مقالات

الفنان المسرحي السوري تمام العواني رحيلٌ بعد عطاء – جوان جان

 

الفنان المسرحي السوري تمام العواني

رحيلٌ بعد عطاء

جوان جان

 

في الأيام الأولى من العام 2025 كان موعد الفنان المسرحي السوري تمّام العواني مع المحطة الأخيرة من مسيرة حياته المليئة بالإنجازات والأعمال المسرحية التي ساهمت في رسم خارطة المسرح السوري على مدى عقود، مسيرة اختتمها بمشاركته في الاحتفال باليوم العربي للمسرح في العام الماضي 2024 من خلال عرض مسرحي بعنوان “خريف البنفسج” كتبه وأخرجه ومثّل إحدى شخصياته، وفيه لم يَحِد العواني عن الدرب الذي رسمه لنفسه فيما يتعلق بمضامين أعماله المسرحية لجهة حرصه الدائم على تقديم أعمال تطرح هموم وهواجس الإنسان العربي في كل مكان، وهو الذي كان يؤكد دوماً على أن المسرح وسيلة تنوير وتسليط للضوء على القضايا الهامة والمصيرية التي تناولها بشكل جليّ في مجموعته المسرحية “حكايات تعرفونها” الصادرة عن اتحاد الكتّاب العرب بدمشق والتي تتضمن أربعة نصوص مسرحية، بطلها الإنسان، وميدانها ساحات كفاحه من أجل بناء حاضره ومستقبله، ونفس الأمر ينطبق على مجموعته المسرحية “نصوص مالحة” الصادرة عن اتحاد الكتّاب العرب أيضاً وتتضمن ثلاثة نصوص مسرحية هي: “عودة عنترة-خريف البنفسج-مونودراما أجراس القصر” وفيها ترجم العواني أفكاره عن المسرح وماهيته من حيث هو وسيلة لتغيير الواقع ولوحة تعكس صورة الحياة بأبعادها الموضوعية المرتبطة بالعصر وتنهض بالوعي الجمالي لدى الجمهور.. وضمّت مجموعته المسرحية “قناديل حالمة” ثلاثة نصوص ناقش فيها قضايا ذات طابع اجتماعي بأسلوب أقرب ما يكون إلى البوح الداخلي الشفاف المغلّف بغلاف من روح التهكّم والسخرية المريرة.

عَمِلَ الفنان المسرحي تمّام العواني في سنواته الأخيرة على مشروع المونودراما الذي تبنّاه في عدد من العروض، أهمها “سهرة مع أبي دعاس الحمداني” من كتابته وتمثيله وإخراجه وفيه استعاد العواني أسماء بعض المشاهير في مجال الأدب ضمن سياق الحدث الدرامي الذي بدا متوازناً ومتصاعداً بشكل منطقي.

لم يكتفِ العواني بتقديم المونودراما كاتباً وممثلاً ومخرجاً فقط بل كان من أبرز المنظّرين لها، وخاصة فيما يتعلق بطبيعة عمل الممثل المونودرامي، ومما قاله بهذا الخصوص: “الممثل في المونودراما يحمل ثقلاً كبيراً يلقى على عاتقه لأنه يُعدّ الحامل الوحيد للعمل المسرحي المونودرامي، فهو الذي يعيش الصراعات التي تتنامى في الشخصية التي سيجسدها صعوداً ونزولاً، باذلاً جهداً نفسياً وجسدياً لإنجاح العمل الذي يشاركه فيه المخرج والكاتب.. إن الممثل هو الذي يحيي العرض المونودرامي أو يميته ويدفع به نحو الهاوية حين يصيب المُشاهد بالملل أو يغلب على العرض السرد والترهل، وتتطلب المونودراما تركيزاً أكبر على الفعل المسرحي، وهي فنّ مسرحي نخبوي، والأهم فيها هو عنصر الإدهاش”.

كان أول عرض في المونودراما يشاهده الراحل تمّام العواني عرضٌ بعنوان “حال الدنيا” نص ممدوح عدوان تمثيل وإخراج زيناتي قدسية وكان ذلك في ثمانينيات القرن الماضي، ومن خلال هذا العرض تعرّف العواني على عالم المونودراما، وفي فترة لاحقة تعرّف على تجربة الفنان المسرحي الراحل محمد بري العواني في المونودراما، وقد قدما معاً عروضاً مونودرامية في مرحلة لاحقة كمونودراما “الرقصة الأخيرة” التي شاركا بها في مهرجان المونودراما في الفجيرة عام 2007 كما كانت له تجارب في المونودراما مع المخرج المسرحي ضيف الله مراد.      

وقد دفعت التجربة الغنية لتمّام العواني في مجال المونودراما الباحث المسرحي السوري د.هيثم يحيى الخواجة إلى إصدار كتاب عن تجربة العواني المونودرامية بعنوان “مسرح المونودراما.. تجربة المسرحي تمام العواني أنموذجاً” وفيه ألقى الخواجة الضوء على تجارب تمام العواني المونودرامية قائلاً: “تحدى رجلُ المسرح تمّام العواني في أعماله المونودرامية نفسَه ممثلاً ومخرجاً وكاتباً، وهذا التحدي أنتج عروضاً هامة ومتفوقة، وهو مُراجِع دقيق لأدواته المسرحية، وهدفه إثارة التساؤلات معتمداً على الحوار ليثبت أن المسرح حياة مليئة بالصدق كما هي مليئة بالمفاجآت والتناقضات”.. واستكمالاً للقسم التطبيقي من الكتاب أجرى كاتبه هيثم يحيى الخواجة حواراً مع تمّام العواني تناول المحطات الأساسية التي مرَّ بها، واختتم الكتاب بشهادات عن تمّام العواني كتبها الكاتب المسرحي عبد الفتاح قلعه جي والفنانة المسرحية ثراء دبسي والمخرج المسرحي حسن عكلا والكاتب المسرحي مصطفى صمودي وكاتب هذه السطور.       

لم يقتصر نشاط الراحل تمّام العواني على ميادين الكتابة والتمثيل والإخراج بل ساهم في عملية التثقيف المسرحي لجمهور مدينته حمص، إذ كان مُحاضِراً من على منابرها الثقافية عن المسرح وأحواله، ومن أهم المحاضرات التي ألقاها في السنوات الأخيرة محاضرته في يوم المسرح العالمي للعام 2023 وفيها أكد على أن المسرح من أكثر الفنون تأثيراً من خلال عملية الالتحام الحيّ بين الجمهور والممثلين حيث يجسد الممثلون أمام المشاهدين جانباً من التجربة الإنسانية ويفسرونها فتزداد معرفة المُشاهد بالحياة، ورأى أن الفن المسرحي ليس نتاج عقل واحد إنما هو ثمرة مجهود عدد من الفنانين في مختلف الاختصاصات التي تشترك في إبداع العرض المسرحي، مختتماً محاضرته بالقول: “تعالوا لنجعل المسرح مدرسة للأخلاق، والاحتفال بيوم المسرح العالمي يزيد كمية الوعي بهذا الفنّ وأهميته والدفع إلى إدراك قيمة المسرح وتعزيز فكرة الاستمتاع بهذا الفن كهدف بحد ذاته ونشر المعرفة بين الناس”.       

 

زر الذهاب إلى الأعلى