السمات المسرحية والتمسرح في الشعر الشعبي التهامي اليمني – حميد عقبي

 

 

السمات المسرحية والتمسرح في الشعر الشعبي التهامي اليمني

حميد عقبي

رغم حدوث متغيرات اجتماعية ثقافية كثيرة عصفت بمجتمعتنا العربية ومنها اليمن إلا أن الشعر الشعبي كان وظل حاضرا ومؤثرا، فهويعتبر أكثر قُرباً إلى الناس من بقية الأنواع الشعرية الأخرى وهو أكثر سهولة في التداول والحفظ ويزداد انتشار أي قصيدة شعبية بالغناء، يتميز الشعر الشعبي في كل أقطار الدنياء أنه ليس نخبوياً وطرياً، والشعر الشعبي كما هو معروف للجميع شعر عاميأي أنه يستمدُّ كلماته وألفاظه وصوره  ومعانيه وأساليبه مِن الحياة العامّة واليومية أو الشعبيّة ، حيث يكتب بكلمات من اللهجة المحكية بين الناس، وقد يستخدم القليل من الفصحى ،ويختار التوصيفات والصور التي يقولها الناس في كلامهم ولهجتهم المحلية ورغم ذلك فهو يحتاج لموهبة فطرية شعرية خلاقة ولا يظل منه ويصمد إلا البديع والأنيق والأكثر شعرية وصدقا وقوة وينسى الناس الضعيف والهزيل منه.

ونحن نتابع سلسلة من المقالات عن الشعر الشعبي التهامي اليمني وهي كما وضحت تأملات نقدية بعيداً عن التنظير وقريباً من ملامسات من تخصصي كمخرج سينمائي ومسرحي وفنان تشكيلي ولذلك نخصص هذه المادة عن السمات المسرحية والتمسرح في الشعر الشعبي التهامي اليمني وسيكون لنا وقفات أخرى لتناول قضايا فنية متعددة.

لا أتحدث هنا عن المسرح الشعري لآننا هنا مع نماذج من شعراء لم يعرفوا المسرح ولا شاهدوا عروضاً مسرحيةً وربما أغلبهم لا يجيدون القراءة والكتابة وربما بعض النماذج قد مرَّ عليها عدة عقود طويلة ولكني أعتقد أن أي مجتمع لا يمكنه أن يكون بدون مسرح والمسرح ليس المبنى ولا حتى الخشبة، فقد كانت تهامة ثرية بالكثير من الكرنفالات والمهرجانات الشعبية وتقام بمواسم زيارات الأضرحة ومقامات الأولياء وفي مناسبات دينية وبعد مواسم الحصاد وكذلك حفلات الأعراس وفي الأسواق كانت هناك ساحات مخصصة لبعض المغنين، هذه كلها كانت غنية بالمسرح والتمسرح حيث تتوفر عناصر المسرح أي الأداء والفرجة، لكل مغني شعبي جمهوره ومساحته وموعده وله أيضا أفكاره ولعل من أهم النماذج الفنان القعمري وكان يعزف على ربابته ويقدم عرضاً غنائياً مسرحياً وشخصياً أنا كنت أشاهده كل يوم جمعة في سوق بيت الفقيه الشهير. 

نعلم جميعاً أن المسرح أبو الفنون ومنبعه وأصوله شعرية محضة وكان أشبه بطقوس وأناشيد تقدم الى الآلهة وتمجدها، في تهامة وربما في الكثير من الأرياف العربية لم يغب المسرح عن حياة الناس، ونحن هنا لن نطيل في الحديث عن هذه المظاهر المسرحية وإن ربما لا يسميها أو يقتنع البعض بوصفها مسرحاً خالصاً ولا نملك نموذجاً مصوراً للفنان القعمري أو غيره ولكني سبق وأن أشرت في حوارٍ لموقع  الاندبندنت في مادة نُشرت بعنوان (رقصات تهامة اليمن.. أرواح الأجداد بإيقاعات الأحفاد) ومن ضمن ما قلته أن “الرقصات تشترك في التحضير لها جميع الفئات الاجتماعية المختلفة، وكأنها أشبه بقوانين وأعراف غير مكتوبة وتشكل معادلة من التناغم والتنوع، وفيها عديد من جوانب التشويق وكثير من الوحدة مع الجمهور” وهذا هو المسرح بروحه وأناقته الإبداعية ويمكنكم العودة لهذه المادة وحتى نذهب إلى النقاط المهمة أي نتأمل ونتلمس حضور المسرح في القصائد الشعرية وعبر بعض النماذج. 

أمجون ذأ

أمجون ذأ خُونا وأحنا ولى بوه

هذا مجون فوت شباب لا خوت يردونه ولا صحابه

أمجون يا خي ما ..طير تعرفُونه

وأحنا عرفنا أمجون من صغر سنه

وحتى نعرف أمه التي بْزنه

وروح لك من أمجون ما عليك منه

أمجون ما يسكن إلا أمعاولي

ولا تبوز أمجون أبقى لحالي

ما ناش راضي به أمجون غالي

لو بحثت بعد أمجون قضاء اللحيه

لى قالوا صعد لما دُبيه

لو جيت بعد أمجون شاروح ضحيه

سلام من أمجون ومليون تحيه

أمجون لا ينباع ولا هديه

روح لك من أمجون بدون أذيه.

سمعت هذا المقطع في فيديو صغير منتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى صفحة الناشط محمد يحي هبل وينشط نشر صور ومقاطع فيديو لمعمرين بصوتهم وهذا النموذج يلقيه شخص تهامي قبيلي وربما يكون عمره أكثر 65 سنة أو أكثر ولا ندري من هو الشاعر ولا أي معلومات وللأمانة العلمية ذكرت مكان وجود الفيديو.

الجون في معجم المعاني تعريفه كالتالي الجَوْن :الأَسود تُخالطه حُمرة تَقُولُ خَلِيلَتِي لَمَّا رَأَتْنِي شَرِيحاً بَيْنَ مُبْيَضٍّ وَجَوْنِ.

وهو طائر في تهامة اليمن وربما سُمي جَوْن بسبب لونه، حيث تشير بعض المعاجم للجون من الإبل والخيول أي تنسب للونها كما فهمت، وأتذكر في طفولتي كانت طيور الجون كثيرة وأحياناً تأتي وتلتقط كيس اللحمة أو السمك من على دكة بساحة بوسط بيتنا وحتى في المثل يقال شلها أمجون وطار أي أخذها الجون وطار ويضرب المثل عندما يأخذ عليك شخص شيئا بطريقة سريعة وخاطفة ويهرب أو خسارة شيء لا يمكن استرجاعه.

هنا الجون هو الذي تدور حوله القصيدة وأكيد لها الكثير من الحمولات فقد توصف الحبيبة بالجون وخاصة عند فقدانها وخسارتها وقد يتم التغزل بالجون أو الطير كرموز للحبيبة والتي يأتي ذكرها دوما بصيغة المذكر، وقد تحتمل القصيدة تسيرات متعددة منها ما يكون عاطفياً واجتماعياً وقد تحوي تلميحات سياسية.

لفهم القصيدة بشكل مختصر فالشاعر يقول أن الجون هو أخوه ونحن أولى به، هذا الجون فوت شباب ربما يقصد أنه يتسم بحيوية وشباب دائم ومتمرد بحيث لا يستطيع أحداً التحكم به من الأهل والأصحاب، ونحن نعرفه منذ كان سنه صغير، وحتى نعرف أمه التي اعتنت به، وروح لك أمجون..أي تحذير من ملاعبته واللعب معه واتركه، هو لا يسكن إلا الأماكن العالية، وإن أخذته سأظل وحيدا، لست راضياً أبداً مفارقته، لو بحثت عنه سيقول لك هو في قضاء اللحية أي بشمال تهامة، ثم صعد أي ينطلق ويطير إلى دُبيه ولا أدري أين تقع هذه المدينة ربما في جنوب تهامة بحيث يصور التباعد المكاني، لو جئت أنا بعد الجون سأذهب ضحية، سلام إليه ومليون تحية، الجون لا يباع ولا يُعطى هدية، أبعد عن الجون وبلاش أذية.

لو نمعن في النص الشعر يمكننا أن  نشعرُ بتعداد الأصوت والقدرة الإبداعية في التكثيف والإيجاز، وقد يفهم بعضنا أن الشاعر أي  المتحدث أو الرواي كأنه شهاد عيان وله علاقات بالأطراف الأخرى أي الجون والذي يظهر واضحا هو الحبيبة والحبيب الذي يريد أخذ الجون والرواي، لكن الشاعر يظهر أيضاً أنه عاشق للجون وكلمة خي أي هو أخي لا تنفي أن يكون العاشق الحقيقي هو الشاعر وإن توارى في شكل رواي وشاهد عيان وتارة ناصح وتارة محذر ولكن ثمة تدفقات عاطفية كامنة في الداخل وتتسرب مثل

ما ناش راضي به أمجون غالي

لست راضيا عنه بديلا لآنه أغلى شيء، ويحتمل النص أنه حوار مع الذات وهذا لا يمنع وجود منافسين، فهذا الطائر يسكن العوالي وقد يقصد به شابه من بيت حسب ونسب ومال وشرف وهو البسيط، وقد يذهب فهم البعض أنها تريد وتحلم بشخص يسكنها في عوالي القصور وأن طموحها كبير، فالشاعر تارة يكون واثقاً من طائره ويعرف طباعه وتارة كمن ينتابه الشك في نوايه، فيسارع في كل لحظة ليحذر نفسه بالبعد عنه لآنه سيجلب له المواجع.

لا أقول هنا أننا مع نموذج نص مسرحي متكامل وجاهز للعرض مباشرة لكن النص موحي وقابل للمعالجة وأنا شخصياً أجده موحياً لي  وفيه الكثير من التحفيزات، أرضية خصبة ومنبع للكثير من الأفعال وفيه تعددات مكانية وزمانية ديناميكية وفعالة وليس شرطاً أن يكون النص طويلاً وربما القصيدة مقطع من قصيدة أطول ومن المؤكد أن النص يختصر حكاية كبيرة كانت المحرك الإنفعالي لها وقد ينسى الناس الحكاية ويظل النص صامداً وحياً ففيه الرغبة والخوف وكٱن هذا العاشق يتقدم خطوات ثم يتراجع خطوة، فالصراعات والتواترات متعددة، صراع مع الذات وصراع مع المنافسين وصراع مع ما يحيط به ..مثلاً

أمجون لا ينباع ولا هديه

فهنا نفي أن يكون هذا الطائر أو المرأة سهلة وعادية، فكلما يبحث عنها يجدها تبتعد وهنا لا يعني أنها فعلا تسافر أي بمفهوم الفعل الفيزائي ثمة صلة وأخذ ورد وعلاقة غير تقليدية فيها تجاذبات أي رغبة ووصل ثم صد وهجران، بعض الشعراء يمارس إخفاء الكثير ولا يُظهر إلا ومضة غاضة ويشتت المتلقي لآن في ذلك الزمان تشتهر مثل هذه القصص وأهل أي فتاة لن يسمحوا بالطعن في شرفهم وهذه التوريات والحذف والإخفاء وغيرها أدوات محترفة للحفاظ على سلامة الحبيبة وسلامة روحه أيضا.

لعل من أهم الإشكاليات لأي باحث عن نصوص شعرية تهامية هي سلامة النصوص وقد أشار لذلك الباحث خالد يحيى الأهدل في مقدمة بحثة للماجستير والذي كان بعنوان الشعر الشعبي في تهامة..أشكاله الفنية وأبعاده الموضوعية وكتب (ومن الصعوبات أيضاً وجود بعض الرواة من جيل الشباب يفتقرون إلى مهارة ودقة أسلافهم كما تنقصهم أحياناً الخبرة بشروط ومقومات الأشكال الشعرية ، فاضطربت الروايات وجاءت كثير من النصوص إما ناقصة أو مهجنة وأحياناً تفتقر إلى السلامة العروضية.)

ويمكن أن نضيف أيضاً أن البعض يجد في النصوص القديمة مغنماً فيلجأ لأخذ الأفكار وبعض المقاطع والوزن وعدة أشياء لصياغة قصائده وهذه ربما مشكلة كبيرة في التعامل مع التراث باليمن والعالم العربي ولكن في بعض البلدان العربية توجه الاهتمام بالتراث عبر مراكز توثيق وبحوث جامعية مبكرة وكذلك وجود مجلات مهتمة بالتراث الشعبي.

كما نود أن نشير أن الموروث الشعري القديم كان ملهماً للجيل المعاصر وهناك فرق بين الإستلهام والإقتباس وبين السرقة الأدبية والفكرية والشاعر المستلهم يمكنه التصريح وهذا لا يعيب منتجه فالشفافية مطلوبة في مثل هذه المواقف وكما أننا نسمع أحياناً أن بعض الفنانين والملحنين قد يستلهمون أعمالهم من الموروث وبعضهم يتهرب حتى من مجرد الاعتراف بالحق الأدبي والمعنوي وقد تكون بعض التعديلات قبيحة في النص أو الألحان ويلجأ البعض إلى الاختصار وخاصة في الأعمال الغنائية المخصصة للبث في قنوات التواصل الاجتماعي، إذن نلاحظ زخماً كبيراً غنائياً تهامياً ونادراً ما نجد أسم الشاعر المرجع والمنبع الأساسي وهذه من القضايا التي يجب مناقشتها وبحثها والتنبيه عليها ففي ظل الصمت والتصفيق للجميع تضيع أحياناً الكثير من حقوق الملكية الفكرية وتنامي الظاهرة قد يسبب مزيداً من التشويهات القبيحة لتراثنا العريق.

قبل أن انتقل للنموذجِ الثاني نؤكد أن الرموز والدلالات في القصيدة التهامية الشعبية ليست مصطنعة ولا منقولة فهي ببساطة من الحياة اليومية ولغتها مما أنتج لغة فنية تجمع بين الأناقة الشكلية وبين الرموز الحية والموحية المثيرة للخيال والمشاركة الوجدانية، نجد التناغم والتوحد، نشعر بالنغم الصوتي وهو ليس مصطنعاً لكنه ينبع من الانفعالات الوجدانية وللكثير من القصائد مناسبات أدت لجعل الشاعر يبدع تلك اللحظة، وقد تكون قصائد بسيطة وطفولية قصيرة يؤديها الأطفال أو البنات الصغار لكن لها بؤر درامية مدهشة ويمكننا أن نمسرحها ليس لمسرح الطفل فقط بل ربما نخرج بأعمالٍ ذات أبعاد اجتماعية وسياسية وسوف نأخذ نموذجنا الثاني وننقل النص من كتاب مظاهر الحياة الاجتماعية في زبيد للباحث داود بازي وهو نص يصاحب لعبة يا قصبة نودي نودي وإليكم النص ـ

وا قصبه نودي نودي      سلم لي على سيدي

وسيدي طالع مكه        وصا لي بجيبُ كعكعه

فرقته حبه حبه           ما بقينْ لي إلا حبه

خبيتى بين امصندوق    وامصندوق يشتي مفتاح

والمفتاح عند النجار      والنجار يشتي فلوس

والفلوس من ربنا          هللوا يا اصحابنا

وامبنادق قاح قاح         قطعوا راس مرباح.

  راس مرباح أي رأس القرد.

هذا النص أغنية طفولية تؤديها البنات من سن سبع سنوات تقريبا، في لعبة وكأنها رقص بمجموعة متلاحمة الأيادي.

ويوجد مقال  تم نشره بمجلة العربي  بعنوان فنان على مشارف التسعين يوسف العاني وعكَّازه المسرحي وهو مقال للدكتور عقيل مهدي وأقتبس من مقالة الناقد د. عقيل هذا المقطع في مسرحية (المفتاح) يدوّن أغنية فولكلورية على شكل مدونة مسرحية تنبع من حياة الشارع:

(يا خشيبة نودي نودي..

وديني على جدودي

وجدودي بطارف مكة…)

هذه المسرحية عرضت 1968وهي من تمثيل  فاضل خليل،يوسف العاني،روميو يوسف، ناهده الرماح، آزادوهي صموئيل وعوني كرومي.

من المهم أن نتذكر العديد من التجارب المسرحية العراقية والعربية وخاصة في السبعينات ثم الثمانينات من القرن الماضي حيث نشطت تجارب كثيرة مسرحية تعاملت مع الموروث الشعبي، بعضها كان نقلاً وعرضاً وبعضها اقتباسات وبعضها كان استلهاماً والذهاب أبعد من النقل والاقتباس وتجاوزت العرض لتفجير خطابات اجتماعية وسياسية صارخة وليس مجرد تجميل العمل المسرحي بأغنية تراثية شعبية أو نص قصيدة، كما التراث ملجأ للتواري والافلات من قبضة الرقيب ومع ذلك هناك أعمال مسرحية مستوحاة من التراث وتم منعها بعد ليلة العرض أو قبلها، وهذا الموضوع بحاجة أيضا لوقفة ومادة مستقبلية لمناقشته.

هناك فنانيين عرب عادوا من المهجر لبلدانهم ويشدهم الشوق والحنين لتراثهم وكذلك حاولوا تطبيق أساليب مسرحيةجديدة أكتسبوها خلال دراستهم بالغرب أو الدول الاشتراكية وأعتقد هؤلاء كان توجههم وتناولهم لنص مثل هذا النص تناولات تجريبية وإن ظهرت في الإطار الواقعي أو الرومانسي.

 لو تأملنا هذا النص سنجده مفهوماً بسيطاً قد نصفه بالعفوي والطفولي ولكن العمق يحوي أو يحيلنا للكثير من الأسئلة، نبحث عن مجرد مفتاحٍ صغيرٍ لصندوقٍ به مجرد حبة كعك ولكن ليس سهلاً لآننا ندخل في تعقيدات الصندوق عند النجار وربما يثيرنا لطرح أزمات أكثر تعقيداً وبذلك نحلق في دهاليز فلسفية واجتماعية وسياسية وربما وجودية.

قد يأتي من ينقل اللعبة مع الأغنية ويكتفي بتصفيق الجمهور وثناء النقاد على العرض، وربما يذهب آخر ليخلق عوالم ميتافيزيقية وتجريباً لو خلق لكل شيء دلالة مثل الملبس والأكسسوارات وسينوغرافيا الرقصة و..و..و، كل هذا ممكن أن يأتي من فهمٍ عميقٍ واحداث تشابكات مع الواقع المعاش الآن والماضي وربما البحث عن المستقبل.

كما يقول صديقي الفنان المسرحي التونسي نزار الكشو (كل شيء يمكن أن يُمسرح حتى زقزقة العصافير)، مع الموروث الشعبي بشعره وقصائده وحتى الألعاب والرقص كلها تضج بمسرحٍ  بني على إبداعات ذكية وليست كلها عفوية، في تهامة اليمن والتي كانت مطمع الطامعين وكانت تتعرض للاحتلات لكنها لم تنكسر وفي هذه الأجواء كان الشعر والفنون والأدب كله لتمجيد الأرض وزرع روح المقاومة والنضال وحتى في أغاني الأمهات وسجع الجدات كانت تفوح روح الكرامة والعزة وقداسة الأرض.

خاتمة

أود في الختام التنويه أن الكثير من الألون الشعرية الشعبية العربية ثرية بالصور والحكايات والدراما وكذلك مفعمة بالخيال والتخيل وهي مواد خصبة للتشكيل في قوالب مسرحية ويمكننا أن نستلهم منها مسرحاً تجريباً والربط بين قضايا الماضي والحاضر والمستقبل، يدو ونحن نعيش وهج العولمة ثمة نزعة عالمية وكونية لكل الفنون التراثية والموروث الشعبي للبحث وتأصيل الروح الإنسانية، اشتغالي الحالي على التراث التهامي اليمني ونشري إلى الآن أكثر من عشر مواد كوني أشعر بالحنين لموطني  وأرضي التي تربي فيها وأجدني أحاول اعادة فهمه وتذوقه فنياً ولا يعني التعصب له ولا المضي نحو الماضوية والتقديس المطلق للماضي، ربما نحن أيضاً يجب أن نعمل للأجيال القادمة، ولعل ذلك دفع مختلف الهيئات الثقافية العربية وخاصة في بلدان الخليج العربي والتي بدأت تدعم مبادرات كثيرة لتوثيق ودراسة الموروث الشعبي والتشجيع  على تشجيع الأعمال المسرحية التي تتناوله بالعرض والنقل أو الإستلهام وكذلك في بعض الدول المغاربية وخاصة الجزائر التي تولي حالياً الكثير من الاهتمام بتشكيل تراثها في قوالب مسرحية وفنية.

وضعنا في اليمن حالياً يوصف بالتراجيدي المؤسف في ظل صراعات وحروب وتمزق لكننا نحلم بعودة السلام وترميم الكثير من التصدعات النفسية المؤلمة ووحده السلام القادر أن يعيد لنا يمننا سعيداً ليعود يشارك في المسيرة المسرحية العربية والعالمية.

شاهد أيضاً

الكتابة بسكين مثلوم!! تقانة الميتامسرح في “سيرك” الاسدي – بقلم صميم حسب الله

    الكتابة بسكين مثلوم!! تقانة الميتامسرح في “سيرك” الاسدي صميم حسب الله مدخل: أسهمت …