هايل علي المذابي يكتب: الخيال ومهمة إنتاج المستقبل!

الخيال ومهمة إنتاج المستقبل!
هايل علي المذابي
لا تزال كثير من تجارب العلوم التطبيقية والتجريبية تمتح من فرضيات الخيال التي أنتجت في سنين بعيدة من تاريخنا المعاصر وتستلهم منها الفكرة، ولطالما حالف الحظ هذه العلوم في ابتكارات جديدة تضاف إلى رصيد المنفعة الإنسانية، وكذلك في إنتاج النظريات التي تفتح الباب لمعارف وعلوم جديدة.
ان مهمة أبو الفنون “المسرح” وكذلك جميع أشكال الأدب، هي إنتاج الخيال، ويظل هذا النتاج بلا جدوى حين يفتقر إلى عنصر الخيال في نتاجه، وثمة مقولة شهيرة لعالم الفيزياء “ألبرت إينشتاين” تؤكد هذا كما وتعبر عن نهجه، إذ يصف فيها الخيال بأنه يسبق المعرفة، ويمكننا أن نعلل هذه المقولة بتعبير الإيطالي صاحب الجحيم “دانتي أليجيري” سبب أهمية أن يسبق الخيال المعرفة بقوله أن “الخيال ينقذ الإنسان”، وحين نتأمل جيدا ماهية ذلك الإنقاذ من خلال النظر فيما ذكرناه آنفا من أمثلة وكذلك في تراكمات التجربة المعرفية البشرية سنجد أن المعنى هو إنقاذ الإنسان من حوادث المستقبل ومحدثات الأيام وتبعات الحياة ومشقاتها… كيف؟
على سبيل المثال حين ألف الكاتب التشيكي “كارل تشابيك” قبل مائة عام مسرحيته “إنسان روسوم الآلي” كانت هذه المسرحية هي أول عمل أدبي في التاريخ يسمي الإنسان الآلي أو الروبوت، وبعد تطور التكنولوجيا واختراع الإنسان الآلي لم يكن هنالك تسمية له غير ما سماه به، خيالا، كارل تشابيك، فكان الروبوت خيالا في ذهنه أولا ثم صار حقيقة على الواقع ولعل في خيال تشابيك قبل مائة عام ما كان كافيا اليوم للتخفيف كثيرا من معاناة البشرية بعد أن صارت الروبوتات حقيقة تقوم بالأعمال الشاقة التي كان يقوم بها الإنسان فصيّرت حياته أفضل وأسمى من حياته السابقة.
وقبل عام من الآن وتحديدا في يناير 2021 أرادت التشيك الاحتفاء بتجربة كاتبها الذي أدهش العالم “كارل تشابيك” بما قدمه في مسرحيته “إنسان روسوم الآلي” من خيال أضاف المعرفة إلى تراكمات التجربة البشرية وأثث جيدا لإنتاج عالم موازي هو عالم الروبوتات، فقال أولا مطلق الدعوة، العبقري التشيكي توماش ستودنيك: “قبل مائة عام كتب رجل مسرحية عن الروبوتات، فلماذا لا تكتب الروبوتات اليوم مسرحية عن الرجال!”. بعد ذلك قام معهد يوفال للتكنولوجيا بالإشراف على الروبوت مطور جدا له خاصية التعلم العميق وذو دماغ إصطناعي ضخم تم تدريبه في اتحاد OpenAl لكتابة النصوص بكل أنواعها، فكانت أول تجربة هي إنتاجه لمسرحية كاملة، وتم عرضها في يناير 2021 لمرة واحدة فقط في حفل تكريم الكاتب “كارل تشابيك” في ذكراه المئوية.
وليس الأمر محض صدفة، مثلا، كلا، فهناك تجربة الفيزيائيين التي استلهمت من قصص الخيال نظريات صارت معظمها مثبتة فـ”إنيشتاين” استلهم في نظرية النسبية له وبشر بالأكوان الموازية والثقوب الدودية فيها بعد أن متح من الخيال في قصة “أليس في بلاد العجائب” التي كتبها الإنجليزي أستاذ الرياضيات والفيزياء “دودسون” لطفلة عمرها لا يتجاوز 12 عاما اسمها “أليس”، وذلك عام 1863 وقد أنتجت كفيلم يحمل الاسم نفسه أيض ا عام 2010 بطولة جوني ديب، وقد سمى “إينشتاين” نظريته الخاصة بالثقوب بالدودية نسبة إلى “دودسن” وتعبيرا عما جاء في حيثيات قصته الخيالية. وبالمثل أيضا واقع النظارات ثلاثية الأبعاد التي أستلهمت من قصة “بجماليون” الخيالية التي تنبأت بعالم الواقع الإفتراضي وأثثت له، وقد كُتِبَت قصة “بجماليون” عام 1935م وهي للمؤلف ستانلي ج. وينبون وقد وصف فيها واقعاً افتراضيا يستند إلى النظارات ذات الأبعاد الثلاثية مع ميزة التسجيل الهولوغرافي للتجارب الخيالية واستخدام حاستي الشم واللمس. وقد ظل العلم طيلة ثمانية عقود يبحث في مجال الواقع الافتراضي وحقق فيه تطورات غير عادية إلى درجة أن تلك الأحلام وذلك الخيال الذي تجسد في شكل قصصي كُتب معظمه للأطفال وتنبأت بخيال غير عادي إلى علوم عظيمة وأسست لنظريات أيضا عظيمة أصبحت معظمها حقيقة اليوم.
نريد مسرحا يتخيل وأدآبا وفنونا تتخيل ونريد مجلات علمية متخصصة في العلوم التجريبية والتطبيقية كعلوم الفيزياء والرياضيات وغيرها، نريد أمة تنتج لا تستهلك وتسجل رصيدها المعرفي في صفحات التاريخ الإنساني وبالقلم الكبير.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش