اسامة الرحباني: انا غير موافق على ‘الربيع العربي’ لأننا غير مستعدين للديمقراطية!

دون كيشوت العمل المسرحي القيم الذي قدمه الإخوة مروان وغدي وأسامة منصور الرحباني عرض مساء السبت الماضي في قاعة الأخوين رحباني في دير
دون كيشوت العمل المسرحي القيم الذي قدمه الإخوة مروان وغدي وأسامة منصور الرحباني عرض مساء السبت الماضي في قاعة الأخوين رحباني في دير
مار الياس أنطلياس كشريط مخصص للتلفزيون. عمل تمثل بمستوى كبير من الاحتراف والرقي لجهة النص والموسيقى والإخراج. دون كيشوت الشخصية العالمية وضعت في قالب عربي، وصار ‘الدون أسعد’ مشرحاً للفساد السائد في مجتمعاتنا على مستوى السلطة. كما تحول إلى داعية للتحرر من هذا الواقع والثورة على كل تخلف. هو دور أداه الممثل الكبير رفيق علي أحمد فيما يشبه الذوبان بين شخصيته المعروفة بالتمرد ومتطلبات شخصية الثائر. وفي المقابل أدت هبة طوجي دور ‘دولسينايا’ التي جذبتها أفكار الدون أسعد فراحت تنادي بها.
عرض سينمائي والإهداء:
لروح منصور الرحباني
هذا العرض لدون كيشوت أراده الإخوة مروان، غدي وأسامة في الذكرى الرابعة لوفاة منصور الرحباني. وبالمناسبة كان هذا التحقيق الذي بدأ بسؤال غدي الرحباني المسؤول عن النص عن مدى التصرف بقصة عالمية؟ فقال: ليس لنا الكثير من التصرف بقصة معروفة على صعيد العالم. ما تم تغيره أن دون كيشوت يموت على سريره، لكنه في مسرحنا مات في ساحة المعركة. ورفض غدي أن يكون النص مسقطاً على الواقع موضحاً: عرض العمل المسرحي سنة 2011 في الصيف وحينها لم يكن أي من الرؤوساء العرب قد سقط. نحن على الدوام نحكي عن أوضاعنا العربية التي يسودها الفساد وعدم وجود العدالة. وبالسؤال ماذا تقول لمنصور الرحباني في الذكرى الرابعة لرحيله؟ أجاب غدي: اشتقتلك.
نبارك لأسامة هذا العمل الجميل الذي قدم للجمهور نصاً معاشاً في يومياتنا ونسأله إن كان العرض التلفزيوني سيبقى حصرياً على شاشة أل بي سي؟ يقول: حقوق العرض التلفزيوني فقط للمؤسسة اللبنانية للإرسال، إنما الشريط سيكون متوافراً على DVD للجميع. وبعد خمس سنوات تنتهي خلالها حصرية أل بي سي يمكن عرض المسرحية تلفزيونياً على شاشات أخرى.
أسامة الرحباني: لست مع الربيع العربي
ماذا تتوقع من العرض التلفزيوني الذي سيكون بعد شهر تقريباً من الآن خاصة وأن النص يحاكي الواقع الذي تعيشه العديد من البلدان العربية؟ يقول أسامة: أهمية التلفزيون أنه يتيح صورة تكاملية للمشهد خاصة مع وجود الكثير من الكاميرات، في حين في العرض المسرحي يصعب على المتفرج الإحاطة بكل مجريات الخشبة دفعة واحدة. لهذا ما شاهدناه في عرض الشريط السينمائي كان رائعاً، والانطباع عنه كان عالياً جداً كما شاهدتِ. في العرض المسرحي يجب أن يكون المتفرج في غاية التأهب لاستيعاب الرقص، الغناء، التوزيع الموسيقي، الشعر، الأدب والقصة. في العرض السينمائي يكتشف المتفرج كم هو العمل على مستوى عالمي، وكم هو رؤيوي جداً. في مشهد المظاهرة والقتل غيرت الفكرة، فدون كيشوت يرى ماعزاً، لكني تركته في المسرحية يجمع ويخلط الناس بعضها بالبعض الآخر.
نعرف أنك كنت الأكثر ملازمة لمنصور الرحباني في عمره الأخير فكم تحمل هذه المسرحية منه؟ وكم أنت متأثر به؟ يجيب أسامة: جميعنا متأثر بمنصور، ومنه تعلمنا الكثير. نحن متأثرون بالأخوين عاصي ومنصور ومنهما تعلمنا الكثير، وفي النهاية كل منا يكون شخصيته الخاصة، ثقافته وأفكاره، وكيف له تطوير هذه الأفكار والذهاب بها إلى الأبعد. بالنهاية لم يكتب عاصي ومنصور في 1960 ما كتباه في 1965. هما كانا في تطور دائم. وبعد رحيل عاصي كتب منصور بطريقة مختلفة. هو وأنا معاً كتبنا بطريقة مختلفة. ولاحقاً سنتابع الطريق بما هو مختلف. على الإنسان أن يبقى متجدداً ومن خلال أفكار مختلفة.
في مسرحكم الحل غير متوفر لماذا؟ يقول أسامة: ليس لدينا من حلول، القتل كان النهاية. الناس متعلقة ب’السيتام’ ترفض تغيره بنظم جديدة. كم اقتربتم من الواقع ومن خلال النص الحقيقي؟ يجيب: العمل برمته فانتازيا، بالنهاية دون كيشوت حالم. الفانتازيا تتمثل ببعض الهلوسة وبعض الجنون، هو حالم وشاعر. هو الحقيقي ونحن الغلط. في حينها كان دون كيشوت يتهكم على المجتمع الاسباني، ونحن بدورنا تهكمنا على مجتمعنا والمجتمع الذي حولنا، والذي نعيشه مع كافة تناقضاته.
جميع الرحابنة يدعون في أعمالهم للتغير والتمرد ما هو الموقف مما هو حاصل في بعض الدول العربية؟ يستعجل أسامة السؤال ويقول: تسألينني إن كنت موافقاً؟ مطلقاً غير موافق على ما يحصل. هذا تغير ‘فوضجي’. على الأقل نحن مع تغير منطقي. أنا مع التغير الديمقراطي السلمي. يقول منصور الرحباني: الحرية والديمقراطية لا تعطى لشعوب العالم الثالث غير المستعدة لها إلا بجرعات. والواقع يؤكد أهمية قول منصور.
في الحقيقة عرض دون كيشوت متميز بعالميته لماذا سيبقى محصوراً ضمن حدود ضيقة هي لبنان؟ يقول أسامة: المطلوب منتج كبير. نحن نملك الأفكار والتنفيذ، إنما مشكلتنا أننا عرب. وللفن العربي حدوده الضيقة في الخارج.
رفيق علي أحمد:
ليس للفنان أن يكون موالياً
يقول ‘الدون أسعد’ الممثل القدير رفيق علي أحمد للقدس العربي: حتى في رحيله تمكن الكبير منصور الرحباني من جمعنا في عمل مسرحي موقعاً رحبانياً. نسأله كم يشبه رفيق على أحمد دون كيشوت؟ فيقول: كل من يعرفني يعرف شخصيتي. عندما لعبت سقراط مع الأستاذ منصور الرحباني قلت في حينها أنه قد يكون اختارني ليس لمهاراتي الفنية فقط. الإنسان في مساره وفي فلتات لسانه في الحياة يعبر عن نفسه. باعتقادي أن كافة المبدعين وكافة الفنانين في الحياة فيهم بعض من دون كيشوت، وبغير ذلك يكون فنهم وإبداعهم ناقصاً. الفنان بدون حلم، وبدون طموح للتغير يكون فنه وإبداعه ناقصاً سواء في الرواية أو الأدب، في الشعر أو في السينما. دائماً يجب أن يكون الفنان معارضاً. وإن هو رضي بالسلطة باعتقادي سوف يتعطل دوره. أن يكون الفنان في الموالاة فهو يعطل دوره. هذا ما كان عليه سقراط. كان في المعارضة، وعندما تولى حزبه السلطة تحول إلى معارض لحزبه. فإن كنت أشبه دون كيشوت أو سقراط وكافة الأدوار التي ألعبها، فأعتقد نعم. عندي نسبة لا بأس بها من تلك الشخصيات. طبيعي جداً أن يكون الفنان في المعارضة وبغير ذلك كيف سيقول هذا صح وهذا غلط.
هل خطر في بالك حين عرض مسرحية دون كيشوت في صيف 2011 أن تشهد الدول العربية ما تشهده الآن؟ يقول: نحن جيل القومية العربية، وجيل الماركسية كنا في إحباط من أن حراكاً ما لن يحدث في العالم العربي. كنا نرى سيطرة الحكام القاسية، وكيفية ضبطهم للمجتمع. فرحنا بالثورات، لكني احمل الكثير من الملاحظات على ما يسمى بالربيع العربي لا مجال لذكرها الآن.
هبة طوجي: حماسي سببه شغفي المسرح
بطلة العرض الفنانة الشابة هبة طوجي كانت من الداعيات وبقوة للتمرد في دون كيشوت تقول: هو دور أساسه التمرد، والأهم أنه يحمل بذور التطور في الشخصية، وينقلها من مرحلة مهمة إلى مرحلة أكثر أهمية. هبة التي كانت في شخصيتي ديما ودولسينايا نسألها أيهما الأقرب إلى شخصيتها الواقعية؟ فتقول: دولسينايا مثالية وليس لها أن تكون واقعية. ديما فتاة من الواقع وبإمكانها أن تمثل أكثر من شخصية في مجتمعنا. بكل تأكيد ديما هي الأقرب لي لأنها واقعية.
كم تأثرت بالدون أسعد بضرورة أن تتحقق الثورة؟ تقول هبة طوجي: كثيراً جداً. وكما شاهدت في العرض صرت معه، أمشي خلفه وأحمل رايته. أما في حضورها على الخشبة فقد كانت هبة طوجي شعلة متوقدة في الحركة والغناء والتمثيل. نسألها من أين هذا الحماس؟ تقول: جاءني الحماس من محبتي وشغفي بالمسرح. ومن التمارين المكثفة التي خضعت لها. كذلك جاءني الحماس من كافة الأشخاص الذي أحاطوني بمحبتهم وثقتهم ووضعوني في هذا الإطار الجيد.
وأخيراً نسألها: هل تتوقعين المزيد من المعجبين بحضورك المسرحي مع العرض التلفزيوني المرتقب؟ تقول: آمل ذلك، خاصة وأن النسبة الكبيرة من الناس لم تتمكن من حضور العرض المسرحي في مهرجانات جبيل. وآمل أن تتاح الفرصة لهؤلاء لمشاهدة العرض التلفزيوني، وبالتالي أن يحبوه.
بيروت ـ زهرة مرعي:
http://www.alquds.co.uk/