(عين) نور الدين فارس: الوطن أقدس عقيدة آمنت بها .. قبلة همومي ومصيري – العراق

إشارة :

رحل الفنان والأكاديمي العراقي الكبير “نور الدين فارس” من مؤسسي فرقة مسرح اليوم في العراق ومؤسس معهد التمثيل في الجزائر غريبا وبعيدا عن وطنه بعد أن أثرى المسرح العراقي والدراما العراقية بعشرات النصوص والمسرحيات والمسلسلات. تقدّم أسرة موقع الناقد العراقي هذا الملف الذي تتمنى على الأحبة الكتّاب والقراء إثراءه بالمقالات والبحوث والصور والوثائق.

الدراسة : 

الكاتب المسرحي والفنان واﻷكاديمي الدكتور نور الدين فارس:

الوطن أقدس عقيدة آمنت بها .. قبلة همومي ومصيري

– المنفى كابوس … وقلق ومتاعب وهموم دائمة

نور الدين فارس واحد من أبرز كتاب المسرح في العراق

أعماله كثيرة تنتظر التمثيل في الوطن ينحدر الفنان والكاتب المسرحي الدكتور نور الدين فارس من مدينة الليمون والبرتقال (شهربان) ضواحي المقدادية الى الشمال الشرقي من العاصمة بغداد هذه المدينه التي تُعرف بتنوع سكانها الثقافي واﻷثني وتعدد القوميات والأديان ، درس في مدارسها حتى إنتقاله الى بغداد ﻷكمال دراسته الجامعية، في اللغة العربية حيث كان مولعا بها، وكذلك حبه للمسرح ﻷدراكه أن للمسرح أهمية كبرى في توعية وإمتاع الناس، كما يقول ، ومنذ الوهلة اﻷولى لوجوده في بغداد تنوعت علاقاته بوسطها الثقافي والفني وكبرت وامتدت مع كتاب وفنانين ومبدعين ، من كافة اﻷختاصات الثقافية والفنية ، إضافة الى تدريسه في مدارسها ،في اللغة العربية ، في ستينات القرن الماضي ساعده ذلك على تاليف وكتابة المسرحيات حيث كان اولها عام 1965 بعنوان (أشجار الطاعون) .

غادر الكاتب والفنان نورالدين فارس ، بلده العراق عام 1974 ، لغرض الدراسة في صوفيا ، العاصمة البلغارية، في بداية اﻷمر ، مؤمنا بالتفوق العلمي والعودة للوطن ، كسائر الطلبة من مجايلية الذين كانوا شغوفين لطلب العلم ، لكن تدهور الوضع في الوطن ، عندما تسلم صدام حسين ، ونظامه المعادي للثقافة والمثقفين ، زمام أمور البلد منفردا وزمرته ، حيث تدهورت الأمور كثيرا ، الملاحقات والاعتقالات طالت أهله ورفاقه وزملاءه والمقربين منه ، والأكثر من هذا كله هي مأساته في إعدام شقيقه الدكتور شمس الدين فارس ، الرسام والفنان التشكيلي ، على ايدي جلاوزة النظام الصدامي ، هذا ماحال دون عودته ، ومن هنا بدأت رحلته في المنفى التي إمتدت لغاية اليوم ، أي أكثر من أربعة عقود وهو يتنفل في بلدان الشتات ، لكنه كان يحمل العراق وهمومه في قلبه وضميره، أينما حل ، كتابته للمسرح والتلفزيون وتدريسه في اكثر من جامعة عربية ، وتأسيسه لأكثر من فرقة وتجمع .

في الجزائر أسس الدكتور نور الدين فارس أول أكاديمية للمسرح ، في مدينة وهران ، كان يشاركه فيها زملاء له من الفنانين العراقيين ايضا ، تخرج منها أجيال من المخرجين والممثلين المسرحيين لازالوا يتذكرونه في نجاحاتهم في الجزائروالمغرب العربي، والمحافل الدولية والمهرجانات المسرحية في العالم العربي والدولي… محطته في الجزائر هي الأكثر عطاءا في حياته الأكاديمية والعملية ، مدرسا ومعلما ومشرفا على اطروحات طلبته في الماجستير وغيرها.nor aldin fares 3

يُعد الدكتور نور الدين فارس من الكتاب المهمين للمسرح العراقي ، وبالرغم من كثرة بحوثه في الدراما والمسرح والدراسات الادبية والفنية التي نشرها في الصحف والمجلات المختصة ، العراقية والعربية منها، إضافة الى ترجماته في هذا المجال أيضا ، فهو مثابر في الكتابة للمسرح ..

بعد نجاح مسرحيته الأولى (أشجار الطاعون) في تشخيصها على خشبة المسرح بأخراج الفنان الكبير الراحل جعفر السعدي الى فرقة (المسرح الشعبي) ونجاحها بشكل كبير ، بادر الى كتابة مسرحية (البيت الجديد) التي قدمت من خلال فرقة (اتحاد الفنانين) وأخرجها الفنان عبد الوهاب الدايني والتي لعب الدور الرئيس فيها الفنان الراحل منذر حلمي … وعرضها في تلفزيون بغداد ، مما شجعه ايضا ، واضافة الى حماسه ليس للكتابة فحسب ، بل تعدتها الى مفاتحة زملاءه من الفنانين والمبدعين ممثلين ومخرجين وعاملين في المسرح ، الى التفكير في تاسيس كيان مسرحي مستقل ، حينها اجتمع فناني تلك المرحلة من المؤمنين بأهداف المسرح ورسالته الانسانية وحاجة المجتمع له لتأسيس هذا الكيان الذي اسموه (فرقة مسرح اليوم) عام 1968وسرعان ما إنضم إليهم الآخرين … جنبا الى جنب من أجل المسرح ، فكان لها الفنانين .. ، منذر حلمي وعلي فوزي وفاروق أوهان وأديب القلية جي وقاسم حول وجعفر علي وعلي رفيق ومكي البدري وغيرهم ..

إبتدأ العمل في هذه الفرقة التي لم تحصل على الاجازة من السلطات إلا نهاية عام 1969 حيث قدمت أول مسرحية من تأليفه (الغريب) وإخراج الفنان جعفر علي .

ومن المفارقة الجديرة بالذكر أن هذه المسرحية لم تحصل علىا الأجازة الرسمية ، إلا قبل دقائق من عرضها بحضور رجال أمن وجلاوزة لاعلاقة لهم بالمسرح ولاالثقافة ولا الفن … ولم يسمح بعرضها أكثر من اسبوع .

وبالرغم من قلة الفرق المسرحية في العراق (وفي بغداد خاصة) كانوا كتٌاب ومؤلفي المسرح ، قليلون جدا ايضا ، حيث كان نور الدين فارس.. مؤلفا قد يكون الوحيد في فرقة مسرح اليوم … أو على الأقل في بدايتها.. وسبق لفرقة (المسرح الشعبي) وفرقة (اتحاد الفنانين) أن قدمت مؤلفاته .. يجدر الأشارة بأن هناك ظاهرة أو شبه عُرف أو تقليد دأبت عليه الفرق المسرحية في الستينات من القرن الماضي وهو ، أن يكون في كل فرقة مسرحية ، مؤلف وكاتب ، ولا يعني هذا ان تكون الفرقة حكرا على مؤلفاته بل هو تقليد ، دون سابق إتفاق ، وهذا ما لمسناه في فرقة (المسرح الفني الحديث) هناك كاتب كيوسف العاني مثلا ، والكاتب طه سالم في فرقة (اتحاد الفنانين) ، وعلي حسن البياتي كان يكتب الى فرقة (14 تموز) وهكذا من الطبيعي أن يكتب المؤلف لفرقته ، ولا يمنع هذا أن تقوم فرقة أخرى بالأستعانة او بتمثيل مسرحياته.nor aldin fares 6

سُأل الدكتور نور الدين فارس ، مرة ، إن أغلب المسرحيات التي كتبتها في اللغة العربية الفصحى ، لكنها عندما تقدم على المسرح في اللهجة الشعبية … كيف تفسر ذلك ؟ ولماذا ؟؟

يجيب نور الدين فارس بما يلي :- هذا صحيح ، وقد نُشرت كافة مسرحياتي في اللغة الفصحى ، إلا أن لللهجة الشعبية سحر وطعم خاص لدى المشاهد العراقي لأنها تتحدث عن همومه وآماله ، وتلاقي إقبالا واسعا من الجمهور ، بالرغم من قناعتي بأن اللغة العربية الفصحى أجمل ، وفيها من الصور الجميلة والغنية، ومسرحية (الينبوع) خير مثال على ذلك لأنها قدمت كما هي.

في اللغة العربية الفصحى أغلب ماكتبه الفنان والكاتب منذ السطر الأول الى هذا اليوم ، وخاصة في التاليف المسرحي ، كان يلامس هموم الناس ومشكلاتهم ، وأمانيهم ويدافع بشكل جلي وواضح عن قضايا الناس وآمالهم وتطلعاتهم … فمنذ أول مسرحية كتبها عام 1965 بعنوان (أشجار الطاعون) الى آخر مسرحية قدمت له على المسرح العراقي في بغداد عام 1973 بعنوان (عروس بالمزاد) ، هذا حتى خروجه من الوطن ، وبالرغم من تأليفاته التي مُنعت او حُرم على المسرحيين من تداولها لكنه إستمر في التاليف والانتاج الابداعي ، حتى وهو على مقاعد الدراسة ، وفي المنفى ، وأخرجت له عشرات المسرحيات في خارج الوطن ، ومن عناوين مسرحياته يستدرك القارىء ، موضوعاتها وأهدافها ولمن كتبت ، وأي موضوع تناولت ، بعد مسرحية (الغريب) كانت مسرحية (العطش والقضية) و(القضية رقم 1) ومسرحية (الينبوع) .. إضافة الى الكثير من المؤلفات التي تناولها المسرح الجزائري أثناء أقامته فيها … ولازال بحوزته الكثير منها الذي لم ينشر بعد .

أنهى الدكتور نور الدين فارس دراسته الأكاديمية في صوفيا (بلغاريا) عام 1979 حاصلا على شهادة الدكتوراه في (فلسفة الفن) على أمل العودة للعراق لكن ما منعه من ذلك هو تدهور الوضع وتصاعد وتيرة القمع للوطنيين العراقيين وإعدام أخيه الدكتور شمس الدين الفنان وصاحب أجمل جدارية في واجهة سينما بابل وسط بغداد والتي لازالت شاخصة بالرغم من الاهمال والحروب والكوارث التي مرت على العراق .

لم يستطع البقاء في (بلغاريا) بعد أن اكمل دراسته فيها ولا يستطيع العودة للوطن لأسباب قاهرة (أشرنا لها) وعليه مغادرة البلد الذي هو فيه لأن قانون الدولة (بلغاريا) لايسمح للطالب في البقاء بعد إكمال دراسته ، لذا لم يجد أمامه سوى السفر الى اي بلد يمكنه العيش فيه، وكان لاخيار امامه سوى المغادرة الى الجزائر ، الى منفى آخر ، لم يكن إختياره سهلا ، خاصة في تلك الظروف ، ومع هذا وصل الجزائر عام 1979 ليباشر عمله في مجال التدريس حيث عُين استاذا في كلية الآداب في جامعة وهران أحد اكبر الجامعات في الجزائر ومحاضرا في قسم/ النفد والأدب التمثيلي/ وايضا مشرفا على طلبة الماجستير حتى تاسيسه لأكاديمية المسرح والتمثيل في وهران.

لم ينقطع عن التاليف المسرحي وعن الكتابة للادب والفن من بحوث ودراسات … حيث نشر وأخرجت له العديد من الاعمال المسرحية والتلفزيونية حيث كتب مسرحيات كثيرة منها على سبيل المثال (الدوامة) و(القيثارة والجلاد) و(ينبوع القيامة) و(كوميديا الأرض) ولاتبتعد مواضيع مسرحياته عن بلده العراق ووضعه ومحنته ولاعن قضايا الناس عربيا وعالميا

نور الدين فارس مؤسس مجدد

يقول الفنان علي رفيق الذي عاصر الفنان نور الدين فارس ومثٌل في أكثر من مسرحية من مؤلفاته ….

ما أريد قوله عن نور الدين فارس فأنا لست بناقد، الا انني انطلق في قولي من مواكبتي لنتاجات نور الدين فارس ، أغلبها وليس جميعها، كممثل فيها فقد مثلت دور “غضبان” في مسرحيته “اشجار الطاعون” التي انتجتها فرقة المسرح الشعبي واخرجها الفنان الراحل جعفر السعدي عام 1967 وعرضت على المسرح القومي في بغداد وكان نصها بشهادة الكثير من النقاد والمهتمين في المسرح نقلة نوعية في الكتابة المسرحية العراقية فهي عالجت قضية مجتمعية معقدة هي موضوعة الأقطاع حيث يعالج الشخصية – النموذج وهي تغتصب الأرض”الوطن” والمرأة ”الشعب” مدعومة من نظام جائر وایجابیة نص نور الدين انه تخلص من تلك التقريرية والمباشرة الفجه التی کانت تسود اغلب النصوص التي سبقته، اضافة الى ان ” اشجار الطاعون” تجسدت نصا واخراجا في عرض مميز باسلوب واقعي وبمعمارأرسطي محكم.. وقد أثبت الكاتب درايته بفن الكتابة للمسرح ، علاوة على استخدامه للغة جديدة على المسرح العراقي توزعت على الشخصيات ولكل منها مفرداتها التي تعكس بعدها الطبقي والاجتماعي والنفسي .. فكان المشاهد يميز بين اللغة التي يستخدمها الأقطاعي المتجبر وبين تلك اللغة التي يتحدث بها الفلاح الفقير المسحوق ، وهنا لابد من الأشارة ان نور الدين فارس في ” اشجار الطاعون ” قدم الشخصية (النمطية) النموذج واستطاع ان يغور في عمقها الفكري والنفسي .nor aldin fares 4

أستقبل الجمهور هذه المسرحية بترحاب بالغ وذاع صيتها مما أضطر التلفزيون الى تسجيلها وبثها لمرات عديدة وهو الذي كان ينأى عن تسجيل المسرحيات الجادة .

تكريم نور الدين فارس مطلوب الآن وليس غدا

ومن جانب آخر يقول الفنان الكبير علي فوزي الذي رافقه في رحلته الفنية والنضالية :

مثلت ادروارا رئيسية في أغلب مسرحياته التي قدمتها فرقتنا (فرقة مسرح اليوم) منها مسرحيات الينبوع ومسرحية الغريب، العطش والقضية، وعروس في المزاد … وغيرها ايضا من الأعمال التلفزيونية ( الأبرة واللهب) لكن وقوفي امامه كممثل في الدور الذي لعبه ، وهو الدور الوحيد الذي لعبه كممثل في حياته المسرحية ، كان له طعم خاص حيث جسد شخصية تاريخية مهمة ومثيرة للجدل وقائد أممي بارز لم يسبق لأحد ان جسدها على المسرح خاصة ، في المسرح العربي ألا وهي ، شخصية القائد الأممي (لينين) في مسرحية (أجراس الكرملين) التي قدمتها (فرقة الصداقة) بأخراج الفنان أديب القلية جي … كان دوره مميزا ونادرا جدا في المسرح العراقي ، وكان لي الفخر أن اكون ضمن هذه الفرقة التي إنضم اليها اجمل وارقى الفنانين المبدعين من ذلك الجيل الصاعد والمناضل….

مواضيع مسرحياته تدور دائما عن هموم الناس الفقراء وطيبتهم ومعاناتهم بشكل جريئ ومسؤول ، حيث تتضمن النكتة الجارحة ، والهادفة بنفس الوقت … بالرغم من أنه معروف بتضمين مؤلفاته حوارات طويلة قد تضطر المخرجين في التعامل معها بصعوبة ، لكنه يتقبل الأمر، وحذف الحوار، بروح رياضية عالية وبأخلاق فنان كبير حتى أنه لا يظهر عدم الرضى في داخله ، ديدنه دائما ان العمل للناس ، المهم فيها ، ايصال الفكرة النيرة والملتزمة بقضايا الناس والوطن .

نور الدين فارس من اعلام المسرح العراقي … زميل ورفيق درب ،يتمتع بأخلاق عالية ، محب لمن حوله ،يضحك من القلب ويحزن من القلب… من المؤسف أن ينتهي به مريضا واهنا ، بعيد عن وطنه وأهله وناسه ، ومسرحه العراقي الذي طالما أعطى جهده ووقته وضحى بالغالي والنفيس من أجله … على المعنيين في الدولة ونقابة الفنانين وإتحاد الأدباء تكريمه تكريما خاصا .

ويبفى نور الدين فارس واحدا من أهم المؤلفين للمسرح العربي ، كتب ونشر ومثلت له أغلب الفرق المسرحية العراقية والعربية العديد من المسرحيات

ويؤكد ذلك الفنان علي رفيق بقوله :

ان دخول نور الدين فارس معترك الكتابة المسرحية جاء بعد متابعة متواصلة وجادة منه في هذا الحقل وعمله الدؤوب في الاطلاع على عيون الادب المسرحي العالمي وهو بعد انهائه تحصيله الجامعي في اللغة العربية دخل معهد الفنون الجميلة – فرع المسرح ودرس الأخراج والتمثيل لخمس سنوات وشارك في جميع النتاجات المسرحية في المعهد وانغمر في ورشات العمل المسرحي التي كان يشرف عليها أساتذة المعهد . وعندما كان يكتب نصا يضع هدفه الأساسي في تجسيده على الخشبة ولا يدعه حبيس الكتاب على الرغم من حرصه على طباعة معظم نصوصه في كتب .. ونور الدين فارس كان كثيرا ما يواكب تمرينات الفرق التي تنتج نصوصه بشكل يومي ويساهم في نقاشها وتحليلها مع مخرجيها وممثليها ، وكانت تلك التمرينات تشهد التعديلات والتدقيقات التي أسهمت في تقديم اعماله الناضجة.

——————————————————————

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – قاسم حسن

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *