسائل «الرقمنة» خلال العرض، الذي قدم فرجة جميلة استغنى فيها مخرجه عن كافة أشكال السينوغرافيا التقليدية، ليأتي بناؤها تكنولوجياً وافتراضياً.

 

دبي ـ غسان خروب

http://www.albayan.ae/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *