ATI-LAP-AI

الضوء الذكي ودوره في تشكيل العرض المسرحي بصرياً وحسياً بقلم د.عماد هادي الخفاجي

الضوء الذكي ودوره في تشكيل العرض المسرحي بصرياً وحسياً بقلم د.عماد هادي الخفاجي

الضوء الذكي ودوره في تشكيل العرض المسرحي بصرياً وحسياً

بقلم د.عماد هادي الخفاجي

 الضوء في العرض المسرحي لم يعد مجرد أداة تقنية تُستخدم لتحسين الرؤية أو إبراز التفاصيل، بل أصبح عنصرا أساسياً في تشكيل اللغة البصرية التي يصاغ من خلالها المعنى وتُبنى بها الدلالات، إنه وسيلة صامتة، لا تنطق ولا تشرح، لكنها تلمح وتكثف وتوجه إحساس المتفرج نحو طبقات أعمق من الفهم والتأويل. لطالما كان الضوء شريكا للنص والحدث والصورة، يُسهم في تكوينها وتفعيلها، غير أن حضوره في زمن الذكاء الاصطناعي بات مختلفا على نحو جوهري، فاليوم لم يعد الضوء مجرد منفذ لتوجيهات المصمم بل أصبح وسيطا ذكيا قادرا على قراءة المشهد والتفاعل معه واقتراح معالجات ضوئية تتجاوز ما هو معد مسبقا ليشارك في بناء العرض لحظة بلحظة بتجاوب مرن مع الأداء الحي. في التجارب المسرحية المعاصرة، بات بالإمكان للضوء الذكي أن يتعرف على حركة الممثلين فوق الخشبة، أن يتابع إيقاع الحوار، وأن يستجيب للانفعالات الدرامية في لحظتها عبر خوارزميات قادرة على استشعار التغيرات اللحظية في الأداء. وبهذا، يستطيع الذكاء الاصطناعي إعادة توزيع الإضاءة وتعديل شدتها واتجاهها وتوقيتها وفقا لحالة المشهد دون تدخل مباشر من المصمم فيغدو الضوء كائنا دراميا قائما بذاته لا يتبع العرض بل يشاركه في تشكيله

هذا التطور لا يعني تغييب الدور الإنساني بل يمنحه أفقاً أوسع في التجريب فالخيارات التي كانت تستغرق وقتا طويلا لاختبارها أصبحت متاحة في لحظات ويمكن تفعيلها ومراجعتها بصريا دون عناء تقني أو عوائق زمنية وهكذا يتحول المصمم إلى مخرج ضوء يمتلك إمكانات غير مسبوقة للخلق الحر في مساحات مرنة وذكية لا تحدها الأسلاك ولا القيود التقليدية.

ولعل الأهم في هذه التحولات أن الإضاءة لم تعد عنصرا جماليا يزين المشهد أو يرفق به الإحساس بل أصبحت أداة تأليف ضمنية تشارك في صياغة الخطاب البصري للنص وتؤكد على لحظة الانفجار أو الخفوت فهي تعارض أو توافق تقطع أو تصل بين المشاهد ليس وفق تصور تقني مسبق بل بحسب ما يُنتج على الخشبة فعلياً في كل مرة يُعرض فيها العمل، ومع هذا التفاعل المتجدد تظهر إمكانات لم تكن مألوفة في المسرح الكلاسيكي ليصبح العرض قابلاً لإعادة الكتابة الضوئية في كل مرة وبطرق لا يمكن توقعها بالكامل إذ يشارك الضوء الذكي في صياغة تجربة المتفرج لا عبر الإضاءة وحدها بل عبر الإحساس الناتج عن هذا التشكيل الحي القادر على التغير والتأقلم اللحظي مع ما يحدث.

 يمكننا القول بعد كل ذلك إننا لا نشهد مجرد تطور في أدوات العرض المسرحي، بل نعيش إعادة نظر جذرية في طبيعة العلاقة بين الضوء والمسرح. فبينما كان الضوء في السابق تابعا ينفذ ما يُطلب منه أصبح اليوم شريكا فاعلا يشارك في صناعة المعنى، وانه لم يعد مجرد أداة تنفيذ بل غدا عنصرا مبدعا يُسهم في التأليف البصري للعرض، وبينما كنا نتحدث عن تصميم الإضاءة بتنا نتحدث عن كتابة الضوء وعن الذكاء الذي يمنحه قدرة على الإدراك البصري والحسي، تلك القدرة التي لا تكمل العرض فحسب بل تضيف إليه عمقا جديدا. وهكذا يتحول الضوء الذكي إلى مرآة للمشهد لا تكتفي بعكسه بل تعيد صياغته بطريقتها الخاصة وتمنحه بعدا لا يُنطق بالكلمات بل يُرى ويُحس ويظل حيا في ذاكرة المتفرج بوصفه جزءا أصيلا من لغة العرض المسرحي المعاصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى